nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29031يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي .
اتفق المفسرون وثبت في صحيح الأحاديث أن هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=treesubj&link=32351_30883قضية الكتاب الذي كتب به nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة حليف
بني أسد بن عبد العزى من
قريش . وكان
حاطب من
المهاجرين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن
أهل بدر .
وحاصل القصة مأخوذة مما في صحيح الآثار ومشهور السيرة : أن رسول الله كان قد تجهز قاصدا
مكة . قيل لأجل العمرة عام
الحديبية ، وهو الأصح ، وقيل لأجل فتح
مكة وهو لا يستقيم ، فقدمت أيامئذ من
مكة إلى
المدينة امرأة تسمى
سارة مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف وكانت على دين الشرك فقالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة وقد ذهب الموالي ( تعني من قتل من مواليها يوم
بدر ) . وقد اشتدت بي الحاجة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني فحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ، فكسوها وأعطوها وحملوها ، وجاءها
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة فأعطاها كتابا لتبلغه إلى من كتب إليهم من
أهل مكة يخبرهم بعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إليهم ، وآجرها على إبلاغه فخرجت ، وأوحى الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فبعث
عليا والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي ، وكانوا فرسانا . وقال : انطلقوا حتى تأتوا
روضة خاخ ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب من
حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها . فخرجوا تتعادى بهم خيلهم حتى بلغوا
روضة خاخ فإذا هم
[ ص: 133 ] بالمرأة . فقالوا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي كتاب ، فقالوا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ( يعنون أنهم يجردونها ) فأخرجته من عقاصها ، وفي رواية من حجزتها .
فأتوا به النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002612يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله . فإني كنت امرأ ملصقا في قريش وكان لمن كان معك من المهاجرين قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي يريد أمه وإخوته ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام . فقال النبيء - صلى الله عليه وسلم - صدق . فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبيء - صلى الله عليه وسلم - : إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . وقال : لا تقولوا لحاطب إلا خيرا فأنزل الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآيات .
والظاهر أن المرأة جاءت متجسسة إذ ورد في بعض الروايات أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمن يوم الفتح أربعة منهم هذه المرأة لكن هذا يعارضه ما جاء في رواية القصة من قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
خذوا منها الكتاب وخلوا سبيلها .
وقد وجه الخطاب بالنهي إلى جميع المؤمنين تحذيرا من إتيان فعل
حاطب .
والعدو : ذو العداوة ، وهو فعول بمعنى فاعل من : عدا يعدو ، مثل عفو . وأصله مصدر . على وزن فعول مثل قبول ونحوه من مصادر قليلة . ولكنه على زنة المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والمثنى والجمع . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فإن كان من قوم عدو لكم في سورة النساء .
والمعنى : لا تتخذوا أعدائي وأعداءكم أولياء . والمراد العداوة في الدين فإن المؤمنين لم يبدءوهم بالعداوة وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=29435أبدى المشركون عداوة المؤمنين انتصارا لشركهم فعدوا من خرجوا عن الشرك أعداء لهم . وقد كان مشركو العرب متفاوتين في مناواة المسلمين فإن خزاعة كانوا مشركين وكانوا موالين النبيء - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 134 ] فمعنى إضافة عدو إلى ياء المتكلم على تقدير : عدو ديني ، أو رسولي .
والاتخاذ : افتعال من الأخذ صيغ الافتعال للمبالغة في الأخذ المجازي فأطلق على التلبس والملازمة . وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم في سورة النساء . ولذلك لزمه ذكر حال بعد مفعوله لتدل على تعيين جانب المعاملة من خير أو شر . فعومل هذا الفعل معاملة صير . واعتبرت الحال التي بعده بمنزلة المفعول الثاني للزوم ذكرها وهل المفعول الثاني من باب ظن وأخواته إلا حال في المعنى ، وقد تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74أتتخذ أصناما آلهة في سورة الأنعام .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون إليهم بالمودة في موضع الحال من ضمير ( لا تتخذوا ) ، أو في موضع الصفة ل ( أولياء ) أو بيان لمعنى اتخاذهم أولياء .
