nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29018_18897_26093إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم
الأشبه أن هذا عطف على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم تذكيرا بأن امتثال هذا النهي هو التقوى المحمودة ، ولأن الدعاء إلى السلم قد يكون الباعث عليه حب إبقاء المال الذي ينفق في الغزو ، فذكروا هنا بالإيمان والتقوى ؛ ليخلعوا عن أنفسهم الوهن لأنهم نهوا عنه وعن الدعاء إلى السلم فكان الكف عن ذلك من التقوى ، وعطف عليه أن الله لا يسألهم أموالهم إلا لفائدتهم وإصلاح أمورهم ، ولذلك وقع بعده قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله إلى قوله " عن نفسه " ، على أن موقع هذه الجملة تعليل النهي المتقدم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36إنما الحياة الدنيا لعب ولهو مشيرا إلى أن الحياة الدنيا إذا عمرت بالإيمان والتقوى كانت سببا في الخير الدائم .
[ ص: 134 ] والأجور هنا : أجور الآخرة وهي ثواب الإيمان والتقوى .
فالخطاب للمسلمين المخاطبين بقوله " فلا تهنوا " الآية .
والمقصود من الجملة قوله " وتتقوا " وأما ذكر " تؤمنوا " فللاهتمام بأمر الإيمان . ووقوع " تؤمنوا " في حيز الشرط مع كون إيمانهم حاصلا يعين صرف معنى التعليق بالشرط فيه إلى إرادة الدوام على الإيمان إذ لا تتقوم حقيقة التقوى إلا مع سبق الإيمان كما قال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة أو إطعام إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا الآية .
والظاهر أن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36يؤتكم أجوركم إدماج ، وأن المقصود من جواب الشرط هو جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36ولا يسألكم أموالكم .
وعطف
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36ولا يسألكم أموالكم لمناسبة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36يؤتكم أجوركم ، أي أن الله يتفضل عليكم بالخيرات ولا يحتاج إلى أموالكم ، وكانت هذه المناسبات أحسن روابط لنظم المقصود من هذه المواعظ لأن البخل بالمال من بواعث الدعاء إلى السلم كما علمت آنفا .
ومعنى الآية : وإن تؤمنوا وتتقوا باتباع ما نهيتم عنه يرض الله منكم بذلك ويكتف به ولا يسألكم زيادة عليه من أموالكم . فيعلم أن ما يعنيه النبيء - صلى الله عليه وسلم - عليهم من الإنفاق في سبيل الله إنما هو بقدر طاقتهم .
وهذه الآية في الإنفاق نظيرها قوله تعالى لجماعة من المسلمين في شأن الخروج إلى الجهاد
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل في سورة " براءة " .
فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36ولا يسألكم أموالكم يفيد بعمومه وسياقه معنى لا يسألكم جميع أموالكم ، أي إنما يسألكم ما لا يجحف بكم ، فإضافة أموال وهو جمع إلى ضمير المخاطبين تفيد العموم ، فالمنفي سؤال إنفاق جميع الأموال ، فالكلام من نفي العموم لا من عموم النفي بقرينة السياق ، وما يأتي بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله الآية .
[ ص: 135 ] ويجوز أن يفيد أيضا معنى : أنه لا يطالبكم بإعطاء مال لذاته ، فإنه غني عنكم ، وإنما يأمركم بإنفاق المال لصالحكم كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء .
وهذا توطئة لقوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فإنما يبخل عن نفسه أي ما يكون طلب بذل المال إلا لمصلحة الأمة ، وأية مصلحة أعظم من دمغها العدو عن نفسها لئلا يفسد فيها ويستعبدها .
وأما تفسير سؤال الأموال المنفي بطلب زكاة الأموال فصرف للآية عن مهيعها فإن الزكاة مفروضة قبل نزول هذه السورة لأن الزكاة فرضت سنة اثنتين من الهجرة على الأصح .
وجملة " إن يسألكموها " إلخ تعليل لنفي سؤاله إياهم أموالهم ، أي لأنه إن سألكم إعطاء جميع أموالكم وقد علم أن فيكم من يسمح بالمال لا تبخلوا بالبذل وتجعلوا تكليفكم بذلك سببا لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون فيكثر الارتداد والنفاق وذلك يخالف مراد الله من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان .
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذ
بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا قد بذلوا من أموالهم
للمهاجرين فيسر الله عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك ، وكان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . وهذا يشير إليه عطف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37ويخرج أضغانكم أي تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سببا في ظهورها فكأنه أظهرها . وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد .
والإحفاء : الإكثار وبلوغ النهاية في الفعل ، يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح . وعن
عبد الرحمن بن زيد : الإحفاء أن تأخذ كل شيء بيديك ، وهو تفسير غريب . وعبر به هنا عن الجزم في الطلب وهو الإيجاب ، أي فيوجب عليكم بذل المال ويجعل على منعه عقوبة .
والبخل : منع بذل المال .
[ ص: 136 ] والضغن : العداوة ، وتقدم آنفا عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=29أن لن يخرج الله أضغانهم .
والمعنى : يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية ، فلطف الله بالكثير منهم اقتضى أن لا يسألهم مالا على وجه الإلزام ثم زال ذلك شيئا فشيئا لما تمكن الإيمان من قلوبهم فأوجب الله عليهم الإنفاق في الجهاد .
والضمير المستتر في " ويخرج " عائد إلى اسم الجلالة ، وجوز أن يعود إلى البخل المأخوذ من قوله " تبخلوا " أي من قبيل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا هو أقرب للتقوى .
وقرأ الجمهور " يخرج " بياء تحتية في أوله . وقرأه
يعقوب بنون في أوله .
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=29018_18897_26093إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
الْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=35فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ تَذْكِيرًا بِأَنَّ امْتِثَالَ هَذَا النَّهْيِ هُوَ التَّقْوَى الْمَحْمُودَةُ ، وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى السَّلْمِ قَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ حُبَّ إِبْقَاءِ الْمَالِ الَّذِي يُنْفَقُ فِي الْغَزْوِ ، فَذُكِّرُوا هُنَا بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ؛ لِيَخْلَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْوَهَنَ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنْهُ وَعَنِ الدُّعَاءِ إِلَى السَّلْمِ فَكَانَ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ مِنَ التَّقْوَى ، وَعُطِفَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَلُهُمْ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا لِفَائِدَتِهِمْ وَإِصْلَاحِ أُمُورِهِمْ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ " عَنْ نَفْسِهِ " ، عَلَى أَنَّ مَوْقِعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَعْلِيلُ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِذَا عُمِّرَتْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى كَانَتْ سَبَبًا فِي الْخَيْرِ الدَّائِمِ .
[ ص: 134 ] وَالْأُجُورُ هُنَا : أُجُورُ الْآخِرَةِ وَهِيَ ثَوَابُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى .
فَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ " فَلَا تَهِنُوا " الْآيَةَ .
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ " وَتَتَّقُوا " وَأَمَّا ذِكْرُ " تُؤْمِنُوا " فَلِلِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْإِيمَانِ . وَوُقُوعُ " تُؤْمِنُوا " فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ مَعَ كَوْنِ إِيمَانِهِمْ حَاصِلًا يُعَيِّنُ صَرْفَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فِيهِ إِلَى إِرَادَةِ الدَّوَامِ عَلَى الْإِيمَانِ إِذْ لَا تَتَقَوَّمُ حَقِيقَةُ التَّقْوَى إِلَّا مَعَ سَبْقِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ إِدْمَاجٌ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ هُوَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ .
وَعَطْفُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَتَفَضَّلُ عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتُ أَحْسَنَ رَوَابِطَ لِنَظْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاعِظِ لِأَنَّ الْبُخْلَ بِالْمَالِ مِنْ بَوَاعِثِ الدُّعَاءِ إِلَى السَّلْمِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا .
وَمَعْنَى الْآيَةِ : وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا بِاتِّبَاعِ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ يَرْضَ اللَّهُ مِنْكُمْ بِذَلِكَ وَيَكْتَفِ بِهِ وَلَا يَسْأَلْكُمْ زِيَادَةً عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ . فَيُعْلَمُ أَنَّ مَا يَعْنِيهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْإِنْفَاقِ نَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَأْنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " .
فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=36وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ يُفِيدُ بِعُمُومِهِ وَسِيَاقِهِ مَعْنَى لَا يَسْأَلُكُمْ جَمِيعَ أَمْوَالِكُمْ ، أَيْ إِنَّمَا يَسْأَلُكُمْ مَا لَا يُجْحِفُ بِكُمْ ، فَإِضَافَةُ أَمْوَالٍ وَهُوَ جَمْعٌ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ تُفِيدُ الْعُمُومَ ، فَالْمَنْفِيُّ سُؤَالُ إِنْفَاقِ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ ، فَالْكَلَامُ مِنْ نَفْيِ الْعُمُومِ لَا مِنْ عُمُومِ النَّفْيِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ ، وَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ .
[ ص: 135 ] وَيَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ أَيْضًا مَعْنَى : أَنَّهُ لَا يُطَالِبُكُمْ بِإِعْطَاءِ مَالٍ لِذَاتِهِ ، فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ لِصَالِحِكُمْ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ .
وَهَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أَيْ مَا يَكُونُ طَلَبُ بَذْلِ الْمَالِ إِلَّا لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ ، وَأَيَّةُ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمُ مِنْ دَمْغِهَا الْعَدُوَّ عَنْ نَفْسِهَا لِئَلَّا يُفْسِدَ فِيهَا وَيَسْتَعْبِدَهَا .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ سُؤَالِ الْأَمْوَالِ الْمَنْفِيِّ بِطَلَبِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ فَصَرْفٌ لِلْآيَةِ عَنْ مَهْيَعِهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ مَفْرُوضَةٌ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَجُمْلَةُ " إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا " إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ سُؤَالِهِ إِيَّاهُمْ أَمْوَالَهُمْ ، أَيْ لِأَنَّهُ إِنْ سَأَلَكُمْ إِعْطَاءَ جَمِيعَ أَمْوَالِكُمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَسْمَحُ بِالْمَالِ لَا تَبْخَلُوا بِالْبَذْلِ وَتَجْعَلُوا تَكْلِيفَكُمْ بِذَلِكَ سَبَبًا لِإِظْهَارِ ضِغْنَكُمْ عَلَى الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ فَيَكْثُرُ الِارْتِدَادُ وَالنِّفَاقُ وَذَلِكَ يُخَالِفُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ تَزْكِيَةِ نُفُوسِ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِيمَانِ .
وَهَذَا مُرَاعَاةٌ لِحَالِ كَثِيرٍ يَوْمَئِذٍ
بِالْمَدِينَةِ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَكَانُوا قَدْ بَذَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
لِلْمُهَاجِرِينَ فَيَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ لَمْ يَسْأَلْهُمْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ يَتَرَصَّدُونَ الْفُرَصَ لِفِتْنَتِهِمْ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=7هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا . وَهَذَا يُشِيرُ إِلَيْهِ عَطْفُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=37وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ أَيْ تَحْدُثُ فِيكُمْ أَضْغَانٌ فَيَكُونُ سُؤَالُهُ أَمْوَالَكُمْ سَبَبًا فِي ظُهُورِهَا فَكَأَنَّهُ أَظْهَرَهَا . وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي سَدِّ ذَرِيعَةِ الْفَسَادِ .
وَالْإِحْفَاءُ : الْإِكْثَارُ وَبُلُوغُ النِّهَايَةِ فِي الْفِعْلِ ، يُقَالُ : أَحْفَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ إِذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الْإِلْحَاحِ . وَعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ : الْإِحْفَاءُ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدَيْكَ ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ غَرِيبٌ . وَعُبِّرَ بِهِ هُنَا عَنِ الْجَزْمِ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ الْإِيجَابُ ، أَيْ فَيُوجِبُ عَلَيْكُمْ بَذْلَ الْمَالِ وَيَجْعَلُ عَلَى مَنْعِهِ عُقُوبَةً .
وَالْبُخْلُ : مَنْعُ بَذْلِ الْمَالِ .
[ ص: 136 ] وَالضِّغْنُ : الْعَدَاوَةُ ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=29أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ .
وَالْمَعْنَى : يَمْنَعُوا الْمَالَ وَيُظْهِرُوا الْعِصْيَانَ وَالْكَرَاهِيَةَ ، فَلُطْفُ اللَّهِ بِالْكَثِيرِ مِنْهُمُ اقْتَضَى أَنْ لَا يَسْأَلَهُمْ مَالًا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا لَمَّا تَمَكَّنَ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْإِنْفَاقَ فِي الْجِهَادِ .
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي " وَيُخْرِجْ " عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْبُخْلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ " تَبْخَلُوا " أَيْ مِنْ قَبِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " يُخْرِجْ " بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ . وَقَرَأَهُ
يَعْقُوبُ بِنُونٍ فِي أَوَّلِهِ .