[ ص: 62 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28975ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا .
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وأنتم سكارى لأنها في محل الحال ، وهذا النصب بعد العطف دليل بين على أن جملة الحال معتبرة في محل نصب .
والجنب فعل ، قيل : مصدر ، وقيل : وصف مثل أجد ، وقد تقدم الكلام فيه آنفا عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36والجار الجنب ، والمراد به المباعد للعبادة من الصلاة إذا قارف امرأته حتى يغتسل .
ووصف جنب وصف بالمصدر فلذلك لم يجمع إذ أخبر به عن جمع ، من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وأنتم سكارى . وإطلاق الجنابة على هذا المعنى من عهد الجاهلية ، فإن الاغتسال من الجنابة كان معروفا عندهم ، ولعله من بقايا الحنيفية ، أو مما أخذوه عن
اليهود ، فقد جاء الأمر بغسل الجنابة في الإصحاح 15 من سفر اللاويين من التوراة . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في السيرة أن
أبا سفيان ، لما رجع مهزوما من
بدر ، حلف أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو
محمدا . ولم أقف على شيء من كلام العرب يدل على ذكر غسل الجنابة .
والمعنى لا تصلوا في حال الجنابة حتى تغتسلوا إلخ . والمقصود من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا التمهيد للتخلص إلى شرع التيمم ، فإن حكم غسل الجنابة مقرر من قبل ، فذكره هنا إدماج . والتيمم شرع في غزوة
المريسيع على الصحيح ، وكانت سنة ست أو سنة خمس على الأصح . وظاهر حديث
مالك عن
عائشة أن الآية التي نزلت في غزوة
المريسيع هي آية التيمم ، فيظهر أن تكون هذه الآية التي في سورة النساء لأنها لم يذكر منها إلا التيمم . ووقع في حديث
عمرو عن
عائشة أن الآية التي نزلت هي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة التي في سورة المائدة ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وقد جزم
[ ص: 63 ] القرطبي بأن الآية التي نزلت في غزوة
المريسيع هي آية سورة النساء ، قال : لأن آية سورة المائدة تسمى آية الوضوء . وكذلك
الواحدي أورد في أسباب النزول حديث
عائشة في سبب نزول آية سورة النساء . وقال
ابن العربي هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لا نعلم أي الآيتين عنت
عائشة . وسورة المائدة قيل : نزلت قبل سورة النساء ، وقيل بعدها ، والخطب سهل ، والأصح أن سورة النساء نزلت قبل سورة المائدة .
والاستثناء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل استثناء من عموم الأحوال المستفاد من وقوع " جنبا " ، وهو حال نكرة ، في سياق النفي . وعابر السبيل ، في كلام العرب : المسافر حين سيره في سفره ، مشتق من العبر وهو القطع والاجتياز ، يقال : عبر النهر وعبر الطريق . ومن العلماء من فسر
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عابري سبيل بمارين في طريق ، وقال : المراد منه طريق المسجد ، بناء على تفسير الصلاة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لا تقربوا الصلاة بالمسجد ، وجعلوا الآية رخصة في مرور الجنب في المسجد إذا كان قصده المرور لا المكث ، قاله الذين تأولوا الصلاة بالمسجد . ونسب أيضا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك .
وأبي عبيدة .
nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ، والضحاك ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ، وقتادة ، قالوا : كان ذلك أيام كان لكثير من
المهاجرين والأنصار أبواب دور في المسجد ، ثم نسخ ذلك بعد سد الأبواب كلها إلا خوخة
أبي بكر ، فكان المرور كذلك رخصة للنبيء - صلى الله عليه وسلم -
ولأبي بكر ، وفي رواية
ولعلي ، وقيل : أبقيت خوخة بيت
علي في المسجد ، ولم يصح .
وفائدة هذا الاستثناء - عند من فسر
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43تقربوا الصلاة بدخول المسجد ، وفسر
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عابري سبيل بالمارين في المسجد - ظاهرة ، وهو استثناء حقيقي من عموم أحوال الجنب باستثناء عابري السبيل . وعابر السبيل المأخوذ من الاستثناء مطلق ، وهو عند أصحاب هذا المحمل باق على إطلاقه لا تقييد فيه ، وأما عند الجمهور الذين حملوا الآية على ظاهرها في معنى تقربوا الصلاة ، وفي معنى عابري السبيل فلا تظهر له فائدة ، للاستغناء عنه بقوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو على سفر ولأن في عموم الحصر تخصيصا ، فالذي يظهر لي أنه إنما قدم هنا لأنه غالب الأحوال التي تحول بين المرء وبين الاغتسال من جهة حاجة المسافر استبقاء الماء . ولندور عروض المرض . والاستثناء على محمل الجمهور يحتمل أن يكون متصلا عند
[ ص: 64 ] من يرى المتيمم جنبا ، ويرى التيمم غير رافع للحدث ، ولكنه مبيح للصلاة للضرورة في الوقت ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فهو عنده بدل ضروري يقدر بقدر الضرورة ، ودليله ظاهر الاستثناء ، ويحتمل أن يكون منقطعا عند من يرى المتيمم غير جنب ، ويرى التيمم رافعا للحدث حتى ينتقض بناقض ويزول سببه ، وهذا قول
أبي حنيفة ، فلذلك إذا تيمم الجنب وصلى وصار منه حدث ناقض للوضوء يتوضأ لأن تيممه بدل عن الغسل مطلقا ، وهذا هو الظاهر بحسب المعنى وليس في السنة ما يقتضي خلافه . وعن
مالك في ذلك قولان : فالمشهور من رواية
ابن القاسم أن التيمم مبيح للصلاة وليس رافعا للحدث ، فلذلك لا يصلي المتيمم به إلا فرضا واحدا ، ولو تيمم لجنابة لعذر يمنع من الغسل وانتقض وضوءه تيمم عن الوضوء . وعن
مالك ، في رواية البغداديين : أن المريض الذي لا يقدر على مس الماء يتيمم ويصلي أكثر من صلاة ، حتى ينتقض تيممه بناقض الوضوء ، وكذلك فيمن ذكر فوائت يصليها بتيمم واحد ، فعلى هذا ليس تجديد التيمم لغيرهما إلا لأنه لا يدري لعله يجد الماء فكانت نية التيمم غير جازمة في بقائه ، ولم ينقل عن
مالك قول بأن المتيمم للجنابة بعذر مانع من الغسل إذا انتقض وضوءه يتوضأ .
وفي مفهوم هذا الاستثناء ، عند القائلين بالمفاهيم من الجمهور ، على هذا المحمل تفصيل ، فعابر السبيل مطلق قيده قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فلم تجدوا ماء فتيمموا وبقي عموم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا في غير عابر السبيل ، لأن العام المخصوص يبقى عاما فيما عدا ما خصص ، فخصصه الشرط تخصيصا ثانيا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى . ثم إن كان قد تقرر عند المسلمين أن الصلاة تقع بدون طهارة يبقى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل مجملا لأنهم يترقبون بيان الحكم في قربان الصلاة على غير طهارة للمسافر ، فيكون في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى أو على سفر بيان لهذا الإجمال ، وإن كان ذلك لم يخطر ببالهم فلا إجمال ، ويكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى أو على سفر استئنافا لأحكام التيمم .
وتقديم المستثنى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل قبل تمام الكلام المقصود قصره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حتى تغتسلوا للاهتمام وهو جار على استعمال قليل ، كقول
موسى بن جابر الحنفي - أموي - :
[ ص: 65 ] لا أشتهي يا قوم إلا كارها باب الأمير ولا دفاع الحاجب
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حتى تغتسلوا غاية للنهي عن الصلاة إذا كانوا جنبا ، فهو تشريع للغسل من الجنابة وإيجاب له ، لأن وجوب الصلاة لا يسقط بحال ، فلما نهوا عن اقترابها بدون الغسل علم من ذلك فرض الغسل . والحكمة في مشروعية الغسل النظافة ، ونيط ذلك بأداء الصلاة ليكون المصلي في حالة كمال الجسد ، كما كان حينئذ في حال كمال الباطن بالمناجاة والخضوع . ومن أبدع الحكم الشرعية أنها لم تنط وجوب التنظيف بحال الوسخ لأن مقدار الحال من الوسخ الذي يستدعي الاغتسال والتنظيف مما تختلف فيه مدارك البشر في عوائدهم وأحوالهم ، فنيط وجوب الغسل بحالة لا تنفك عن القوة البشرية في مدة متعارف أعمار البشر ، وهي حالة دفع فواضل القوة البشرية ، وحيث كان بين تلك الحالة وبين شدة القوة تناسب تام ، إذ بمقدار القوة تندفع فضلاتها ، وكان أيضا بين شدة القوة وبين ظهور الفضلات على ظاهر البدن المعبر عنها بالوسخ تناسب تام ، كان نوط الاغتسال بالجنابة إناطة بوصف ظاهر منضبط فجعل هو العلة أو السبب ، وكان مع ذلك محصلا للمناسبة المقتضية للتشريع ، وهي إزالة الأوساخ عند بلوغها مقدارا يناسب أن يزال مع جعل ذلك مرتبطا بأعظم عبادة وهي الصلاة ، فصارت الطهارة عبادة كذلك ، وكذلك القول في مشروعية الوضوء ، على أن في الاغتسال من الجنابة حكمة أخرى ، وهي تجديد نشاط المجموع العصبي الذي يعتريه فتور باستفراغ القوة المأخوذة من زبد الدم ، حسبما تفطن لذلك الأطباء فقضيت بهذا الانضباط حكم عظيمة .
ودل إسناد الاغتسال إلى الذوات في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حتى تغتسلوا على أن الاغتسال هو إحاطة البدن بالماء ، وهذا متفق عليه ، واختلف في وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=281الدلك أي إمرار اليد على أجزاء البدن : فشرطه
مالك رحمه الله بناء على أنه المعروف من معنى الغسل في لسان العرب ، ولأن الوضوء لا يجزئ بدون دلك باتفاق ، فكذلك الغسل .
وقال جمهور العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=279يجزئ في الغسل إحاطة البدن بالماء بالصب أو الانغماس ; واحتجوا بحديث
ميمونة وعائشة - رضي الله عنهما - في صفة غسل النبيء - صلى الله عليه وسلم - أنه أفاض الماء على جسده ، ولا حجة فيه لأنهما لم تذكرا أنه لم يتدلك ،
[ ص: 66 ] ولكنهما سكتتا عنه ، فيجوز أن يكون سكوتهما لعلمهما بأنه المتبادر ، وهذا أيضا رواية عن
مالك رواها عنه
أبو الفرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=17069ومروان بن محمد الطاطري ، وهي ضعيفة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى إلخ ذكر حالة الرخصة في ترك الاغتسال وترك الوضوء الذي لم يذكر في هذه السورة ، وذكر في سورة المائدة ، وهي نازلة قبل هذه السورة . فالمقصود بيان حكم التيمم بحذافره ، وفي جمع هذه الأشياء في نسق حصل هذا المقصود ، وحصل أيضا تخصيص لعموم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا كما تقدم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو على سفر بيان للإجمال الواقع في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل إن كان فيه إجمال ، وإلا فهو استئناف حكم جديد كما تقدم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو جاء أحد منكم من الغائط زيادة على حكم التيمم الواقع بدلا عن الغسل ، بذكر التيمم الواقع بدلا عن الوضوء إيعابا لنوعي التيمم . وغير ذلك من أسبابه يؤخذ بالقياس على المذكور . فالمريض أريد به الذي اختل نظام صحته بحيث صار الاغتسال يضره أو يزيد علته . وجاء من الغائط كناية عن قضاء الحاجة البشرية ، شاع في كلامهم التكني بذلك لبشاعة الصريح .
nindex.php?page=treesubj&link=85 " والغائط : المنخفض من الأرض وما غاب عن البصر ، يقال : غاط في الأرض إذا غاب يغوط ، فهمزته منقلبة عن الواو ، وكانت العرب يذهبون عند قضاء الحاجة إلى مكان منخفض من جهة الحي بعيد عن بيوت سكناهم ، فيكنون عنه : يقولون ذهب إلى الغائط أو تغوط ، فكانت كناية لطيفة ثم استعملها الناس بعد ذلك كثيرا حتى ساوت الحقيقة فسمجت ، فصار الفقهاء يطلقونه على نفس الحدث ويعلقونه بأفعال تناسب ذلك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو لامستم النساء قرئ ( لامستم ) بصيغة المفاعلة ، وقرئ : ( لمستم ) بصيغة الفعل كما سيأتي ، وهما بمعنى واحد على التحقيق . ومن حاول التفصيل لم يأت بما فيه تحصيل . وأصل اللمس المباشرة باليد أو بشيء من الجسد ، وقد أطلق مجازا وكناية على الافتقاد ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وأنا لمسنا السماء وعلى النزول ، قال
النابغة :
ليلتمسن بالجيش دار المحارب
[ ص: 67 ] وعلى قربان النساء ، لأنه مرادف المس ، ومنه قولهم :
فلانة لا ترد يد لامس
، ونظيره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن . والملامسة هنا يحتمل أن يكون المراد منها ظاهرها ، وهو الملامسة بمباشرة اليد أو بعض الجسد جسد المرأة ، فيكون ذكر سببا ثانيا من أسباب الوضوء التي توجب التيمم عند فقد الماء ، وبذلك فسره
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فجعل لمس الرجل بيده جسد امرأته موجبا للوضوء ، وهو محمل بعيد ، إذ
nindex.php?page=treesubj&link=79لا يكون لمس الجسد موجبا للوضوء وإنما الوضوء مما يخرج خروجا معتادا . فالمحمل الصحيح أن الملامسة كناية عن الجماع ، وتعديد هذه الأسباب لجمع ما يغلب من موجبات الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى . وإنما لم يستغن عن لامستم النساء بقوله آنفا ( ولا جنبا ) لأن ذلك ذكر في معرض الأمر بالاغتسال ، وهذا ذكر في معرض الإذن بالتيمم الرخصة ، والمقام مقام تشريع يناسبه عدم الاكتفاء بدلالة الالتزام ، وبذلك يكون وجه لذكره وجيه . وأما على تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تابعه فلا يكون لذكر سبب ثان من أسباب الوضوء كبير أهمية . وإلى هذا مال الجمهور فلذلك لم يجب عند
مالك وأبي حنيفة الوضوء من لمس الرجل امرأته ما لم يخرج منه شيء ، إلا أن
مالكا قال : إذا التذ اللامس أو قصد اللذة انتقض وضوءه ، وحمل الملامسة في هذه الآية على معنييها الكنائي والصريح ، لكن هذا بشرط الالتذاذ ، وبه قال جمع من السلف ، وأرى
مالكا اعتمد في هذا على الآثار المروية عن أيمة السلف ، ولا أراه جعله المراد من الآية .
وقرأ الجمهور ( لامستم ) بصيغة المفاعلة ; وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف : ( لمستم ) بدون ألف .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فلم تجدوا ماء عطف على فعل الشرط ، وهو قيد في المسافر ، ومن جاء من الغائط ، ومن لامس النساء ، وأما المريض فلا يتقيد تيممه بعدم وجدان الماء لأنه يتيمم مطلقا ، وذلك معلوم بدلالة معنى المرض ، فمفهوم القيد بالنسبة إليه معطل بدلالة المعنى ، ولا يكون المقصود من المريض الزمن ، إذ لا يعدم الزمن مناولا يناوله الماء إلا نادرا .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فتيمموا ) جواب الشرط
nindex.php?page=treesubj&link=25282والتيمم : القصد . والصعيد : وجه الأرض ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة يصف خشفا من بقر الوحش نائما في الشمس لا يكاد يفيق :
[ ص: 68 ] كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
والطيب : الطاهر الذي لم تلوثه نجاسة ولا قذر ، فيشمل الصعيد
nindex.php?page=treesubj&link=342التراب nindex.php?page=treesubj&link=350والرمل nindex.php?page=treesubj&link=346والحجارة ، وإنما عبر بالصعيد ليصرف المسلمين عن هوس أن يتطلبوا التراب أو الرمل مما تحت وجه الأرض غلوا في تحقيق طهارته .
وقد شرع بهذه الآية حكم التيمم أو قرر شرعه السابق في سورة المائدة على الأصح ، وكان شرع التيمم
nindex.php?page=treesubj&link=32600سنة ست في غزوة المريسيع ،
nindex.php?page=treesubj&link=32600وسبب شرعه ما في الصحيح عن
عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت
عائشة أقامت برسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء . فجاء
أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟ فعاتبني
أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله على فخذي ، فقام رسول الله حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا
آل أبي بكر ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرا . قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته .
nindex.php?page=treesubj&link=32599والتيمم من خصائص شريعة الإسلام كما في حديث
جابر أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341387أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي فذكر منها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .
والتيمم بدل جعله الشرع عن الطهارة ، ولم أر لأحد من العلماء بيانا في
nindex.php?page=treesubj&link=312حكمة جعل التيمم عوضا عن الطهارة بالماء وكان ذلك من همي زمنا طويلا وقت الطلب ثم انفتح لي حكمة ذلك .
[ ص: 69 ] وأحسب أن حكمة تشريعه تقرير لزوم الطهارة في نفوس المؤمنين ، وتقرير حرمة الصلاة ، وترفيع شأنها في نفوسهم ، فلم تترك لهم حالة يعدون فيها أنفسهم مصلين بدون طهارة تعظيما لمناجاة الله تعالى ، فلذلك شرع لهم عملا يشبه الإيماء إلى الطهارة ليستشعروا أنفسهم متطهرين ، وجعل ذلك بمباشرة اليدين صعيد الأرض التي هي منبع الماء ، ولأن التراب مستعمل في تطهير الآنية ونحوها ، ينظفون به ما علق لهم من الأقذار في ثيابهم وأبدانهم وماعونهم ، وما الاستجمار إلا ضرب من ذلك ، مع ما في ذلك من تجديد طلب الماء لفاقده وتذكيره بأنه مطالب به عند زوال مانعه ، وإذ قد كان التيمم طهارة رمزية اقتنعت الشريعة فيه بالوجه والكفين في الطهارتين الصغرى والكبرى ، كما دل عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، ويؤيد هذا المقصد أن المسلمين لما عدموا الماء في غزوة
المريسيع صلوا بدون وضوء فنزلت آية التيمم . وهذا منتهى ما عرض لي من حكمة مشروعية التيمم بعد طول البحث والتأمل في حكمة مقنعة في النظر ، وكنت أعد التيمم هو النوع الوحيد بين الأحكام الشرعية في معنى التعبد بنوعه ، وأما التعبد ببعض الكيفيات والمقادير من أنواع عبادات أخرى فكثير ، مثل عدد الركعات في الصلوات ، وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لما اشترط أن يكون التيمم بالتراب خاصة وأن ينقل المتيمم منه إلى وجهه ويديه ، راعى فيه معنى التنظيف كما في الاستجمار ، إلا أن هذا القول لم ينقل عن أحد من السلف وهو ما سبق إلى خاطر
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر حين تمرغ في التراب لما تعذر عليه الاغتسال ، فقال النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341533يكفيك من ذلك الوجه والكفان . ولأجل هذا أيضا اختلف السلف في حكم التيمم ، فقال
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود :
nindex.php?page=treesubj&link=338لا يقع التيمم بدلا إلا عن الوضوء دون الغسل ، وأن الجنب لا يصلي حتى يغتسل سواء كان ذلك في الحضر أم في السفر . وقد تناظر في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود : روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب التيمم قال
أبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : أرأيت إذا أجنب فلم يجد الماء كيف يصنع ؟ قال
عبد الله : لا يصلي حتى يجد الماء . فقال
أبو موسى : فكيف تصنع بقول
عمار حين قال له النبيء :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341534كان يكفيك هكذا ، فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه وكفيه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ألم تر
عمر لم يقتنع منه بذلك ، قال
أبو موسى : فدعنا من قول
عمار ، كيف تصنع بهذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى أو على سفر فما درى
عبد الله ما يقول ، فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على
[ ص: 70 ] أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم . ولا شك أن
عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، تأولا آية النساء فجعلا قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل رخصة لمرور المسجد ، وجعلا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أو لامستم النساء مرادا به اللمس الناقض للوضوء على نحو تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وخالف جميع علماء الأمة
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود في هذا ، فقال الجمهور : يتيمم فاقد الماء ومن يخاف على نفسه الهلاك أو المرض أو زيادة المرض ولو نزلة أو حمى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يتيمم إلا فاقد الماء أو من يخاف على نفسه التلف دون المرض أو زيادته ، لأن زيادة المرض غير محققة ، ويرده أن كلا الأمرين غير محقق الحصول ، وأن الله لم يكلف الخلق بما فيه مشقة . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341535تيمم nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل وصلى بالناس ، فذكروا ذلك للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال عمرو : إني سمعت الله يقول nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فامسحوا بوجوهكم وأيديكم جعل
nindex.php?page=treesubj&link=321_325_326التيمم قاصرا على مسح الوجه واليدين ، وأسقط مسح ما سواهما من أعضاء الوضوء بله أعضاء الغسل ، إذ ليس المقصود منه تطهيرا حسيا ، ولا تجديد النشاط ، ولكن مجرد استحضار استكمال الحالة للصلاة ، وقد ظن بعض الصحابة أن هذا تيمم بدل عن الوضوء ، وأن التيمم البدل عن الغسل لا يجزي منه إلا مسح سائر الجسد بالصعيد ، فعلمه النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن التيمم للجنابة مثل التيمم للوضوء ، فقد ثبت في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341536كنت في سفر فأجنبت فتمعكت في التراب ( أي تمرغت ) وصليت فأتيت النبيء فذكرت ذلك فقال : يكفيك الوجه والكفان . وقد تقدم آنفا .
والباء للتأكيد ، مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وهزي إليك بجذع النخلة وقول
النابغة يرثي
النعمان بن المنذر :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا وأصبح جد الناس يظلع عاثـرا
أراد إن وارتك الأرض مواراة الدفن . والمعنى : فامسحوا وجوهكم وأيديكم ، وقد ذكرت هذه الباء مع الممسوح في الوضوء ومع التيمم للدلالة على تمكن المسح لئلا تزيد رخصة على رخصة .
[ ص: 71 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إن الله كان عفوا غفورا تذييل لحكم الرخصة إذ عفا عن المسلمين فلم يكلفهم الغسل أو الوضوء عند المرض ، ولا ترقب وجود الماء عند عدمه ، حتى تكثر عليهم الصلوات فيعسر عليهم القضاء .
[ ص: 62 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28975وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا .
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَأَنْتُمْ سُكَارَى لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ الْحَالِ ، وَهَذَا النَّصْبُ بَعْدَ الْعَطْفِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ .
وَالْجُنُبُ فُعُلٌ ، قِيلَ : مَصْدَرٌ ، وَقِيلَ : وَصْفٌ مِثْلُ أُجُدٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَالْجَارِ الْجُنُبِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَاعِدُ لِلْعِبَادَةِ مِنَ الصَّلَاةِ إِذَا قَارَفَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ .
وَوَصْفُ جُنُبٍ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ إِذْ أُخْبِرَ بِهِ عَنْ جَمْعٍ ، مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَأَنْتُمْ سُكَارَى . وَإِطْلَاقُ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَقَايَا الْحَنِيفِيَّةِ ، أَوْ مِمَّا أَخَذُوهُ عَنِ
الْيَهُودِ ، فَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي الْإِصْحَاحِ 15 مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ مِنَ التَّوْرَاةِ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ ، لَمَّا رَجَعَ مَهْزُومًا مِنْ
بَدْرٍ ، حَلَفَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ
مُحَمَّدًا . وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ .
وَالْمَعْنَى لَا تُصَلُّوا فِي حَالِ الْجَنَابَةِ حَتَّى تَغْتَسِلُوا إِلَخْ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا التَّمْهِيدُ لِلتَّخَلُّصِ إِلَى شَرْعِ التَّيَمُّمِ ، فَإِنَّ حُكْمَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مُقَرَّرٌ مِنْ قَبْلُ ، فَذِكْرُهُ هُنَا إِدْمَاجٌ . وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَنَةَ خَمْسٍ عَلَى الْأَصَحِّ . وَظَاهِرُ حَدِيثِ
مَالِكٍ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ هِيَ آيَةُ التَّيَمُّمِ ، فَيَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا إِلَّا التَّيَمُّمُ . وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ
عَمْرٍو عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ هِيَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَقَدْ جَزَمَ
[ ص: 63 ] الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ هِيَ آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ ، قَالَ : لِأَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ . وَكَذَلِكَ
الْوَاحِدِيُّ أَوْرَدَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ حَدِيثَ
عَائِشَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ . وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ
عَائِشَةُ . وَسُورَةُ الْمَائِدَةِ قِيلَ : نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَقِيلَ بَعْدَهَا ، وَالْخَطْبُ سَهْلٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ وُقُوعِ " جُنُبًا " ، وَهُوَ حَالٌ نَكِرَةٌ ، فِي سِيَاقِ النَّفْيِ . وَعَابِرُ السَّبِيلِ ، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْمُسَافِرُ حِينَ سَيْرِهِ فِي سَفَرِهِ ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَبْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالِاجْتِيَازُ ، يُقَالُ : عَبَرَ النَّهْرَ وَعَبَرَ الطَّرِيقَ . وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَسَّرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عَابِرِي سَبِيلٍ بِمَارِّينَ فِي طَرِيقٍ ، وَقَالَ : الْمُرَادُ مِنْهُ طَرِيقُ الْمَسْجِدِ ، بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ ، وَجَعَلُوا الْآيَةَ رُخْصَةً فِي مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ قَصْدُهُ الْمُرُورَ لَا الْمُكْثَ ، قَالَهُ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ . وَنُسِبَ أَيْضًا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
وَأَبِي عُبَيْدَةَ .
nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَعَطَاءٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَمَسْرُوقٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15944وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16705وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13283وَابْنِ شِهَابٍ ، وَقَتَادَةَ ، قَالُوا : كَانَ ذَلِكَ أَيَّامَ كَانَ لِكَثِيرٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَبْوَابُ دُورٍ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدَ سَدِّ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا إِلَّا خَوْخَةَ
أَبِي بَكْرٍ ، فَكَانَ الْمُرُورُ كَذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلِأَبِي بَكْرٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ
وَلِعَلِّيٍ ، وَقِيلَ : أُبْقِيَتْ خَوْخَةُ بَيْتِ
عَلِيٍّ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَمْ يَصِحَّ .
وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ - عِنْدَ مَنْ فَسَّرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ ، وَفَسَّرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عَابِرِي سَبِيلٍ بِالْمَارِّينَ فِي الْمَسْجِدِ - ظَاهِرَةٌ ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ الْجُنُبِ بِاسْتِثْنَاءِ عَابِرِي السَّبِيلِ . وَعَابِرُ السَّبِيلِ الْمَأْخُوذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقٌ ، وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِ هَذَا الْمَحْمَلِ بَاقٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ لَا تَقْيِيدَ فِيهِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي مَعْنَى تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ، وَفِي مَعْنَى عَابِرِي السَّبِيلِ فَلَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ ، لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلِأَنَّ فِي عُمُومِ الْحَصْرِ تَخْصِيصًا ، فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَ هُنَا لِأَنَّهُ غَالِبُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ الِاغْتِسَالِ مِنْ جِهَةِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ اسْتِبْقَاءَ الْمَاءِ . وَلِنَدُورِ عُرُوضِ الْمَرَضِ . وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى مَحْمَلِ الْجُمْهُورِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا عِنْدَ
[ ص: 64 ] مَنْ يَرَى الْمُتَيَمِّمَ جُنُبًا ، وَيَرَى التَّيَمُّمَ غَيْرَ رَافِعٍ لِلْحَدَثِ ، وَلَكِنَّهُ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْوَقْتِ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَهُوَ عِنْدَهُ بَدَلٌ ضَرُورِيٌّ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، وَدَلِيلُهُ ظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمُتَيَمِّمَ غَيْرَ جُنُبٍ ، وَيَرَى التَّيَمُّمَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ حَتَّى يَنْتَقِضَ بِنَاقِضٍ وَيَزُولَ سَبَبُهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلِذَلِكَ إِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَصَلَّى وَصَارَ مِنْهُ حَدَثٌ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ يَتَوَضَّأُ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ بَدَلٌ عَنِ الْغُسْلِ مُطْلَقًا ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ . وَعَنْ
مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : فَالْمَشْهُورُ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ ، فَلِذَلِكَ لَا يُصَلِّي الْمُتَيَمِّمُ بِهِ إِلَّا فَرْضًا وَاحِدًا ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِجَنَابَةٍ لِعُذْرٍ يَمْنَعُ مِنَ الْغُسْلِ وَانْتَقَضَ وَضُوءُهُ تَيَمَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ . وَعَنْ
مَالِكٍ ، فِي رِوَايَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ : أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ ، حَتَّى يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ بِنَاقِضِ الْوُضُوءِ ، وَكَذَلِكَ فِيمَنْ ذَكَرَ فَوَائِتَ يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ لِغَيْرِهِمَا إِلَّا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فَكَانَتْ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ غَيْرَ جَازِمَةٍ فِي بَقَائِهِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ
مَالِكٍ قَوْلٌ بِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لِلْجَنَابَةِ بِعُذْرٍ مَانِعٍ مِنَ الْغُسْلِ إِذَا انْتَقَضَ وَضَوْءُهُ يَتَوَضَّأُ .
وَفِي مَفْهُومِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ ، عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفَاهِيمِ مِنَ الْجُمْهُورِ ، عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ تَفْصِيلٌ ، فَعَابِرُ السَّبِيلِ مُطْلَقٌ قَيَّدَهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَبَقِيَ عُمُومُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا فِي غَيْرِ عَابِرِ السَّبِيلِ ، لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ يَبْقَى عَامًّا فِيمَا عَدَا مَا خُصِّصَ ، فَخَصَّصَهُ الشَّرْطُ تَخْصِيصًا ثَانِيًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى . ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَقَعُ بِدُونِ طَهَارَةٍ يَبْقَى قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ مُجْمَلًا لِأَنَّهُمْ يَتَرَقَّبُونَ بَيَانَ الْحُكْمِ فِي قُرْبَانِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لِلْمُسَافِرِ ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ بَيَانٌ لِهَذَا الْإِجْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ فَلَا إِجْمَالَ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ اسْتِئْنَافًا لِأَحْكَامِ التَّيَمُّمِ .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ قَصْرُهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حَتَّى تَغْتَسِلُوا لِلِاهْتِمَامِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اسْتِعْمَالٍ قَلِيلٍ ، كَقَوْلِ
مُوسَى بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ - أُمَوِيٌّ - :
[ ص: 65 ] لَا أَشْتَهِي يَا قَوْمِ إِلَّا كَارِهًا بَابَ الْأَمِيرِ وَلَا دِفَاعَ الْحَاجِبِ
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حَتَّى تَغْتَسِلُوا غَايَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا جُنُبًا ، فَهُوَ تَشْرِيعٌ لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَإِيجَابٌ لَهُ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ ، فَلَمَّا نُهُوا عَنِ اقْتِرَابِهَا بِدُونِ الْغُسْلِ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَرْضُ الْغُسْلِ . وَالْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ ، وَنِيطَ ذَلِكَ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ الْمُصَلِّي فِي حَالَةِ كَمَالِ الْجَسَدِ ، كَمَا كَانَ حِينَئِذٍ فِي حَالِ كَمَالِ الْبَاطِنِ بِالْمُنَاجَاةِ وَالْخُضُوعِ . وَمِنْ أَبْدَعِ الْحِكَمِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهَا لَمْ تُنِطْ وُجُوبَ التَّنْظِيفِ بِحَالِ الْوَسَخِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْحَالِ مِنَ الْوَسَخِ الَّذِي يَسْتَدْعِي الِاغْتِسَالَ وَالتَّنْظِيفَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ مَدَارِكُ الْبَشَرِ فِي عَوَائِدِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ ، فَنِيطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِحَالَةٍ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ فِي مُدَّةِ مُتَعَارَفِ أَعْمَارِ الْبَشَرِ ، وَهِيَ حَالَةُ دَفْعِ فَوَاضِلِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَحَيْثُ كَانَ بَيْنَ تِلْكَ الْحَالَةِ وَبَيْنَ شِدَّةِ الْقُوَّةِ تَنَاسُبٌ تَامٌّ ، إِذْ بِمِقْدَارِ الْقُوَّةِ تَنْدَفِعُ فَضَلَاتُهَا ، وَكَانَ أَيْضًا بَيْنَ شِدَّةِ الْقُوَّةِ وَبَيْنَ ظُهُورِ الْفَضَلَاتِ عَلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْوَسَخِ تَنَاسُبٌ تَامٌّ ، كَانَ نَوْطُ الِاغْتِسَالِ بِالْجَنَابَةِ إِنَاطَةً بِوَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ فَجُعِلَ هُوَ الْعِلَّةَ أَوِ السَّبَبَ ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مُحَصِّلًا لِلْمُنَاسَبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّشْرِيعِ ، وَهِيَ إِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ عِنْدَ بُلُوغِهَا مِقْدَارًا يُنَاسِبُ أَنْ يُزَالَ مَعَ جَعْلِ ذَلِكَ مُرْتَبِطًا بِأَعْظَمِ عِبَادَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ ، فَصَارَتِ الطَّهَارَةُ عِبَادَةً كَذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوُضُوءِ ، عَلَى أَنَّ فِي الِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ حِكْمَةً أُخْرَى ، وَهِيَ تَجْدِيدُ نَشَاطِ الْمَجْمُوعِ الْعَصَبِيِّ الَّذِي يَعْتَرِيهِ فُتُورٌ بِاسْتِفْرَاغِ الْقُوَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ زَبَدِ الدَّمِ ، حَسْبَمَا تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ فَقُضِيَتْ بِهَذَا الِانْضِبَاطِ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ .
وَدَلَّ إِسْنَادُ الِاغْتِسَالِ إِلَى الذَّوَاتِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43حَتَّى تَغْتَسِلُوا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ هُوَ إِحَاطَةُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=281الدَّلْكِ أَيْ إِمْرَارِ الْيَدِ عَلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ : فَشَرَطَهُ
مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الْغُسْلِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُجْزِئُ بِدُونِ دَلْكٍ بِاتِّفَاقٍ ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ .
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ :
nindex.php?page=treesubj&link=279يُجْزِئُ فِي الْغُسْلِ إِحَاطَةُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ بِالصَّبِّ أَوِ الِانْغِمَاسِ ; وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ
مَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صِفَةِ غُسْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ تَذْكُرَا أَنَّهُ لَمْ يَتَدَلَّكْ ،
[ ص: 66 ] وَلَكِنَّهُمَا سَكَتَتَا عَنْهُ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُمَا لِعِلْمِهِمَا بِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ ، وَهَذَا أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ
مَالِكٍ رَوَاهَا عَنْهُ
أَبُو الْفَرَجِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17069وَمَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى إِلَخْ ذِكْرُ حَالَةِ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الِاغْتِسَالِ وَتَرْكِ الْوُضُوءِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَذُكِرَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، وَهِيَ نَازِلَةٌ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ . فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ حُكْمِ التَّيَمُّمِ بِحَذَافِرِهِ ، وَفِي جَمْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي نَسَقٍ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ ، وَحَصَلَ أَيْضًا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ عَلَى سَفَرٍ بَيَانٌ لِلْإِجْمَالِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ إِنْ كَانَ فِيهِ إِجْمَالٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِئْنَافُ حُكْمٍ جَدِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ زِيَادَةٌ عَلَى حُكْمِ التَّيَمُّمِ الْوَاقِعِ بَدَلًا عَنِ الْغُسْلِ ، بِذِكْرِ التَّيَمُّمِ الْوَاقِعِ بَدَلًا عَنِ الْوُضُوءِ إِيعَابًا لِنَوْعَيِ التَّيَمُّمِ . وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِهِ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَذْكُورِ . فَالْمَرِيضُ أُرِيدَ بِهِ الَّذِي اخْتَلَّ نِظَامُ صِحَّتِهِ بِحَيْثُ صَارَ الِاغْتِسَالُ يَضُرُّهُ أَوْ يَزِيدُ عِلَّتَهُ . وَجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ كِنَايَةٌ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْبَشَرِيَّةِ ، شَاعَ فِي كَلَامِهِمُ التَّكَنِّي بِذَلِكَ لِبَشَاعَةِ الصَّرِيحِ .
nindex.php?page=treesubj&link=85 " وَالْغَائِطُ : الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ وَمَا غَابَ عَنِ الْبَصَرِ ، يُقَالُ : غَاطَ فِي الْأَرْضِ إِذَا غَابَ يَغُوطُ ، فَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَذْهَبُونَ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى مَكَانٍ مُنْخَفِضٍ مِنْ جِهَةِ الْحَيِّ بَعِيدٍ عَنْ بُيُوتِ سُكْنَاهُمْ ، فَيُكِنُّونَ عَنْهُ : يَقُولُونَ ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ أَوْ تَغَوَّطَ ، فَكَانَتْ كِنَايَةً لَطِيفَةً ثُمَّ اسْتَعْمَلَهَا النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرًا حَتَّى سَاوَتِ الْحَقِيقَةَ فَسَمَجَتْ ، فَصَارَ الْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَهُ عَلَى نَفْسِ الْحَدَثِ وَيُعَلِّقُونَهُ بِأَفْعَالٍ تُنَاسِبُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ قُرِئَ ( لَامَسْتُمْ ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ ، وَقُرِئَ : ( لَمَسْتُمْ ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى التَّحْقِيقِ . وَمَنْ حَاوَلَ التَّفْصِيلَ لَمْ يَأْتِ بِمَا فِيهِ تَحْصِيلٌ . وَأَصْلُ اللَّمْسِ الْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ الْجَسَدِ ، وَقَدْ أُطْلِقَ مَجَازًا وَكِنَايَةً عَلَى الِافْتِقَادِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=8وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ وَعَلَى النُّزُولِ ، قَالَ
النَّابِغَةُ :
لِيَلْتَمِسَنْ بِالْجَيْشِ دَارَ الْمُحَارِبِ
[ ص: 67 ] وَعَلَى قُرْبَانِ النِّسَاءِ ، لِأَنَّهُ مُرَادِفُ الْمَسِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ :
فُلَانَةٌ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ
، وَنَظِيرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ . وَالْمُلَامَسَةُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا ظَاهِرَهَا ، وَهُوَ الْمُلَامَسَةُ بِمُبَاشَرَةِ الْيَدِ أَوْ بَعْضِ الْجَسَدِ جَسَدَ الْمَرْأَةِ ، فَيَكُونُ ذَكَرَ سَبَبًا ثَانِيًا مِنْ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ الَّتِي تُوجِبُ التَّيَمُّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، فَجَعَلَ لَمْسَ الرَّجُلِ بِيَدِهِ جَسَدَ امْرَأَتِهِ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ ، وَهُوَ مَحْمَلٌ بَعِيدٌ ، إِذْ
nindex.php?page=treesubj&link=79لَا يَكُونُ لَمْسُ الْجَسَدِ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ خُرُوجًا مُعْتَادًا . فَالْمَحْمَلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ ، وَتَعْدِيدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِجَمْعِ مَا يَغْلِبُ مِنْ مُوجِبَاتِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى . وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ بِقَوْلِهِ آنِفًا ( وَلَا جُنُبًا ) لِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الْأَمْرِ بِالِاغْتِسَالِ ، وَهَذَا ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الْإِذْنِ بِالتَّيَمُّمِ الرُّخْصَةِ ، وَالْمَقَامُ مَقَامُ تَشْرِيعٍ يُنَاسِبُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَجْهٌ لِذِكْرِهِ وَجِيهٌ . وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِ سَبَبِ ثَانٍ مِنْ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ كَبِيرُ أَهَمِّيَّةٍ . وَإِلَى هَذَا مَالَ الْجُمْهُورُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ
مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ الْوُضُوءُ مَنْ لَمْسِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ ، إِلَّا أَنَّ
مَالِكًا قَالَ : إِذَا الْتَذَّ اللَّامِسُ أَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ، وَحَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَعْنَيَيْهَا الْكِنَائِيِّ وَالصَّرِيحِ ، لَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ الِالْتِذَاذِ ، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ ، وَأَرَى
مَالِكًا اعْتَمَدَ فِي هَذَا عَلَى الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَيِمَّةِ السَّلَفِ ، وَلَا أُرَاهُ جَعْلَهُ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( لَامَسْتُمْ ) بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ ; وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ : ( لَمَسْتُمْ ) بِدُونِ أَلِفٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً عَطْفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْمُسَافِرِ ، وَمَنْ جَاءَ مِنَ الْغَائِطِ ، وَمَنْ لَامَسَ النِّسَاءَ ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَتَقَيَّدُ تَيَمُّمُهُ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِدَلَالَةِ مَعْنَى الْمَرَضِ ، فَمَفْهُومُ الْقَيْدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُعَطَّلٌ بِدَلَالَةِ الْمَعْنَى ، وَلَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَرِيضِ الزَّمِنِ ، إِذْ لَا يُعْدَمُ الزَّمِنُ مُنَاوِلًا يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ إِلَّا نَادِرًا .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَتَيَمَّمُوا ) جَوَابُ الشَّرْطِ
nindex.php?page=treesubj&link=25282وَالتَّيَمُّمُ : الْقَصْدُ . وَالصَّعِيدُ : وَجْهُ الْأَرْضِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ خَشْفًا مِنْ بَقْرِ الْوَحْشِ نَائِمًا فِي الشَّمْسِ لَا يَكَادُ يُفِيقُ :
[ ص: 68 ] كَأَنَّهُ بِالضُّحَى تَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ دَبَّابَةٌ فِي عِظَامِ الرَّأْسِ خُرْطُومُ
وَالطَّيِّبُ : الطَّاهِرُ الَّذِي لَمْ تُلَوِّثْهُ نَجَاسَةٌ وَلَا قَذَرٌ ، فَيَشْمَلُ الصَّعِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=342التُّرَابَ nindex.php?page=treesubj&link=350وَالرَّمْلَ nindex.php?page=treesubj&link=346وَالْحِجَارَةَ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّعِيدِ لِيَصْرِفَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ هَوَسِ أَنْ يَتَطَلَّبُوا التُّرَابَ أَوِ الرَّمْلَ مِمَّا تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ غُلُوًّا فِي تَحْقِيقِ طَهَارَتِهِ .
وَقَدْ شُرِعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ أَوْ قُرِّرَ شَرْعُهُ السَّابِقُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَانَ شَرْعُ التَّيَمُّمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32600سَنَةَ سِتٍّ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32600وَسَبَبُ شَرْعِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا : أَلَا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ
عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ . فَجَاءَ
أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ ، فَقَالَ : حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ ؟ فَعَاتَبَنِي
أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعَنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى فَخِذِي ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=168أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ : مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا
آلَ أَبِي بَكْرٍ ، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا . قَالَتْ : فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=32599وَالتَّيَمُّمُ مِنْ خَصَائِصِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341387أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي فَذَكَرَ مِنْهَا وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا .
وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ جَعَلَهُ الشَّرْعُ عَنِ الطَّهَارَةِ ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيَانًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=312حِكْمَةِ جَعْلِ التَّيَمُّمِ عِوَضًا عَنِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ هَمِّي زَمَنًا طَوِيلًا وَقْتَ الطَّلَبِ ثُمَّ انْفَتَحَ لِي حِكْمَةُ ذَلِكَ .
[ ص: 69 ] وَأَحْسَبُ أَنَّ حِكْمَةَ تَشْرِيعِهِ تَقْرِيرُ لُزُومِ الطَّهَارَةِ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَقْرِيرُ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، وَتَرْفِيعُ شَأْنِهَا فِي نُفُوسِهِمْ ، فَلَمْ تُتْرَكْ لَهُمْ حَالَةٌ يَعُدُّونَ فِيهَا أَنْفُسَهُمْ مُصَلِّينَ بِدُونِ طَهَارَةٍ تَعْظِيمًا لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلِذَلِكَ شَرَعَ لَهُمْ عَمَلًا يُشْبِهُ الْإِيمَاءَ إِلَى الطَّهَارَةِ لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْفُسَهُمْ مُتَطَهِّرِينَ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الْيَدَيْنِ صَعِيدَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ الْمَاءِ ، وَلِأَنَّ التُّرَابَ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَطْهِيرِ الْآنِيَةِ وَنَحْوِهَا ، يُنَظِّفُونَ بِهِ مَا عَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْأَقْذَارِ فِي ثِيَابِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَمَاعُونِهِمْ ، وَمَا الِاسْتِجْمَارُ إِلَّا ضَرْبٌ مِنْ ذَلِكَ ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَجْدِيدِ طَلَبِ الْمَاءِ لِفَاقِدِهِ وَتَذْكِيرِهِ بِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ عِنْدَ زَوَالِ مَانِعِهِ ، وَإِذَ قَدْ كَانَ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً رَمْزِيَّةً اقْتَنَعَتِ الشَّرِيعَةُ فِيهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَقْصِدَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَدِمُوا الْمَاءَ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ صَلَّوْا بِدُونِ وُضُوءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ . وَهَذَا مُنْتَهَى مَا عَرَضَ لِي مِنْ حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَالتَّأَمُّلِ فِي حِكْمَةٍ مُقْنِعَةٍ فِي النَّظَرِ ، وَكُنْتُ أَعُدُّ التَّيَمُّمَ هُوَ النَّوْعَ الْوَحِيدَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّعَبُّدِ بِنَوْعِهِ ، وَأَمَّا التَّعَبُّدُ بِبَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْمَقَادِيرِ مِنْ أَنْوَاعِ عِبَادَاتٍ أُخْرَى فَكَثِيرٌ ، مِثْلَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ ، وَكَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ لَمَّا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ خَاصَّةً وَأَنْ يَنْقُلَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْهُ إِلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ، رَاعَى فِيهِ مَعْنَى التَّنْظِيفِ كَمَا فِي الِاسْتِجْمَارِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَا سَبَقَ إِلَى خَاطِرِ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ ، فَقَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341533يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ . وَلِأَجْلِ هَذَا أَيْضًا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ التَّيَمُّمِ ، فَقَالَ
عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=338لَا يَقَعُ التَّيَمُّمُ بَدَلًا إِلَّا عَنِ الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ ، وَأَنَّ الْجُنُبَ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَغْتَسِلَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ أَمْ فِي السَّفَرِ . وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ
أَبُو مُوسَى nindex.php?page=showalam&ids=10لِابْنِ مَسْعُودٍ : أَرَأَيْتَ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ . فَقَالَ
أَبُو مُوسَى : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ
عَمَّارِ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيءُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341534كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا ، فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : أَلَمْ تَرَ
عُمَرَ لَمْ يَقْتَنِعْ مِنْهُ بِذَلِكَ ، قَالَ
أَبُو مُوسَى : فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ
عَمَّارٍ ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَمَا دَرَى
عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ ، فَقَالَ : إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى
[ ص: 70 ] أَحَدِهِمُ الْمَاءَ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ . وَلَا شَكَّ أَنَّ
عُمَرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنَ مَسْعُودٍ ، تَأَوَّلَا آيَةَ النِّسَاءِ فَجَعَلَا قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ رُخْصَةً لِمُرُورِ الْمَسْجِدِ ، وَجَعَلَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ مُرَادًا بِهِ اللَّمْسُ النَّاقِضُ لِلْوُضُوءِ عَلَى نَحْوِ تَأْوِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَخَالَفَ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ
عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذَا ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ : يَتَيَمَّمُ فَاقِدُ الْمَاءِ وَمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ أَوِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَلَوْ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَتَيَمَّمُ إِلَّا فَاقِدُ الْمَاءِ أَوْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ دُونَ الْمَرَضِ أَوْ زِيَادَتِهِ ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْحُصُولِ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفِ الْخَلْقَ بِمَا فِيهِ مَشَقَّةٌ . وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341535تَيَمَّمَ nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَمْرٌو : إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ جَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=321_325_326التَّيَمُّمَ قَاصِرًا عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ، وَأَسْقَطَ مَسْحَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بَلْهَ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَطْهِيرًا حِسِّيًّا ، وَلَا تَجْدِيدَ النَّشَاطِ ، وَلَكِنْ مُجَرَّدَ اسْتِحْضَارِ اسْتِكْمَالِ الْحَالَةِ لِلصَّلَاةِ ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ هَذَا تَيَمُّمٌ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ ، وَأَنَّ التَّيَمُّمَ الْبَدَلَ عَنِ الْغُسْلِ لَا يُجْزِي مِنْهُ إِلَّا مَسْحُ سَائِرِ الْجَسَدِ بِالصَّعِيدِ ، فَعَلَّمَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ مِثْلُ التَّيَمُّمِ لِلْوُضُوءِ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341536كُنْتُ فِي سَفَرٍ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ ( أَيْ تَمَرَّغْتُ ) وَصَلَّيْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيءَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَ : يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا .
وَالْبَاءُ لِلتَّأْكِيدِ ، مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=25وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ وَقَوْلِ
النَّابِغَةِ يَرْثِي
النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ :
لَكَ الْخَيْرُ إِنْ وَارَتْ بِكَ الْأَرْضُ وَاحِدًا وَأَصْبَحَ جَدُّ النَّاسِ يَظْلَعَ عَاثِـرَا
أَرَادَ إِنْ وَارَتْكَ الْأَرْضُ مُوَارَاةَ الدَّفْنِ . وَالْمَعْنَى : فَامْسَحُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْبَاءُ مَعَ الْمَمْسُوحِ فِي الْوُضُوءِ وَمَعَ التَّيَمُّمِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ الْمَسْحِ لِئَلَّا تَزِيدَ رُخْصَةٌ عَلَى رُخْصَةٍ .
[ ص: 71 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا تَذْيِيلٌ لِحُكْمِ الرُّخْصَةِ إِذْ عَفَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْغُسْلَ أَوِ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْمَرَضِ ، وَلَا تَرَقُّبَ وُجُودِ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ ، حَتَّى تَكْثُرَ عَلَيْهِمُ الصَّلَوَاتُ فَيَعْسُرَ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ .