[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29031_28802_29697يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور .
بعد أن استقصت السورة إرشاد المسلمين إلى ما يجب في المعاملة مع المشركين ، جاء في خاتمتها الإرشاد إلى المعاملة مع قوم ليسوا دون المشركين في وجوب الحذر منهم وهم
اليهود ، فالمراد بهم غير المشركين إذ شبه يأسهم من الآخرة بيأس الكفار ، فتعين أن هؤلاء غير المشركين لئلا يكون من تشبيه الشيء بنفسه .
وقد نعتهم الله بأنهم قوم غضب الله عليهم ، وهذه صفة تكرر في القرآن إلحاقها
باليهود كما جاء في سورة الفاتحة أنهم المغضوب عليهم . فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=57يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ) في سورة العقود .
ذلك أن
يهود خيبر كانوا يومئذ بجوار المسلمين من
أهل المدينة . وذكر
الواحدي في أسباب النزول : أنها نزلت في ناس من فقراء المسلمين يعملون عند
اليهود ويواصلونهم ليصيبوا بذلك من ثمارهم ، وربما أخبروا
اليهود بأحوال المسلمين عن غفلة وقلة حذر فنبههم الله إلى أن لا يتولوهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28910واليأس : عدم توقع الشيء فإذا علق بذات كان دالا على عدم توقع وجودها . وإذ قد كان
اليهود لا ينكرون الدار الآخرة كان معنى يأسهم من الآخرة محتملا أن يراد به الإعراض عن العمل للآخرة فكأنهم في إهمال الاستعداد لها آيسون منها ، وهذا في معنى قوله تعالى في شأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=86أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون في سورة البقرة .
وتشبيه إعراضهم هذا بيأس الكفار من أصحاب القبور وجهه شدة الإعراض وعدم التفكر في الأمر ، شبه إعراضهم عن العمل لنفع الآخرة بيأس الكفار من حياة الموتى والبعث وفيه تشنيع المشبه ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13من أصحاب القبور ) على هذا الوجه متعلق بـ ( يئسوا ) . والكفار : المشركون .
[ ص: 170 ] ويجوز أن يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13من أصحاب القبور بيانا للكفار ، أي الكفار الذين هلكوا ورأوا أن لا حظ لهم في خير الآخرة فشبه إعراض
اليهود عن الآخرة بيأس الكفار من نعيم الآخرة ، ووجه الشبه تحقق عدم الانتفاع بالآخرة . والمعنى كيأس الكفار الأموات ، أي يأسا من الآخرة .
والمشبه به معلوم للمسلمين بالاعتقاد فالكلام من تشبيه المحسوس بالمعقول .
وفي استعارة اليأس للإعراض ضرب من المشاكلة أيضا .
ويحتمل أن يكون يأسهم من الآخرة أطلق على حرمانهم من نعيم الحياة الآخرة . فالمعنى : قد أيأسناهم من الآخرة على نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=23والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي في سورة العنكبوت .
ومن المفسرين الأولين من حمل هذه الآية على معنى التأكيد لما في أول السورة من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء فالقوم الذين غضب الله عليهم هم المشركون فإنهم وصفوا بالعدو لله والعدو مغضوب عليه ونسب هذا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وجعل يأسهم من الآخرة هو
nindex.php?page=treesubj&link=28760إنكارهم البعث .
وجعل تشبيه يأسهم من الآخرة بيأس الكفار من أصحاب القبور أن يأس الكفار الأحياء كيأس الأموات من الكفار ، أي كيأس أسلافهم الذين هم في القبور إذ كانوا في مدة حياتهم آيسين من الآخرة فتكون ( من ) بيانية صفة للكفار ، وليست متعلقة بفعل ( يئس ) فليس في لفظ الكفار إظهار في مقام الإضمار وإلا لزم أن يشبه الشيء بنفسه كما قد توهم .
[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=29031_28802_29697يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ .
بَعْدَ أَنِ اسْتَقْصَتِ السُّورَةُ إِرْشَادَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا يَجِبُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، جَاءَ فِي خَاتِمَتِهَا الْإِرْشَادُ إِلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ قَوْمٍ لَيْسُوا دُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي وُجُوبِ الْحَذَرِ مِنْهُمْ وَهُمُ
الْيَهُودُ ، فَالْمُرَادُ بِهِمْ غَيْرُ الْمُشْرِكِينَ إِذْ شُبِّهَ يَأْسُهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ الْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ .
وَقَدْ نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَهَذِهِ صِفَةٌ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ إِلْحَاقُهَا
بِالْيَهُودِ كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ أَنَّهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ . فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=57يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُؤًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ) فِي سُورَةِ الْعُقُودِ .
ذَلِكَ أَنَّ
يَهُودَ خَيْبَرَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ بِجِوَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ . وَذَكَرَ
الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَعْمَلُونَ عِنْدَ
الْيَهُودِ وَيُواَصِلُونَهُمْ لِيُصِيبُوا بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ ، وَرُبَّمَا أَخْبَرُوا
الْيَهُودَ بِأَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ غَفْلَةٍ وَقِلَّةِ حَذَرٍ فَنَبَّهَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَنْ لَا يَتَوَلَّوْهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=28910وَالْيَأْسُ : عَدَمُ تَوَقُّعِ الشَّيْءِ فَإِذَا عُلِّقَ بِذَاتٍ كَانَ دَالًّا عَلَى عَدَمِ تَوَقُّعِ وُجُودِهَا . وَإِذْ قَدْ كَانَ
الْيَهُودُ لَا يُنْكِرُونَ الدَّارَ الْآخِرَةَ كَانَ مَعْنَى يَأْسِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ مُحْتَمِلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ فَكَأَنَّهُمْ فِي إِهْمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا آيِسُونَ مِنْهَا ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=86أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَتَشْبِيهُ إِعْرَاضِهِمْ هَذَا بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ وَجْهُهُ شِدَّةُ الْإِعْرَاضِ وَعَدَمُ التَّفَكُّرِ فِي الْأَمْرِ ، شُبِّهَ إِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْعَمَلِ لِنَفْعِ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ حَيَاةِ الْمَوْتَى وَالْبَعْثِ وَفِيهِ تَشْنِيعُ الْمُشَبَّهِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( يَئِسُوا ) . وَالْكُفَّارُ : الْمُشْرِكُونَ .
[ ص: 170 ] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=13مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ بَيَانًا لِلْكُفَّارِ ، أَيِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ هَلَكُوا وَرَأَوْا أَنْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي خَيْرِ الْآخِرَةِ فَشُبِّهَ إِعْرَاضُ
الْيَهُودِ عَنِ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ تَحَقُّقُ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْآخِرَةِ . وَالْمَعْنَى كَيَأْسِ الْكُفَّارِ الْأَمْوَاتِ ، أَيْ يَأْسًا مِنَ الْآخِرَةِ .
وَالْمُشَبَّهُ بِهِ مَعْلُومٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِالِاعْتِقَادِ فَالْكَلَامُ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَحْسُوسِ بِالْمَعْقُولِ .
وَفِي اسْتِعَارَةِ الْيَأْسِ لِلْإِعْرَاضِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ أُطْلِقَ عَلَى حِرْمَانِهِمْ مِنْ نَعِيمِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ . فَالْمَعْنَى : قَدْ أَيْأَسْنَاهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=23وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ فَالْقَوْمُ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّهُمْ وُصِفُوا بِالْعَدُوِّ لِلَّهِ وَالْعَدُوُّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ وَنُسِبَ هَذَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَجَعَلَ يَأْسَهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28760إِنْكَارَهُمُ الْبَعْثَ .
وَجَعْلُ تَشْبِيهِ يَأْسِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ بِيَأْسِ الْكُفَّارِ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ أَنَّ يَأْسَ الْكُفَّارِ الْأَحْيَاءِ كَيَأْسِ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْكُفَّارِ ، أَيْ كَيَأْسِ أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ هُمْ فِي الْقُبُورِ إِذْ كَانُوا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِمْ آيِسِينَ مِنَ الْآخِرَةِ فَتَكُونُ ( مِنْ ) بَيَانِيَّةً صِفَةً لِلْكُفَّارِ ، وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ ( يَئِسَ ) فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْكُفَّارِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُشَبَّهَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ .