nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29017_28658ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون
لما كان من أهم ما جاء به القرآن إثبات وحدانية الله تعالى ، وإثبات البعث والجزاء - لتوقف حصول فائدة الإنذار على إثباتهما - جعل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم تمهيدا للاستدلال على إثبات الوحدانية والبعث والجزاء ، فجعل خلق السماوات والأرض محل اتفاق ، ورتب عليه أنه ما كان ذلك الخلق إلا ملابسا للحق ، وتقتضي ملابسته للحق أنه لا يكون خلقا عبثا ، بل هو دال على أنه يعقبه جزاء على ما يفعله المخلوقون .
واستثناء " بالحق " من أحوال عامة ، أي ما خلقناهما إلا في حالة المصاحبة للحق .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3والذين كفروا عما أنذروا معرضون في موضع الحال من الضمير المقدر في متعلق الجار والمجرور من قوله بالحق ، فيكون المقصود من الحال
[ ص: 8 ] التعجيب منهم وليس ذلك عطفا لأن الإخبار عن الذين كفروا بالإعراض مستغنى عنه إذ هو معلوم ، والتقدير : إلا خلقا كائنا بملابسة الحق في حال إعراض الذين كفروا عما أنذروا به مما دل عليه الخلق بالحق .
وصاحب الحال هو
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3السماوات والأرض ، والمعنى : ما خلقناهما إلا في حالة ملابسة الحق لهما وتعيين أجل لهما . وإعراض الذين كفروا عما أنذروا به من آيات القرآن التي تذكرهم بما في خلق السماوات والأرض من ملابسة الحق .
وعطف " وأجل مسمى " على " بالحق " عطف الخاص على العام للاهتمام به كعطف
جبريل وميكائيل على ملائكته في قوله - تعالى - "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته وجبريل وميكائيل " في سورة البقرة ، لأن دلالة الحدوث على قبول الفناء دلالة عقلية فهي مما يقتضيه الحق ، وأن تعرض السماوات والأرض للفناء دليل على وقوع البعث لأن انعدام هذا العالم يقتضي بمقتضى الحكمة أن يخلفه عالم آخر أعظم منه ، على سنة تدرج المخلوقات في الكمال ، وقد كان ظن الدهريين قدم هذا العالم وبقاءه أكبر شبهة لهم في إنكارهم البعث
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر . فالدهر عندهم متصرف وهو باق غير فان ، فلو جوزوا فناء هذا العالم لأمكن نزولهم إلى النظر في الأدلة التي تقتضي حياة ثانية . فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3والذين كفروا عما أنذروا معرضون مرتبطة بالاستثناء في قوله " إلا بالحق " أي هم معرضون عما أنذروا به من وعيد يوم البعث .
وحذف العائد من الصلة لأنه ضمير منصوب بـ " أنذروا " . والتقدير : عما أنذروه معرضون .
ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية فلا يقدر بعدها ضمير . والتقدير عن إنذارهم معرضون فشمل كل إنذار أنذروه .
وتقديم " عما أنذروا " على متعلقه وهو " معرضون " للاهتمام بما أنذروا ، ويتبع ذلك رعاية الفاصلة .
[ ص: 9 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=29017_28658مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ
لَمَّا كَانَ مِنْ أَهَمِّ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ إِثْبَاتُ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ - لِتَوَقُّفِ حُصُولِ فَائِدَةِ الْإِنْذَارِ عَلَى إِثْبَاتِهِمَا - جُعِلَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ تَمْهِيدًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ، فَجُعِلَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ ، وَرُتِّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا كَانَ ذَلِكَ الْخَلْقُ إِلَّا مُلَابِسًا لِلْحَقِّ ، وَتَقْتَضِي مُلَابَسَتُهُ لِلْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَلْقًا عَبَثًا ، بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَعْقُبُهُ جَزَاءٌ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمَخْلُوقُونَ .
وَاسْتِثْنَاءُ " بِالْحَقِّ " مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ ، أَيْ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا فِي حَالَةِ الْمُصَاحَبَةِ لِلْحَقِّ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُقَدَّرِ فِي مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ قَوْلِهِ بِالْحَقِّ ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَالِ
[ ص: 8 ] التَّعْجِيبُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَطْفًا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْإِعْرَاضِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إِذْ هُوَ مَعْلُومٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِلَّا خَلْقًا كَائِنًا بِمُلَابَسَةِ الْحَقِّ فِي حَالِ إِعْرَاضِ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا بِهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَلْقُ بِالْحَقِّ .
وَصَاحِبُ الْحَالِ هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَالْمَعْنَى : مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا فِي حَالَةِ مُلَابَسَةِ الْحَقِّ لَهُمَا وَتَعْيِينِ أَجْلٍ لَهُمَا . وَإِعْرَاضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا بِهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الَّتِي تُذَكِّرُهُمْ بِمَا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْحَقِّ .
وَعَطْفُ " وَأَجَلٍ مُسَمًّى " عَلَى " بِالْحَقِّ " عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَعَطْفِ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَى مَلَائِكَتِهِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَجِبْرِيلِ وَمِيكَائِيلَ " فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحُدُوثِ عَلَى قَبُولِ الْفَنَاءِ دَلَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ فَهِيَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَقُّ ، وَأَنَّ تَعَرُّضَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِلْفَنَاءِ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الْبَعْثِ لِأَنَّ انْعِدَامَ هَذَا الْعَالَمِ يَقْتَضِي بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ أَنْ يَخْلُفَهُ عَالَمٌ آخَرُ أَعْظَمُ مِنْهُ ، عَلَى سُنَّةِ تُدَرُّجِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْكَمَالِ ، وَقَدْ كَانَ ظَنُّ الدَّهْرِيِّينَ قِدَمَ هَذَا الْعَالَمِ وَبَقَاءَهُ أَكْبَرَ شُبْهَةٍ لَهُمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ . فَالدَّهْرُ عِنْدَهُمْ مُتَصَرِّفٌ وَهُوَ بَاقٍ غَيْرُ فَانٍ ، فَلَوْ جَوَّزُوا فَنَاءَ هَذَا الْعَالَمِ لَأَمْكَنَ نُزُولُهُمْ إِلَى النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي حَيَاةً ثَانِيَةً . فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=3وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ مُرْتَبِطَةٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ " إِلَّا بِالْحَقِّ " أَيْ هُمْ مُعْرِضُونَ عَمَّا أُنْذِرُوا بِهِ مِنْ وَعِيدِ يَوْمِ الْبَعْثِ .
وَحُذِفَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّلَةِ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ بِـ " أُنْذِرُوا " . وَالتَّقْدِيرُ : عَمَّا أُنْذِرُوهُ مُعْرِضُونَ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ( مَا ) مَصْدَرِيَّةً فَلَا يُقَدَّرُ بَعْدَهَا ضَمِيرٌ . وَالتَّقْدِيرُ عَنْ إِنْذَارِهِمْ مُعْرِضُونَ فَشَمِلَ كُلَّ إِنْذَارٍ أُنْذِرُوهُ .
وَتَقْدِيمُ " عَمَّا أُنْذِرُوا " عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ " مُعْرِضُونَ " لِلِاهْتِمَامِ بِمَا أُنْذِرُوا ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ رِعَايَةُ الْفَاصِلَةِ .
[ ص: 9 ]