ويجوز أن تكون جملة في موضع الحال من ضمير ( لا تتخذوا ) لأن جعلها حالا يتوصل منه إلى التعجيب من إلقائهم إليهم بالمودة .
والإلقاء حقيقته رمي ما في اليد على الأرض . واستعير لإيقاع الشيء بدون تدبر في موقعه ، أي تصرفون إليهم مودتكم بغير تأمل . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=86فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون في سورة النحل .
والباء في ( بالمودة ) لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله . وأصل الكلام : تلقون إليهم المودة ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برؤوسكم وذلك تصوير لقوة مودتهم لهم .
وزيد في تصوير هذه الحالة بجملة الحال التي بعدها وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وقد كفروا بما جاءكم من الحق وهي حال من ضمير ( إليهم ) أو من عدوي .
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وما جاءكم من الحق هو القرآن والدين فذكر بطريق الموصولية ليشمل كل ما أتاهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - على وجه الإيجاز مع ما في الصلة من الإيذان بتشنيع كفرهم بأنه كفر بما ليس من شأنه أن يكفر به طلاب الهدى فإن الحق محبوب مرغوب .
[ ص: 135 ] وتعدية جاء إلى ضمير المخاطبين وهم الذين آمنوا لأنهم الذين انتفعوا بذلك الحق وتقبلوه فكأنه جاء إليهم لا إلى غيرهم وإلا فإنه جاء لدعوة الذين آمنوا والمشركين فقبله الذين آمنوا ونبذه المشركون .
وفيه إيماء إلى أن كفر الكافرين به ناشئ عن حسدهم الذين آمنوا قبلهم .
وفي ذلك أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=28802إلهاب لقلوب المؤمنين ليحذروا من موالاة المشركين .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يخرجون الرسول وإياكم حال من ضمير كفروا ، أي لم يكتفوا بكفرهم بما جاء من الحق فتلبسوا معه بإخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإخراجكم من بلدكم لأن تؤمنوا بالله ربكم ، أي هو اعتداء حملهم عليه أنكم آمنتم بالله ربكم . وأن ذلك لا عذر لهم فيه لأن إيمانكم لا يضيرهم . ولذلك أجري على اسم الجلالة وصف ربكم على حد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لكم دينكم ولي دين .
وحكيت هذه الحالة بصيغة المضارع لتصوير الحالة لأن الجملة لما وقعت حالا من ضمير ( وقد كفروا ) كان
nindex.php?page=treesubj&link=29435_31788_32024_29281_29284إخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في تلك الحالة عملا فظيعا ، فأريد استحضار صورة ذلك الإخراج العظيم فظاعة اعتلالهم له .
والإخراج أريد به : الحمل على الخروج بإتيان أسباب الخروج من تضييق على المسلمين وأذى لهم .
وأسند الإخراج إلى ضمير العدو كلهم لأن جميعهم كانوا راضين بما يصدر من بعضهم من أذى المسلمين . وربما أغروا به سفهاءهم ، ولذلك فالإخراج مجاز في أسبابه ، وإسناده إلى المشركين إسناد حقيقي .
وهذه الصفات بمجموعها لا تنطبق إلا على المشركين من
أهل مكة ومجموعها هو علة النهي عن موادتهم .
وجيء بصيغة المضارع في قوله تعالى ( أن تؤمنوا ) لإفادة استمرار إيمان المؤمنين وفيه إيماء إلى الثناء على المؤمنين بثباتهم على دينهم ، وأنهم لم يصدهم عنه ما سبب لهم الخروج من بلادهم .
[ ص: 136 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي شرط ذيل به النهي من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . وهذا مقام يستعمل في مثله الشرط بمنزلة التتميم لما قبله دون قصد تعليق ما قبله بمضمون فعل الشرط ، أي لا يقصد أنه إذا انتفى فعل الشرط انتفى ما علق عليه كما هو الشأن في الشروط بل يقصد تأكيد الكلام الذي قبله بمضمون فعل الشرط فيكون كالتعليل لما قبله ، وإنما يؤتى به في صورة الشرط مع ثقة المتكلم بحصول مضمون فعل الشرط بحيث لا يتوقع من السامع أن يحصل منه غير مضمون فعل الشرط فتكون صيغة الشرط مرادا بها التحذير بطريق المجاز المرسل في المركب لأن معنى الشرط يلزمه التردد غالبا . ولهذا يؤتى بمثل هذا الشرط إذا كان المتكلم واثقا بحصول مضمونه متحققا صحة ما يقوله قبل الشرط . كما ذكر في الكشاف في قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ) في سورة الشعراء ، في قراءة من قرأ ( إن كنا أول المؤمنين ) بكسر همزة ( إن ) وهي قراءة شاذة فتكون ( إن ) شرطية مع أنهم متحققون أنهم أول المؤمنين فطمعوا في مغفرة خطاياهم لتحققهم أنهم أول المؤمنين ، فيكون الشرط في مثله بمنزلة التعليل وتكون أداة الشرط مثل إذ أو لام التعليل .
وقد يأتي بمثل هذا الشرط من يظهر وجوب العمل على مقتضى ما حصل من فعل الشرط وأن لا يخالف مقتضاه كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا ، أي فإيمانكم ويقينكم مما أنزلنا يوجبان أن ترضوا بصرف الغنيمة للأصناف المعينة من عند الله .
ومنه كثير في القرآن إذا تتبعت مواقعه .
ويغلب أن يكون فعل الشرط في مثله فعل كون إيذانا بأن الشرط محقق الحصول .
وما وقع في هذه السورة من هذا القبيل فالمقصود استقرار
nindex.php?page=treesubj&link=28802النهي عن اتخاذ عدو الله أولياء وعقب بفرض شرطه موثوق بأن الذين نهوا متلبسون بمضمون فعل الشرط بلا ريب ، فكان ذكر الشرط مما يزيد تأكيد الانكفاف .
ولذلك يجاء بمثل هذا الشرط في آخر الكلام إذ هو يشبه التتميم والتذييل ، وهذا من دقائق الاستعمال في الكلام البليغ .
[ ص: 137 ] قال في الكشاف في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها في سورة الفرقان ولولا في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث الصنعة مجرى التقييد للحكم المطلق . وقال هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم متعلق بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا وقول النحويين في مثله على أنه شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه . اهـ . يعني أن فرقا بين كلام النحويين وبين ما اختاره هو من جعله متعلقا بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا فإنه جعل جواب الشرط غير منوي . قلت : فينبغي أن يعد كلامه من فروق استعمال الشروط مثل فروق الخبر وفروق الحال المبوب لكليهما في كتاب دلائل الإعجاز . وكلام النحاة جرى على غالب أحوال الشروط التي تتأخر عن جوابها نحو : اقبل شفاعة فلان إن شفع عندك ، وينبغي أن يتطلب لتقديم ما يدل على الجواب المحذوف إذا حذف نكتة في غير ما جرى على استعمال الشرط بمنزلة التذييل والتتميم .
وأداة الشرط في مثله تشبه ( إن ) الوصلية و ( لو ) الوصلية ، ولذلك قال في الكشاف هنا : إن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم متعلقة بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا يعني تعلق الحال بعاملها ، أي والحال حال خروجكم في سبيل الله وابتغائكم مرضاته بناء على أن شرط ( إن ) . و ( لو ) الوصليتين يعتبر حالا . ولا يعكر عليه أن شرطهما يقترن بواو الحال لأن ابن جني والزمخشري سوغا خلو الحال في مثله عن الواو والاستعمال يشهد لهما .
والمعنى : لا يقع منكم اتخاذ عدوي وعدوكم أولياء ومودتهم ، مع أنهم كفروا بما جاءكم من الحق ، وأخرجوكم لأجل إيمانكم . إن كنتم خرجتم من بلادكم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، فكيف توالون من أخرجوكم وكان إخراجهم إياكم لأجلي وأنا ربكم .
والمراد بالخروج في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم الخروج من
مكة مهاجرة إلى
المدينة . فالخطاب خاص
بالمهاجرين على طريقة تخصيص العموم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء روعي في هذا التخصيص قرينة سبب نزول الآية على حادث
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة .
و ( جهادا ) ، و ( ابتغاء مرضاتي ) مصدران منصوبان على المفعول لأجله .
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29031يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي .
اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32351_30883قَضِيَّةِ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبُ بِنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفُ
بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ
قُرَيْشٍ . وَكَانَ
حَاطِبٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ
أَهْلِ بَدْرٍ .
وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِمَّا فِي صَحِيحِ الْآثَارِ وَمَشْهُورِ السِّيرَةِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قَدْ تَجَهَّزَ قَاصِدًا
مَكَّةَ . قِيلَ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَقِيلَ لِأَجْلِ فَتْحِ
مَكَّةَ وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ ، فَقَدِمَتْ أَيَّامَئِذٍ مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
الْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ تُسَمَّى
سَارَةٌ مَوْلَاةٌ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْمَوَالِيَ وَالْأَصْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ الْمُوَالِي ( تَعْنِي مَنْ قُتِلَ مِنْ مَوَالِيهَا يَوْمَ
بَدْرٍ ) . وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِيَ الْحَاجَةُ فَقَدَمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُونِي فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى إِعْطَائِهَا ، فَكَسَوْهَا وَأَعْطَوْهَا وَحَمَلُوهَا ، وَجَاءَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فَأَعْطَاهَا كِتَابًا لِتُبَلِّغَهُ إِلَى مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِعَزْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، وَآجَرَهَا عَلَى إِبْلَاغِهِ فَخَرَجَتْ ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ ، فَبَعَثَ
عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ ، وَكَانُوا فُرْسَانًا . وَقَالَ : انْطَلَقُوا حَتَّى تَأْتُوا
رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ مِنْ
حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا . فَخَرَجُوا تَتَعَادَى بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا
رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِذَا هُمْ
[ ص: 133 ] بِالْمَرْأَةِ . فَقَالُوا : أَخْرِجِي الْكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ ، فَقَالُوا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ( يَعْنُونَ أَنَّهُمْ يُجَرِّدُونَهَا ) فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حُجْزَتِهَا .
فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002612يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَكَانَ لِمَنْ كَانَ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي يُرِيدُ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ . فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ، فَقَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . وَقَالَ : لَا تَقُولُوا لِحَاطِبٍ إِلَّا خَيْرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ الْآيَاتِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ مُتَجَسِّسَةً إِذْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَمِّنْ يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَكِنْ هَذَا يُعَارِضُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْقِصَّةِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
خُذُوا مِنْهَا الْكِتَابَ وَخَلُّوا سَبِيلَهَا .
وَقَدْ وُجِّهَ الْخِطَابُ بِالنَّهِي إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ تَحْذِيرًا مِنْ إِتْيَانِ فِعْلِ
حَاطِبٍ .
وَالْعَدُوُّ : ذُو الْعَدَاوَةِ ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ : عَدَا يَعْدُو ، مِثْلِ عَفُوٍّ . وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ . عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ مِثْلِ قَبُولٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَصَادِرَ قَلِيلَةٍ . وَلَكِنَّهُ عَلَى زِنَةِ الْمَصَادِرِ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمَصْدَرِ فَاسْتَوَى فِي الْوَصْفِ بِهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .
وَالْمَعْنَى : لَا تَتَّخِذُوا أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ أَوْلِيَاءَ . وَالْمُرَادُ الْعَدَاوَةُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْدَءُوهُمْ بِالْعَدَاوَةِ وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=29435أَبْدَى الْمُشْرِكُونَ عَدَاوَةَ الْمُؤْمِنِينَ انْتِصَارًا لِشِرْكِهِمْ فَعَدُّوا مَنْ خَرَجُوا عَنِ الشِّرْكِ أَعْدَاءً لَهُمْ . وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مُتَفَاوِتِينَ فِي مُنَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَكَانُوا مُوَالِينَ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
[ ص: 134 ] فَمَعْنَى إِضَافَةِ عَدُوٍّ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى تَقْدِيرِ : عَدُوِّ دِينِي ، أَوْ رَسُولِي .
وَالِاتِّخَاذُ : افْتِعَالٌ مِنَ الْأَخْذِ صِيغَ الِافْتِعَالُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَخْذِ الْمَجَازِيِّ فَأُطْلِقَ عَلَى التَّلَبُّسِ وَالْمُلَازَمَةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ . وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ ذِكْرُ حَالٍ بَعْدَ مَفْعُولِهِ لِتَدُلَّ عَلَى تَعْيِينِ جَانِبِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ . فَعُومِلَ هَذَا الْفِعْلُ مُعَامَلَةَ صَيَّرَ . وَاعْتُبِرَتِ الْحَالُ الَّتِي بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِلِزُومِ ذِكْرِهَا وَهَلِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهِ إِلَّا حَالٌ فِي الْمَعْنَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ ( لَا تَتَّخِذُوا ) ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ ( أَوْلِيَاءَ ) أَوْ بَيَانٍ لِمَعْنَى اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ ( لَا تَتَّخِذُوا ) لِأَنَّ جَعْلَهَا حَالًا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إِلَى التَّعْجِيبِ مِنْ إِلْقَائِهِمْ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ .
وَالْإِلْقَاءُ حَقِيقَتُهُ رَمْيُ مَا فِي الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ . وَاسْتُعِيرَ لِإِيقَاعِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ فِي مَوْقِعِهِ ، أَيْ تَصْرِفُونَ إِلَيْهِمْ مَوَدَّتَكُمْ بِغَيْرِ تَأْمُّلٍ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=86فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ .
وَالْبَاءُ فِي ( بِالْمَوَدَّةِ ) لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ . وَأَصْلُ الْكَلَامِ : تُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْمَوَدَّةَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَذَلِكَ تَصْوِيرٌ لِقَوَّةِ مَوَدَّتِهِمْ لَهُمْ .
وَزِيدَ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِجُمْلَةِ الْحَالِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَهِيَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ ( إِلَيْهِمْ ) أَوْ مِنْ عَدُوِّي .
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ هُوَ الْقُرْآنُ وَالدِّينُ فَذُكِرَ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ مَعَ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيذَانِ بِتَشْنِيعِ كُفْرِهِمْ بِأَنَّهُ كُفْرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكْفُرَ بِهِ طُلَّابُ الْهُدَى فَإِنَّ الْحَقَّ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ .
[ ص: 135 ] وَتَعْدِيَةُ جَاءَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّهُمِ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِذِلِكَ الْحَقِّ وَتَقَبَّلُوهُ فَكَأَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَإِنَّهُ جَاءَ لِدَعْوَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وَالْمُشْرِكِينَ فَقَبِلَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَنَبَذَهُ الْمُشْرِكُونَ .
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِينَ بِهِ نَاشِئٌ عَنْ حَسَدِهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَهُمْ .
وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=28802إِلْهَابٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْذَرُوا مِنْ مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كَفَرُوا ، أَيْ لَمْ يَكْتَفُوا بِكُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ مِنَ الْحَقِّ فَتَلَبَّسُوا مَعَهُ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ بَلَدِكُمْ لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ، أَيْ هُوَ اعْتِدَاءٌ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ . وَأَنَّ ذَلِكَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ لَا يَضِيرُهُمْ . وَلِذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَصْفُ رَبِّكُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=6لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ .
وَحُكِيَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ الْحَالَةِ لَأَنَّ الْجُمْلَةَ لَمَّا وَقَعَتْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ ( وَقَدْ كَفَرُوا ) كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=29435_31788_32024_29281_29284إِخْرَاجُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَمَلًا فَظِيعًا ، فَأُرِيدَ اسْتِحْضَارُ صُورَةِ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الْعَظِيمِ فَظَاعَةَ اعْتِلَالِهِمْ لَهُ .
وَالْإِخْرَاجُ أُرِيدَ بِهِ : الْحَمْلُ عَلَى الْخُرُوجِ بِإِتْيَانِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ تَضْيِيقٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَذًى لَهُمْ .
وَأُسْنِدَ الْإِخْرَاجُ إِلَى ضَمِيرِ الْعَدُوِّ كُلِّهِمْ لَأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا رَاضِينَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ . وَرُبَّمَا أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ ، وَلِذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ مَجَازٌ فِي أَسْبَابِهِ ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ .
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِمَجْمُوعِهَا لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ وَمَجْمُوعُهَا هُوَ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ مُوَادَّتِهِمْ .
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( أَنْ تُؤْمِنُوا ) لِإِفَادَةِ اسْتِمْرَارِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ مَا سَبَّبَ لَهُمُ الْخُرُوجَ مِنْ بِلَادِهِمْ .
[ ص: 136 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي شَرْطٌ ذُيِّلَ بِهِ النَّهْيُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ . وَهَذَا مَقَامٌ يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِهِ الشَّرْطُ بِمَنْزِلَةِ التَّتْمِيمِ لِمَا قَبْلَهُ دُونَ قَصْدِ تَعْلِيقِ مَا قَبْلَهُ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ ، أَيْ لَا يُقْصَدُ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِعْلُ الشَّرْطِ انْتَفَى مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الشُّرُوطِ بَلْ يَقْصِدُ تَأْكِيدَ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ فِي صُورَةِ الشَّرْطِ مَعَ ثِقَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِحُصُولِ مَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ مِنَ السَّامِعِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ فَتَكُونُ صِيغَةُ الشَّرْطِ مُرَادًا بِهَا التَّحْذِيرُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ فِي الْمُرَكَّبِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ يَلْزَمُهُ التَّرَدُّدُ غَالِبًا . وَلِهَذَا يُؤْتَى بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ وَاثِقًا بِحُصُولِ مَضْمُونِهِ مُتَحَقِّقًا صِحَّةَ مَا يَقُولُهُ قَبْلَ الشَّرْطِ . كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ( إِنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ ( إِنَّ ) وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ فَتَكُونُ ( إِنْ ) شَرْطِيَّةٌ مَعَ أَنَّهُمْ مُتَحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ فَطَمِعُوا فِي مَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ لِتَحَقُّقِهِمْ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ وَتَكُونُ أَدَاةُ الشَّرْطِ مِثْلَ إِذْ أَوْ لَامِ التَّعْلِيلِ .
وَقَدْ يَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ مَنْ يُظْهِرُ وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى مُقْتَضَى مَا حَصَلَ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ وَأَنْ لَا يُخَالِفَ مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ، أَيْ فَإِيمَانُكُمْ وَيَقِينُكُمْ مِمَّا أَنْزَلْنَا يُوجِبَانِ أَنْ تَرْضَوْا بِصَرْفِ الْغَنِيمَةِ لِلْأَصْنَافِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَمِنْهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا تَتَبَّعْتَ مَوَاقِعَهُ .
وَيَغْلِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ فِعْلَ كَوْنٍ إِيذَانًا بِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ .
وَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَقْصُودُ اسْتِقْرَارُ
nindex.php?page=treesubj&link=28802النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ عَدُوِّ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَعَقَّبَ بِفَرْضٍ شَرْطُهُ مَوْثُوقٌ بِأَنَّ الَّذِينَ نُهُوا مُتَلَبِّسُونَ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ بِلَا رَيْبٍ ، فَكَانَ ذِكْرُ الشَّرْطِ مِمَّا يَزِيدُ تَأْكِيدَ الِانْكِفَافِ .
وَلِذَلِكَ يُجَاءُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إِذْ هُوَ يُشْبِهُ التَّتْمِيمَ وَالتَّذْيِيلَ ، وَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ .
[ ص: 137 ] قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَلَوْلَا فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ جَارٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الصَّنْعَةُ مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِلْحُكْمِ الْمُطْلَقِ . وَقَالَ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقٌ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا وَقَوْلُ النَّحْوِيِّينَ فِي مِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدِلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ . اهـ . يَعْنِي أَنَّ فَرْقًا بَيْنَ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ وَبَيْنَ مَا اخْتَارَهُ هُوَ مِنْ جَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا فَإِنَّهُ جَعَلَ جَوَابَ الشَّرْطِ غَيْرَ مَنْوِيٍّ . قُلْتُ : فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ كَلَامُهُ مِنْ فُرُوقِ اسْتِعْمَالِ الشُّرُوطِ مِثْلَ فُرُوقِ الْخَبَرِ وَفُرُوقِ الْحَالِ الْمُبَوَّبِ لِكِلَيْهِمَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ . وَكَلَامُ النُّحَاةِ جَرَى عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَتَأَخَّرُ عَنْ جَوَابِهَا نَحْوَ : اقْبَلْ شَفَاعَةَ فُلَانٍ إِنْ شَفِعَ عِنْدَكَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَطَلَّبَ لِتَقْدِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ إِذَا حُذِفَ نُكْتَةٌ فِي غَيْرِ مَا جَرَى عَلَى اسْتِعْمَالِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ وَالتَّتْمِيمِ .
وَأَدَاةُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ تُشْبِهُ ( إِنْ ) الْوَصْلِيَّةَ وَ ( لَوْ ) الْوَصْلِيَّةَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُنَا : إِنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا يَعْنِي تَعَلُّقَ الْحَالِ بِعَامِلِهَا ، أَيْ وَالْحَالُ حَالُ خُرُوجِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْتِغَائِكُمْ مَرْضَاتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ ( إِنْ ) . وَ ( لَوْ ) الْوَصْلِيَّتَيْنِ يُعْتَبَرُ حَالًا . وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُمَا يَقْتَرِنُ بِوَاوِ الْحَالِ لِأَنَّ ابْنَ جِنِّيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيَّ سَوَّغَا خُلُوَّ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَنِ الْوَاوِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَشْهَدُ لَهُمَا .
وَالْمَعْنَى : لَا يَقَعُ مِنْكُمُ اتِّخَاذُ عَدُوِّي وَعَدُوِّكُمْ أَوْلِيَاءَ وَمَوَدَّتُهُمْ ، مَعَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ، وَأَخْرَجُوكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ . إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ، فَكَيْفَ تُوَالُونَ مَنْ أَخْرَجُوكُمْ وَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ إِيَّاكُمْ لِأَجْلِي وَأَنَا رَبُّكُمْ .
وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ الْخُرُوجُ مِنْ
مَكَّةَ مُهَاجَرَةً إِلَى
الْمَدِينَةِ . فَالْخِطَابُ خَاصٌّ
بِالْمُهَاجِرِينَ عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ رُوعِيَ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ قَرِينَةُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى حَادِثِ
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ .
وَ ( جِهَادًا ) ، وَ ( ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ) مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ .