nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29035_29687_33133يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
[ ص: 260 ] لما كان جل ما اشتملت عليه هذه السورة إبطال إشراك المشركين وزجرهم عن دين الإشراك بأسره وعن تفاريعه التي أعظمها إنكارهم البعث وتكذيبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتكذيب القرآن وتلك أصول ضلالهم ابتدئت السورة بالإعلان بضلالهم وكفرانهم المنعم عليهم ، فإن ما في السماوات والأرض يسبح لله تعالى عن النقائص : إما بلسان المقال مثل الملائكة والمؤمنين أو بلسان الحال مثل عبادة المطيعين من المخلوقات المدركة كالملائكة والمؤمنين ، وإما بلسان الحال مثل دلالة حال الاحتياج إلى الإيجاد والإمداد كحاجة الحيوان إلى الرزق وحاجة الشجرة إلى المطر وما يشهد به حال جميع تلك الكائنات من أنها مربوبة لله تعالى ومسخرة لما أراده منها ، وكل تلك المخلوقات لم تنقض دلالة حالها بنقائض كفر مقالها فلم يخرج عن هذا التسبيح إلا أهل الضلال من الإنس والشياطين فإنهم حجبوا بشهادة حالهم لما غشوها به من صرح الكفر .
فالمعنى : يسبح لله ما في السماوات والأرض وأنتم بخلاف ذلك .
وهذا يفيد ابتداء تقرير تنزيه الله تعالى وقوة سلطانه ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويكون لهم تعليما وامتنانا ويفيد ثانيا بطريق الكناية تعريضا بالمشركين الذين لم ينزهوه ولا وقروه فنسبوا إليه شركاء .
وجيء بفعل التسبيح مضارعا للدلالة على تجدد ذلك التسبيح ودوامه وقد سبق نظيره في فاتحة سورة الجمعة .
وجيء به في فواتح سور : الحديد ، والحشر ، والصف بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقر في قديم الأزمان . فحصل من هذا التفنن في فواتح هذه السور كلا المعنيين زيادة على ما بيناه من المناسبة الخاصة بسورة الجمعة ، وما في هاته السورة من المناسبة بين تجدد التسبيح والأمر بالعفو عن ذوي القربى والأمر بالتقوى بقدر الاستطاعة والسمع والطاعة لكي لا يكتفي المؤمنون بحصول إيمانهم ليجتهدوا في تعزيزه بالأعمال الصالحة .
وإعادة ( ما ) الموصولة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وما في الأرض ) لقصد التوكيد اللفظي .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1له الملك ) استئناف واقع موقع التعليل والتسبب لمضمون تسبيح الله ما في السماوات وما في الأرض فإن ملابسة جميع الموجودات لدلائل تنزيه الله تعالى
[ ص: 261 ] عن الشركاء وعن النقائص لا مقتضى لها إلا انفراده بتملكها وإيجادها وما فيها من الاحتياج إليه وتصرفه فيها تصرف المالك المتفرد في ملكه .
وفي هذه الجملة تنويه
nindex.php?page=treesubj&link=33133بإقبال أهل السماوات والأرض على تسبيح الله وتجديد ذلك التسبيح .
فتقديم المسند على المسند إليه لإفادة تخصيصه بالمسند إليه ، أي قصر تعلق لام الاستحقاق بالملك عليه تعالى فلا ملك لغيره وهو قصر ادعائي مبني على عدم الاعتداد بما لغير الله من ملك لنقصه وعدم خلوه عن الحاجة إلى غيره من هو له بخلاف ملكه تعالى فهو الملك المطلق الداخل في سلطانه كل ذي ملك .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وله الحمد ) مضمونها سبب لتسبيح الله ما في السماوات وما في الأرض ، إذ التسبيح من الحمد ، فلا جرم أن كان حمد ذوي الإدراك مختصا به تعالى إذ هو الموصوف بالجميل الاختياري المطلق فهو الحقيق بالحمد والتسبيح .
فهذا القصر ادعائي لعدم الاعتداد بحمد غيره لنقصان كمالاتهم وإذا أريد بالحمد ما يشمل الشكر أو يفضي إليه كما في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002660الحمد رأس الشكر لم يشكر الله عبد لم يحمده وهو مقتضى المقام من تسفيه أحلام المشركين في عبادتهم غيره فالشكر أيضا مقصور عليه تعالى لأنه المنعم الحق بنعم لا قبل لغيره بإسدائها ، وهو المفيض على المنعمين ما ينعمون به في الظاهر ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم من نعمة فمن الله كما تقدم في تفسير أول سورة الفاتحة .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وهو على كل شيء قدير ) معطوفة على اللتين قبلها وهي بمنزلة التذييل لهما والتبيين لوجه القصرين فيهما ، فإن التقدير على كل شيء هو صاحب الملك الحق وهو المختص بالحمد الحق .
وفي هذا التذييل وعد للشاكرين ووعيد وترهيب للمشركين .
والاقتصار على ذكر وصف ( قدير ) هنا لأن المخلوقات التي تسبح الله دالة على صفة القدرة أولا لأن من يشاهد المخلوقات يعلم أن خالقها قادر .
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29035_29687_33133يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
[ ص: 260 ] لَمَّا كَانَ جُلُّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ إِبْطَالَ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ وَزَجْرَهُمْ عَنْ دِينِ الْإِشْرَاكِ بِأَسْرِهِ وَعَنْ تَفَارِيعِهِ الَّتِي أَعْظَمُهَا إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ وَتَكْذِيبَهُمُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكْذِيبُ الْقُرْآنِ وَتِلْكَ أُصُولُ ضَلَالِهِمْ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالْإِعْلَانِ بِضَلَالِهِمْ وَكُفْرَانِهِمُ الْمُنْعِمَ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ : إِمَّا بِلِسَانِ الْمَقَالِ مِثْلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ مِثْلَ عِبَادَةِ الْمُطِيعِينَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُدْرِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَإِمَّا بِلِسَانِ الْحَالِ مِثْلَ دَلَالَةِ حَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ كَحَاجَةِ الْحَيَوَانِ إِلَى الرِّزْقِ وَحَاجَةِ الشَّجَرَةِ إِلَى الْمَطَرِ وَمَا يَشْهَدُ بِهِ حَالُ جَمِيعِ تِلْكَ الْكَائِنَاتِ مِنْ أَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُسَخَّرَةٌ لِمَا أَرَادَهُ مِنْهَا ، وَكُلُّ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ تَنْقُضْ دَلَالَةَ حَالِهَا بِنَقَائِضِ كُفْرِ مَقَالِهَا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا التَّسْبِيحِ إِلَّا أَهْلُ الضَّلَالِ مِنَ الْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ حُجِبُوا بِشَهَادَةِ حَالِهِمْ لَمَّا غَشَوْهَا بِهِ مِنْ صَرْحِ الْكُفْرِ .
فَالْمَعْنَى : يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
وَهَذَا يُفِيدُ ابْتِدَاءَ تَقْرِيرِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّةِ سُلْطَانِهِ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيَكُونُ لَهُمْ تَعْلِيمًا وَامْتِنَانًا وَيُفِيدُ ثَانِيًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُنَزِّهُوهُ وَلَا وَقَّرُوهُ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ شُرَكَاءَ .
وَجِيءَ بِفِعْلِ التَّسْبِيحِ مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ التَّسْبِيحِ وَدَوَامِهِ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ .
وَجِيءَ بِهِ فِي فَوَاتِحِ سُوَرِ : الْحَدِيدِ ، وَالْحَشْرِ ، وَالصَّفِّ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي قَدِيمِ الْأَزْمَانِ . فَحَصَلَ مِنْ هَذَا التَّفَنُّنِ فِي فَوَاتِحِ هَذِهِ السُّوَرِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا بَيَّنَاهُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ الْخَاصَّةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ ، وَمَا فِي هَاتِهِ السُّورَةِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ تَجَدُّدِ التَّسْبِيحِ وَالْأَمْرِ بِالْعَفْوِ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِكَيْ لَا يَكْتَفِيَ الْمُؤْمِنُونَ بِحُصُولِ إِيمَانِهِمْ لِيَجْتَهِدُوا فِي تَعْزِيزِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ .
وَإِعَادَةُ ( مَا ) الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وَمَا فِي الْأَرْضِ ) لِقَصْدِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1لَهُ الْمُلْكُ ) اسْتِئْنَافٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ وَالتَّسَبُّبِ لِمَضْمُونِ تَسْبِيحِ اللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ مُلَابَسَةَ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ لِدَلَائِلِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى
[ ص: 261 ] عَنِ الشُّرَكَاءِ وَعَنِ النَّقَائِصِ لَا مُقْتَضَى لَهَا إِلَّا انْفِرَادُهُ بِتَمَلُّكِهَا وَإِيجَادِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ الْمُتَفَرِّدِ فِي مُلْكِهِ .
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَنْوِيهٌ
nindex.php?page=treesubj&link=33133بِإِقْبَالِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ وَتَجْدِيدِ ذَلِكَ التَّسْبِيحِ .
فَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، أَيْ قَصْرُ تَعَلُّقِ لَامِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمُلْكِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَلَا مُلْكَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُلْكٍ لِنَقْصِهِ وَعَدَمِ خُلُوِّهِ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى غَيْرِهِ مَنْ هُوَ لَهُ بِخِلَافِ مُلْكِهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَلِكُ الْمُطْلَقُ الدَّاخِلُ فِي سُلْطَانِهِ كُلُّ ذِي مُلْكٍ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وَلَهُ الْحَمْدُ ) مَضْمُونُهَا سَبَبٌ لِتَسْبِيحِ اللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، إِذِ التَّسْبِيحُ مِنَ الْحَمْدِ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ حَمْدُ ذَوِي الْإِدْرَاكِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمُطْلَقِ فَهُوَ الْحَقِيقُ بِالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ .
فَهَذَا الْقَصْرُ ادِّعَائِيٌّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِحَمْدِ غَيْرِهِ لِنُقْصَانِ كَمَالَاتِهِمْ وَإِذَا أُرِيدَ بِالْحَمْدِ مَا يَشْمَلُ الشُّكْرَ أَوْ يُفْضِي إِلَيْهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002660الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَبَدٌ لَمْ يَحْمَدْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَقَامِ مِنْ تَسْفِيهِ أَحْلَامِ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ فَالشُّكْرُ أَيْضًا مَقْصُورٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ الْحَقُّ بِنِعَمٍ لَا قِبَلَ لِغَيْرِهِ بِإِسْدَائِهَا ، وَهُوَ الْمُفِيضُ عَلَى الْمُنْعِمِينَ مَا يُنْعِمُونَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=1وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) مَعْطُوفَةٌ عَلَى اللَّتَيْنِ قَبِلَهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لَهُمَا وَالتَّبْيِينِ لِوَجْهِ الْقَصْرَيْنِ فِيهِمَا ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ صَاحِبُ الْمُلْكِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْحَمْدِ الْحَقِّ .
وَفِي هَذَا التَّذْيِيلِ وَعْدٌ لِلشَّاكِرِينَ وَوَعِيدٌ وَتَرْهِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ .
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ وَصْفِ ( قَدِيرٌ ) هُنَا لِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تُسَبِّحُ اللَّهَ دَالَّةٌ عَلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ مَنْ يُشَاهِدِ الْمَخْلُوقَاتِ يَعْلَمْ أَنَّ خَالِقَهَا قَادِرٌ .