nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=29011_29485الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون .
انتقال من الامتنان على الناس بما سخر لأجلهم من نظام العوالم العليا والسفلى ، وبما منحهم من الإيجاد وتطوره وما في ذلك من الألطاف بهم وما أدمج فيه من الاستدلال على انفراده تعالى بالتصرف فكيف ينصرف عن عبادته الذين أشركوا به آلهة أخرى ، إلى الامتنان بما سخر لهم من الإبل لمنافعهم الجمة خاصة وعامة ، فالجملة استئناف سادس .
والقول في افتتاحها كالقول في افتتاح نظائرها السابقة باسم الجلالة أو بضميره .
والأنعام : الإبل ، والغنم ، والمعز ، والبقر . والمراد هنا : الإبل خاصة لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولتبلغوا عليها حاجة وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وعليها وعلى الفلك تحملون وكانت الإبل غالب مكاسبهم .
والجعل : الوضع والتمكين والتهيئة ، فيحمل في كل مقام على ما يناسبه وفائدة الامتنان تقريب نفوسهم من التوحيد لأن شأن أهل المروءة الاستحياء من المنعم .
وأدمج في الامتنان
nindex.php?page=treesubj&link=29426استدلال على دقيق الصنع وبليغ الحكمة كما دل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=81ويريكم آياته أي في ذلك كله .
[ ص: 215 ] واللام في لكم لام التعليل ، أي لأجلكم وهو امتنان مجمل يشمل بالتأمل كل ما في الإبل لهم من منافع وهم يعلمونها إذا تذكروها وعدوها .
ثم فصل ذلك الإجمال بعض التفصيل بذكر المهم من النعم التي في الإبل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لتركبوا منها إلى تحملون .
فاللام في
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لتركبوا منها لام كي وهي متعلقة ب جعل أي لركوبكم .
ومن في الموضعين هنا للتبعيض وهي صفة لمحذوف يدل عليه من أي بعضا منها ، وهو ما أعد للأسفار من الرواحل . ويتعلق حرف من ب تركبوا ، وتعلق من التبعيضية بالفعل تعلق ضعيف وهو الذي دعا
التفتزاني إلى القول بأن من في مثله اسم بمعنى بعض ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله في سورة البقرة .
وأريد بالركوب هنا الركوب للراحة من تعب الرجلين في الحاجة القريبة بقرينة مقابلته بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم .
وجملة ومنها تأكلون في موضع الحال من الأنعام ، أو عطف على المعنى من جملة لتركبوا منها لأنها في قوة أن يقال : تركبون منها ، على وجه الاستئناف لبيان الإجمال الذي في
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79جعل لكم الأنعام ، وعلى الاعتبارين فهي في حيز ما دخلت عليه لام كي فمعناها : ولتأكلوا منها .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولكم فيها منافع عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79ومنها تأكلون ، والمعنى أيضا على اعتبار التعليل كأنه قيل : ولتجتنوا منافعها المجعولة لكم وإنما غير أسلوب التعليل تفننا في الكلام وتنشيطا للسامع لئلا يتكرر حرف التعليل تكرارات كثيرة .
والمنافع : جمع منفعة ، وهي مفعلة من النفع ، وهي : الشيء الذي ينتفع به ، أي يستصلح به .
فالمنافع في هذه الآية أريد بها ما قابل منافع أكل لحومها في
[ ص: 216 ] قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79ومنها تأكلون مثل الانتفاع بأوبارها وألبانها وأثمانها وأعواضها في الديات والمهور ، وكذلك الانتفاع بجلودها باتخاذها قبابا وغيرها وبالجلوس عليها ، وكذلك الانتفاع بجمال مرآها في العيون في المسرح والمراح ، والمنافع شاملة للركوب الذي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لتركبوا منها ، فذكر المنافع بعد لتركبوا منها تعميم بعد تخصيص كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18ولي فيها مآرب أخرى بعد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هي عصاي أتوكأ عليها ، فذكر هنا الشائع المطروق عندهم ، ثم ذكر مثيله في الشيوع وهو الأكل منها ، ثم عاد إلى عموم المنافع ، ثم خص من المنافع الأسفار فإن اشتداد الحاجة إلى الأنعام فيها تجعل الانتفاع بركوبها للسفر في محل الاهتمام .
ولما كانت المنافع ليست منحصرة في أجزاء الأنعام جيء في متعلقها بحرف في دون من لأن في للظرفية المجازية بقرينة السياق فتشمل كل ما يعد كالشيء المحوي في الأنعام ، كقول
سبرة بن عمرو الفقعسي من شعراء الحماسة يذكر ما أخذه من الإبل في دية قريب :
نحابي بها أكفاءنا ونهينها ونشرب في أثمانها ونقامر
وأنبأ فعل لتبلغوا أن الحاجة التي في الصدور حاجة في مكان بعيد يطلبها صاحبها .
والحاجة : النية والعزيمة .
والصدور أطلق على العقول اتباعا للمتعارف الشائع كما يطلق القلوب على العقول .
وأعقب الامتنان بالأنعام بالامتنان بالفلك لمناسبة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وعليها وعلى الفلك تحملون ، وهو انتقال من الامتنان بجعل الأنعام ، إلى الامتنان بنعمة الركوب في الفلك في البحار والأنهار فالمقصود هو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وعلى الفلك تحملون ، وأما قوله وعليها فهو تمهيد له وهو اعتراض بالواو الاعتراضية تكريرا للمنة ، على أنه قد يشمل حمل الأثقال على الإبل كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وتحمل أثقالكم فيكون إسناد الحمل إلى ضمير الناس تغليبا .
[ ص: 217 ] ووجه الامتنان بالفلك أنه امتنان بما ركب الله في الإنسان من التدبير والذكاء الذي توصل به إلى المخترعات النافعة بحسب مختلف العصور والأجيال ، كما تقدم في سورة البقرة عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس لآيات ، وبينا هنالك أن العرب كانوا يركبون البحر الأحمر في التجارة ويركبون الأنهار أيضا قال
النابغة يصف
الفرات :
يظل من خوفه الملاح معتصما بالخيزرانة بعد الأين والنجد
والجمع بين السفر بالإبل والسفر بالفلك جمع لطيف ، فإن الإبل سفائن البر ، وقديما سموها بذلك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير سورة المؤمنين .
وإنما قال وعلى الفلك ولم يقل : وفي الفلك ، كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك للمزاوجة والمشاكلة مع ( وعليها ) ، وإنما أعيد حرف على في الفلك لأنها هي المقصودة بالذكر وكان ذكر وعليها كالتوطئة لها فجاءت على مثالها .
وتقديم المجرورات في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79ومنها تأكلون وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وعليها وعلى الفلك للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بما هو المقصود في السياق .
وتقديم لكم على الأنعام مع أن المفعول أشد اتصالا بفعله من المجرور لقصد الاهتمام بالمنعم عليهم .
وأما تقديم المجرورين في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80ولكم فيها منافع فللاهتمام بالمنعم عليهم والمنعم بها لأنه الغرض الأول من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79الله الذي جعل لكم الأنعام .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=29011_29485اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ .
انْتِقَالٌ مِنَ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ بِمَا سَخَّرَ لِأَجْلِهِمْ مِنْ نِظَامِ الْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى ، وَبِمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْإِيجَادِ وَتَطَوُّرِهِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَلْطَافِ بِهِمْ وَمَا أَدْمَجَ فِيهِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فَكَيْفَ يَنْصَرِفُ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِهِ آلِهَةً أُخْرَى ، إِلَى الِامْتِنَانِ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ لِمَنَافِعِهِمُ الْجَمَّةِ خَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ سَادِسٌ .
وَالْقَوْلُ فِي افْتِتَاحِهَا كَالْقَوْلِ فِي افْتِتَاحِ نَظَائِرِهَا السَّابِقَةِ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِضَمِيرِهِ .
وَالْأَنْعَامُ : الْإِبِلُ ، وَالْغَنَمُ ، وَالْمَعْزُ ، وَالْبَقَرُ . وَالْمُرَادُ هُنَا : الْإِبِلُ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَكَانَتِ الْإِبِلُ غَالِبَ مَكَاسِبِهِمْ .
وَالْجَعْلُ : الْوَضْعُ وَالتَّمْكِينُ وَالتَّهْيِئَةُ ، فَيُحْمَلُ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ وَفَائِدَةُ الِامْتِنَانِ تَقْرِيبُ نُفُوسِهِمْ مِنَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْمُنْعِمِ .
وَأُدْمِجَ فِي الِامْتِنَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=29426اسْتِدْلَالٌ عَلَى دَقِيقِ الصُّنْعِ وَبَلِيغِ الْحِكْمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=81وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ أَيْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
[ ص: 215 ] وَاللَّامُ فِي لَكُمْ لَامُ التَّعْلِيلِ ، أَيْ لِأَجْلِكُمْ وَهُوَ امْتِنَانٌ مُجْمَلٌ يَشْمَلُ بِالتَّأَمُّلِ كُلَّ مَا فِي الْإِبِلِ لَهُمْ مِنْ مَنَافِعَ وَهُمْ يَعْلَمُونَهَا إِذَا تَذَكَّرُوهَا وَعَدُّوهَا .
ثُمَّ فَصَّلَ ذَلِكَ الْإِجْمَالَ بَعْضَ التَّفْصِيلِ بِذِكْرِ الْمُهِمِّ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي فِي الْإِبِلِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لِتَرْكَبُوا مِنْهَا إِلَى تُحْمَلُونَ .
فَاللَّامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لِتَرْكَبُوا مِنْهَا لَامُ كَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِ جَعَلَ أَيْ لِرُكُوبِكُمْ .
وَمِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُنَا لِلتَّبْعِيضِ وَهِيَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ أَيْ بَعْضًا مِنْهَا ، وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلْأَسْفَارِ مِنَ الرَّوَاحِلِ . وَيَتَعَلَّقُ حَرْفُ مِنْ بِ تَرْكَبُوا ، وَتَعَلُّقُ مِنِ التَّبْعِيَّضِيَّةِ بِالْفِعْلِ تَعَلُّقٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ الَّذِي دَعَا
التَّفْتَزَانِيَّ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مِنْ فِي مِثْلِهِ اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَأُرِيدَ بِالرُّكُوبِ هُنَا الرُّكُوبُ لِلرَّاحَةِ مِنْ تَعَبِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْحَاجَةِ الْقَرِيبَةِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ .
وَجُمْلَةُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْأَنْعَامِ ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ : تَرْكَبُونَ مِنْهَا ، عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ لِبَيَانِ الْإِجْمَالِ الَّذِي فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ ، وَعَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ فَهِيَ فِي حَيِّزِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ كَيْ فَمَعْنَاهَا : وَلِتَأْكُلُوا مِنْهَا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَالْمَعْنَى أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ : وَلِتَجْتَنُوا مَنَافِعَهَا الْمَجْعُولَةَ لَكُمْ وَإِنَّمَا غَيَّرَ أُسْلُوبَ التَّعْلِيلِ تَفَنُّنًا فِي الْكَلَامِ وَتَنْشِيطًا لِلسَّامِعِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ حَرْفُ التَّعْلِيلِ تِكْرَارَاتٍ كَثِيرَةً .
وَالْمَنَافِعُ : جَمْعُ مَنْفَعَةٍ ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِنَ النَّفْعِ ، وَهِيَ : الشَّيْءُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَيْ يُسْتَصْلَحُ بِهِ .
فَالْمَنَافِعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أُرِيدَ بِهَا مَا قَابَلَ مَنَافِعَ أَكْلِ لُحُومِهَا فِي
[ ص: 216 ] قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ مِثْلَ الِانْتِفَاعِ بِأَوْبَارِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَثْمَانِهَا وَأَعْوَاضِهَا فِي الدِّيَاتِ وَالْمُهُورِ ، وَكَذَلِكَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا بِاتِّخَاذِهَا قِبَابًا وَغَيْرَهَا وَبِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ الِانْتِفَاعُ بِجَمَالِ مَرْآهَا فِي الْعُيُونِ فِي الْمَسْرَحِ وَالْمَرَاحِ ، وَالْمَنَافِعُ شَامِلَةٌ لِلرُّكُوبِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79لِتَرْكَبُوا مِنْهَا ، فَذِكْرُ الْمَنَافِعِ بَعْدَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى بَعْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ، فَذَكَرَ هُنَا الشَّائِعَ الْمَطْرُوقَ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ ذَكَر مَثِيلَهُ فِي الشُّيُوعِ وَهُوَ الْأَكْلُ مِنْهَا ، ثُمَّ عَادَ إِلَى عُمُومِ الْمَنَافِعِ ، ثُمَّ خَصَّ مِنَ الْمَنَافِعِ الْأَسْفَارَ فَإِنَّ اشْتِدَادَ الْحَاجَةِ إِلَى الْأَنْعَامِ فِيهَا تَجْعَلُ الِانْتِفَاعَ بِرُكُوبِهَا لِلسَّفَرِ فِي مَحَلِّ الِاهْتِمَامِ .
وَلَمَّا كَانَتِ الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي أَجْزَاءِ الْأَنْعَامِ جِيءَ فِي مُتَعَلِّقِهَا بِحَرْفِ فِي دُونَ مِنْ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَتَشْمَلُ كُلَّ مَا يُعَدُّ كَالشَّيْءِ الْمُحَوِّي فِي الْأَنْعَامِ ، كَقَوْلِ
سَبْرَةَ بْنِ عَمْرٍو الْفَقْعَسِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ يَذْكُرُ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ قَرِيبٍ :
نُحَابِي بِهَا أَكْفَاءَنَا وَنُهِينُهَا وَنَشْرَبُ فِي أَثْمَانِهَا وَنُقَامِرُ
وَأَنْبَأَ فِعْلُ لِتَبْلُغُوا أَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي فِي الصُّدُورِ حَاجَةٌ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ يَطْلُبُهَا صَاحِبُهَا .
وَالْحَاجَةُ : النِّيَّةُ وَالْعَزِيمَةُ .
وَالصُّدُورُ أُطْلِقَ عَلَى الْعُقُولِ اتِّبَاعًا لِلْمُتَعَارَفِ الشَّائِعِ كَمَا يُطْلَقُ الْقُلُوبُ عَلَى الْعُقُولِ .
وَأَعْقَبَ الِامْتِنَانَ بِالْأَنْعَامِ بِالِامْتِنَانِ بِالْفُلْكِ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الِامْتِنَانِ بِجَعْلِ الْأَنْعَامِ ، إِلَى الِامْتِنَانِ بِنِعْمَةِ الرُّكُوبِ فِي الْفُلْكِ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ فَالْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا فَهُوَ تَمْهِيدٌ لَهُ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ بِالْوَاوِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ تَكْرِيرًا لِلْمِنَّةِ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَشْمَلُ حَمْلَ الْأَثْقَالِ عَلَى الْإِبِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=7وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ فَيَكُونُ إِسْنَادُ الْحَمْلِ إِلَى ضَمِيرِ النَّاسِ تَغْلِيبًا .
[ ص: 217 ] وُوَجْهُ الِامْتِنَانِ بِالْفُلْكِ أَنَّهُ امْتِنَانٌ بِمَا رَكَّبَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ التَّدْبِيرِ وَالذَّكَاءِ الَّذِي تَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الْمُخْتَرَعَاتِ النَّافِعَةِ بِحَسْبِ مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ وَالْأَجْيَالِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ لَآيَاتٍ ، وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الْأَحْمَرَ فِي التِّجَارَةِ وَيَرْكَبُونَ الْأَنْهَارَ أَيْضًا قَالَ
النَّابِغَةُ يَصِفُ
الْفُرَاتَ :
يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ الْمَلَّاحُ مُعْتَصِمًا بِالْخَيْزُرَانَةِ بَعْدَ الْأَيْنِ وَالنَّجَدِ
وَالْجَمْعُ بَيْنَ السَّفَرِ بِالْإِبِلِ وَالسِّفْرِ بِالْفُلْكِ جَمْعٌ لَطِيفٌ ، فَإِنَّ الْإِبِلَ سَفَائِنُ الْبَرِّ ، وَقَدِيمًا سَمَّوْهَا بِذَلِكَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَإِنَّمَا قَالَ وَعَلَى الْفُلْكِ وَلَمْ يَقُلْ : وَفِي الْفُلْكِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ لِلْمُزَاوَجَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ مَعَ ( وَعَلَيْهَا ) ، وَإِنَّمَا أُعِيدَ حِرَفُ عَلَى فِي الْفُلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالذِّكْرِ وَكَانَ ذِكْرُ وَعَلَيْهَا كَالتَّوْطِئَةِ لَهَا فَجَاءَتْ عَلَى مِثَالِهَا .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَاتِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ مَعَ الِاهْتِمَامِ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي السِّيَاقِ .
وَتَقْدِيمُ لَكُمْ عَلَى الْأَنْعَامِ مَعَ أَنَّ الْمَفْعُولَ أَشَدُّ اتِّصَالًا بِفِعْلِهِ مِنَ الْمَجْرُورِ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِالْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْمَجْرُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=80وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ فَلِلِاهْتِمَامِ بِالْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَالْمُنْعِمِ بِهَا لِأَنَّهُ الْغَرَضُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=79اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ .