[ ص: 304 ] nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28كذلك nindex.php?page=treesubj&link=29006_19981_19989إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور الأظهر عندي أن " كذلك " ابتداء كلام يتنزل منزلة الإخبار بالنتيجة عقب ذكر الدليل . والمعنى : كذلك أمر الاختلاف في ظواهر الأشياء المشاهد في اختلاف ألوانها وهو توطئة لما يرد بعده من تفصيل الاستنتاج بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده أي إنما يخشى الله من البشر المختلفة ألوانهم العلماء منهم ، فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء مستأنفة عن جملة " كذلك " ، وإذا علم ذلك دل بالالتزام على أن غير العلماء لا تتأتى منهم خشية الله فدل على أن البشر في أحوال قلوبهم ومداركهم مختلفون . وهذا مثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب .
وأوثر هذا الأسلوب في الدلالة تخلصا للتنويه بأهل العلم والإيمان لينتقل إلى تفصيل ذلك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29إن الذين يتلون كتاب الله الآية .
فقوله " كذلك " خبر لمبتدأ محذوف دل عليه المقام . والتقدير : كذلك الاختلاف ، أو كذلك الأمر على نحو قوله تعالى في سورة الكهف
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=91كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا وهو من فصل الخطاب كما علمت هنالك ولذلك يحسن الوقف على ما قبله ويستأنف ما بعده .
وأما جعل " كذلك " من توابع الكلام السابق فلا يناسب نظم القرآن لضعفه .
والقصر المستفاد من " إنما " قصر إضافي ، أي لا يخشاه الجهال ، وهم أهل الشرك فإن من أخص أوصافهم أنهم أهل الجاهلية ، أي عدم العلم ، فالمؤمنون يومئذ هم العلماء ، والمشركون جاهلون نفيت عنهم خشية الله . ثم إن العلماء في مراتب الخشية متفاوتون في الدرجات تفاوتا كثيرا . وتقديم مفعول " يخشى " على فاعله لأن المحصور فيهم خشية الله هم العلماء فوجب تأخيره على سنة تأخير المحصور فيه .
والمراد بالعلماء : العلماء بالله وبالشريعة ، وعلى حسب مقدار العلم في ذلك تقوى الخشية ، فأما العلماء بعلوم لا تتعلق بمعرفة الله وثوابه وعقابه معرفة على
[ ص: 305 ] وجهها فليست علومهم بمقربة لهم من خشية الله ، ذلك لأن العالم بالشريعة لا تلتبس عليه حقائق الأسماء الشرعية فهو يفهم مواقعها حق الفهم ويرعاها في مواقعها ويعلم عواقبها من خير أو شر ، فهو يأتي ويدع من الأعمال ما فيه مراد الله ومقصد شرعه ، فإن هو خالف ما دعت إليه الشريعة في بعض الأحوال أو في بعض الأوقات لداعي شهوة أو هوى أو تعجل نفع دنيوي كان في حال المخالفة موقنا أنه مورط فيما لا تحمد عقباه ، فذلك الإيقان لا يلبث أن ينصرف به عن الاسترسال في المخالفة بالإقلاع أو الإقلال .
وغير العالم إن اهتدى بالعلماء فسعيه مثل سعي العلماء وخشيته متولدة عن خشية العلماء . قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12502أبو محمد بن أبي زيد والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها ، وأقرب العلماء إلى الله أولاهم به وأكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إن الله عزيز غفور تكميل للدلالة على استغناء الله تعالى عن إيمان المشركين ولكنه يريد لهم الخير . ولما كان في هذا الوصف ضرب من الإعراض عنهم مما قد يحدث يأسا في نفوس المقاربين منهم ، ألفت قلوبهم باتباع وصف " عزيز " ، بوصف " غفور " أي فهو يقبل التوبة منهم إن تابوا إلى ما دعاهم الله إليه على أن في صفة " غفور " حظا عظيما لأحد طرفي القصر وهو العلماء ، أي غفور لهم .
[ ص: 304 ] nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28كَذَلِكَ nindex.php?page=treesubj&link=29006_19981_19989إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ " كَذَلِكَ " ابْتِدَاءُ كَلَامٍ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْإِخْبَارِ بِالنَّتِيجَةِ عَقِبَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ . وَالْمَعْنَى : كَذَلِكَ أَمْرُ الِاخْتِلَافِ فِي ظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُشَاهَدِ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا وَهُوَ تَوْطِئَةٌ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ تَفْصِيلِ الِاسْتِنْتَاجِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ أَيْ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنَ الْبَشَرِ الْمُخْتَلِفَةِ أَلْوَانُهُمُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ ، فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ مُسْتَأْنَفَةٌ عَنْ جُمْلَةِ " كَذَلِكَ " ، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ دَلَّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعُلَمَاءِ لَا تَتَأَتَّى مِنْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَشَرَ فِي أَحْوَالِ قُلُوبِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ مُخْتَلِفُونَ . وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ .
وَأُوثِرَ هَذَا الْأُسْلُوبُ فِي الدَّلَالَةِ تَخَلُّصًا لِلتَّنْوِيهِ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لِيَنْتَقِلَ إِلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ الْآيَةَ .
فَقَوْلُهُ " كَذَلِكَ " خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ . وَالتَّقْدِيرُ : كَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ ، أَوْ كَذَلِكَ الْأَمْرُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=91كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا وَهُوَ مِنْ فَصْلِ الْخِطَابِ كَمَا عَلِمْتَ هُنَالِكَ وَلِذَلِكَ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُسْتَأْنَفُ مَا بَعْدَهُ .
وَأَمَّا جَعْلُ " كَذَلِكَ " مِنْ تَوَابِعِ الْكَلَامِ السَّابِقِ فَلَا يُنَاسِبُ نَظْمَ الْقُرْآنِ لِضَعْفِهِ .
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ " إِنَّمَا " قَصْرٌ إِضَافِيٌّ ، أَيْ لَا يَخْشَاهُ الْجُهَّالُ ، وَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ فَإِنَّ مِنْ أَخَصِّ أَوْصَافِهِمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَيْ عَدَمِ الْعِلْمِ ، فَالْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ هُمُ الْعُلَمَاءُ ، وَالْمُشْرِكُونَ جَاهِلُونَ نُفِيَتْ عَنْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ . ثُمَّ إِنَّ الْعُلَمَاءَ فِي مَرَاتِبِ الْخَشْيَةِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا . وَتَقْدِيمُ مَفْعُولِ " يَخْشَى " عَلَى فَاعِلِهِ لِأَنَّ الْمَحْصُورَ فِيهِمْ خَشْيَةُ اللَّهِ هُمُ الْعُلَمَاءُ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَلَى سُنَّةِ تَأْخِيرِ الْمَحْصُورِ فِيهِ .
وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ : الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ وَبِالشَّرِيعَةِ ، وَعَلَى حَسَبِ مِقْدَارِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ تَقْوَى الْخَشْيَةُ ، فَأَمَّا الْعُلَمَاءُ بِعُلُومٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ مَعْرِفَةً عَلَى
[ ص: 305 ] وَجْهِهَا فَلَيْسَتْ عُلُومُهُمْ بِمُقَرِّبَةٍ لَهُمْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّرِيعَةِ لَا تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ حَقَائِقُ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ يَفْهَمُ مَوَاقِعَهَا حَقَّ الْفَهْمِ وَيَرْعَاهَا فِي مَوَاقِعِهَا وَيَعْلَمُ عَوَاقِبَهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، فَهُوَ يَأْتِي وَيَدَعُ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا فِيهِ مُرَادُ اللَّهِ وَمَقْصِدُ شَرْعِهِ ، فَإِنْ هُوَ خَالَفَ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الشَّرِيعَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِدَاعِي شَهْوَةٍ أَوْ هَوًى أَوْ تَعَجُّلِ نَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ كَانَ فِي حَالِ الْمُخَالَفَةِ مُوقِنًا أَنَّهُ مُوَرَّطٌ فِيمَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ ، فَذَلِكَ الْإِيقَانُ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْصَرِفَ بِهِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي الْمُخَالَفَةِ بِالْإِقْلَاعِ أَوِ الْإِقْلَالِ .
وَغَيْرُ الْعَالِمِ إِنِ اهْتَدَى بِالْعُلَمَاءِ فَسَعْيُهُ مِثْلُ سَعْيِ الْعُلَمَاءِ وَخَشْيَتُهُ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ خَشْيَةِ الْعُلَمَاءِ . قَالَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=12502أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالْعِلْمُ دَلِيلٌ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَقَائِدٌ إِلَيْهَا ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اللَّهِ أَوْلَاهُمْ بِهِ وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً وَفِيمَا عِنْدَهُ رَغْبَةً .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تَكْمِيلٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِغْنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ إِيمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ لَهُمُ الْخَيْرَ . وَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا الْوَصْفِ ضَرْبٌ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ مِمَّا قَدْ يُحْدِثُ يَأْسًا فِي نُفُوسِ الْمُقَارِبِينَ مِنْهُمْ ، أُلِّفَتْ قُلُوبُهُمْ بِاتِّبَاعِ وَصْفِ " عَزِيزٌ " ، بِوَصْفِ " غَفُورٌ " أَيْ فَهُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْهُمْ إِنْ تَابُوا إِلَى مَا دَعَاهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّ فِي صِفَةِ " غَفُورٌ " حَظًّا عَظِيمًا لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْقَصْرِ وَهُوَ الْعُلَمَاءُ ، أَيْ غَفُورٌ لَهُمْ .