nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=28976_31926قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين .
فصلت هذه الجمل الأربع جريا على طريقة المحاورة كما بيناه سالفا في سورة البقرة . والرجلان هما يوشع وكالب . ووصف الرجلان بأنهم ( من الذين يخافون ) فيجوز أن يكون المراد بالخوف في قوله : " يخافون " الخوف من العدو ; فيكون المراد باسم الموصول بني إسرائيل . جعل تعريفهم بالموصولية للتعريض بهم بمذمة الخوف وعدم الشجاعة ، فيكون ( من ) في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23من الذين يخافون اتصالية وهي التي في نحو قولهم : لست منك ولست مني ، أي ينتسبون إلى الذين يخافون . وليس المعنى أنهم متصفون بالخوف بقرينة أنهم
[ ص: 165 ] حرضوا قومهم على غزو العدو ، وعليه يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أنعم الله عليهما أن الله أنعم عليهما بالشجاعة ، فحذف متعلق فعل ( أنعم ) اكتفاء بدلالة السياق عليه .
ويجوز أن يكون المراد بالخوف الخوف من الله تعالى ، أي كان قولهما لقومهما
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادخلوا عليهم الباب ناشئا عن خوفهما الله تعالى ، فيكون تعريضا بأن الذين عصوهما لا يخافون الله تعالى ، ويكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أنعم الله عليهما استئنافا بيانيا لبيان منشأ خوفهما الله تعالى ، أي الخوف من الله نعمة منه عليهما . وهذا يقتضي أن الشجاعة في نصر الدين نعمة من الله على صاحبها .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أنعم الله عليهما أنعم عليهما بسلب الخوف من نفوسهم وبمعرفة الحقيقة .
و " الباب " يجوز أن يراد به مدخل الأرض المقدسة ، أي المسالك التي يسلك منها إلى
أرض كنعان ، وهو الثغر والمضيق الذي يسلك منه إلى منزل القبيلة يكون بين جبلين وعرين ، إذ ليس في الأرض المأمورين بدخولها مدينة بل أرض لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21ادخلوا الأرض المقدسة ، فأرادا : فإذا اجتزتم الثغر ووطئتم أرض الأعداء غلبتموهم في قتالهم في ديارهم . وقد يسمى الثغر البحري بابا أيضا ، مثل
باب المندب ، وسموا موضعا بجهة بخارى الباب . وحمل المفسرون الباب على المشهور المتعارف ، وهو باب البلد الذي في سوره ، فقالوا : أرادا باب قريتهم ، أي لأن فتح مدينة الأرض يعد ملكا لجميع تلك الأرض . والظاهر أن هذه القرية هي (
أريحا ) أو (
قادش ) حاضرة العمالقة يومئذ ، وهي المذكورة في سورة البقرة . والباب بهذا المعنى هو دفة عظيمة متخذة من ألواح توصل بجزأي جدار أو سور بكيفية تسمح لأن يكون ذلك اللوح سادا لتلك الفرجة متى أريد سدها وبأن تفتح عند إرادة فتحها; فيسمى السد به غلقا وإزالة السد فتحا .
وبعد أن أمرا القوم باتخاذ الأسباب والوسائل أمراهم بالتوكل على الله والاعتماد على وعده ونصره وخبر رسوله ، ولذلك ذيلا بقولهما
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23إن كنتم مؤمنين ، لأن الشك في صدق الرسول مبطل للإيمان .
[ ص: 166 ] وإنما خاطبوا
موسى عقب موعظة الرجلين لهم ، رجوعا إلى إبايتهم الأولى التي شافهوا بها
موسى إذ قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22إن فيها قوما جبارين ، أو لقلة اكتراثهم بكلام الرجلين وأكدوا الامتناع الثاني من الدخول بعد المحاورة أشد توكيد . دل على شدته في العربية ثلاث مؤكدات : إن ، ولن ، وكلمة أبدا .
ومعنى قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فاذهب أنت وربك فقاتلا إن كان خطابا
لموسى أنهم طلبوا منه معجزة كما تعودوا من النصر فطلبوا أن يهلك الله الجبارين بدعوة
موسى .
وقيل : أرادوا بهذا الكلام الاستخفاف
بموسى ، وهذا بعيد ، لأنهم ما كانوا يشكون في رسالته ، ولو أرادوا الاستخفاف لكفروا وليس في كلام
موسى الواقع جوابا عن مقالتهم هذه إلا وصفهم بالفاسقين . والفسق يطلق على المعصية الكبيرة ، فإن عصيان أمر الله في الجهاد كبيرة ، ولذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فلا تأس على القوم الفاسقين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : أتى
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد بن الأسود النبيء وهو يدعو على المشركين يوم
بدر فقال : يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون الحديث .
فلا تظنن من ذلك أن هذه الآية كانت مقروءة بينهم يوم
بدر ، لأن سورة المائدة من آخر ما نزل ، وإنما تكلم
المقداد بخبر كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحدثهم به عن بني إسرائيل ، ثم نزلت في هذه الآية بذلك اللفظ .
قال أي
موسى ، مناجيا ربه أو بمسمع منهم ليوقفهم على عدم امتثالهم أمر ربهم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ، يجوز أن يكون المعنى لا أقدر إلا على نفسي وأخي ، وإنما لم يعد الرجلين اللذين قالا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادخلوا عليهم الباب ، لأنه خشي أن يستهويهما قومهما . والذي في كتب
اليهود أن
هارون كان قد توفي قبل هذه الحادثة . ويجوز أن يريد بأخيه
يوشع بن نون لأنه كان
[ ص: 167 ] ملازمه في شئونه ، وسماه الله فتاه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=60وإذ قال موسى لفتاه الآية . وعطفه هنا على نفسه لأنه كان محرضا للقوم على دخول القرية .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أن لا تؤاخذنا بجرمهم ، لأنه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النجاة ، ولا يصح أن يريد الفرق بينهم في الآخرة ، لأنه معلوم أن الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم ، ولأن براءة
موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله ، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضالين على غلطهم .
وقول الله تعالى له
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فإنها محرمة عليهم أربعين سنة إلخ جواب عن قول
موسى nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ، وهو جواب جامع لجميع ما تضمنه كلام
موسى : لأن الله أعلم
موسى بالعقاب الذي يصيب به الذين عصوا أمره ، فسكن هاجس خوفه أن يصيبهم عذاب يعم الجميع ، وحصل العقاب لهم على العصيان انتصارا
لموسى . فإن قلت : هذا العقاب قد نال
موسى منه ما نال قومه ، فإنه بقي معهم في التيه حتى توفي . قلت : كان ذلك هينا على
موسى لأن بقاءه معهم لإرشادهم وصلاحهم وهو خصيصة رسالته ، فالتعب في ذلك يزيده رفع درجة ، أما هم فكانوا في مشقة .
يتيهون يضلون ، ومصدره التيه بفتح التاء وسكون الياء والتيه بكسر التاء وسكون التحتية . وسميت المفازة تيهاء وسميت تيها . وقد بقي
بنو إسرائيل مقيمين في جهات ضيقة ويسيرون الهوينا على طريق غير منتظم حتى بلغوا جبل (
نيبو ) على مقربة من نهر (
الأردن ) ، فهنالك توفي
موسى عليه السلام وهنالك دفن . ولا يعرف موضع قبره كما في نص كتاب
اليهود . وما دخلوا الأرض المقدسة حتى عبروا
الأردن بقيادة
يوشع بن نون خليفة
موسى . وقد استثناه الله تعالى هو
وكالب بن يفنة ، لأنهما لم يقولا : لن ندخلها . وأما بقية الرواد الذين أرسلهم
موسى لاختبار الأرض فوافقوا قومهم في الامتناع من دخولها .
[ ص: 168 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فلا تأس على القوم الفاسقين تفريع على الإخبار بهذا العقاب ، لأنه علم أن
موسى يحزنه ذلك ، فنهاه عن الحزن لأنهم لا يستأهلون الحزن لأجلهم لفسقهم . والأسى : الحزن ، يقال أسي كفرح إذا حزن .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=28976_31926قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
فُصِّلَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ الْأَرْبَعُ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَالِفًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَالرَّجُلَانِ هُمَا يُوشَعُ وَكَالِبٌ . وَوُصِفَ الرَّجُلَانِ بِأَنَّهُمْ ( مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ فِي قَوْلِهِ : " يَخَافُونَ " الْخَوْفَ مِنَ الْعَدُوِّ ; فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ . جَعَلَ تَعْرِيفَهُمْ بِالْمَوْصُولِيَّةِ لِلتَّعْرِيضِ بِهِمْ بِمَذَمَّةِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ الشَّجَاعَةِ ، فَيَكُونُ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اتِّصَالِيَّةً وَهِيَ الَّتِي فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ : لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي ، أَيْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الَّذِينَ يَخَافُونَ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِالْخَوْفِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُمْ
[ ص: 165 ] حَرَّضُوا قَوْمَهُمْ عَلَى غَزْوِ الْعَدُوِّ ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِالشَّجَاعَةِ ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ فِعْلِ ( أَنْعَمَ ) اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَيْ كَانَ قَوْلُهُمَا لِقَوْمِهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ نَاشِئًا عَنْ خَوْفِهِمَا اللَّهَ تَعَالَى ، فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِأَنَّ الَّذِينَ عَصَوْهُمَا لَا يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ مَنْشَأِ خَوْفِهِمَا اللَّهَ تَعَالَى ، أَيِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِمَا . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّجَاعَةَ فِي نَصْرِ الدِّينِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى صَاحِبِهَا .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِسَلْبِ الْخَوْفِ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَبِمَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ .
وَ " الْبَابَ " يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَدْخَلُ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، أَيِ الْمَسَالِكُ الَّتِي يُسْلَكُ مِنْهَا إِلَى
أَرْضِ كَنْعَانَ ، وَهُوَ الثَّغْرُ وَالْمَضِيقُ الَّذِي يُسْلَكُ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلِ الْقَبِيلَةِ يَكُونُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَعْرَيْنِ ، إِذْ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ الْمَأْمُورِينَ بِدُخُولِهَا مَدِينَةٌ بَلْ أَرْضٌ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، فَأَرَادَا : فَإِذَا اجْتَزْتُمُ الثَّغْرَ وَوَطِئْتُمْ أَرْضَ الْأَعْدَاءِ غَلَبْتُمُوهُمْ فِي قِتَالِهِمْ فِي دِيَارِهِمْ . وَقَدْ يُسَمَّى الثَّغْرُ الْبَحْرِيُّ بَابًا أَيْضًا ، مِثْلَ
بَابِ الْمَنْدَبِ ، وَسَمَّوْا مَوْضِعًا بِجِهَةِ بُخَارَى الْبَابَ . وَحَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ الْبَابَ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ بَابُ الْبَلَدِ الَّذِي فِي سُورِهِ ، فَقَالُوا : أَرَادَا بَابَ قَرْيَتِهِمْ ، أَيْ لِأَنَّ فَتْحَ مَدِينَةِ الْأَرْضِ يُعَدُّ مِلْكًا لِجَمِيعِ تِلْكَ الْأَرْضِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَرْيَةَ هِيَ (
أَرِيحَا ) أَوْ (
قَادِشُ ) حَاضِرَةُ الْعَمَالِقَةِ يَوْمَئِذٍ ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَالْبَابُ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ دَفَّةٌ عَظِيمَةٌ مُتَّخَذَةٌ مِنْ أَلْوَاحٍ تُوَصَّلُ بِجُزْأَيْ جِدَارٍ أَوْ سُورٍ بِكَيْفِيَّةٍ تَسْمَحُ لِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّوْحُ سَادًّا لِتِلْكَ الْفُرْجَةِ مَتَى أُرِيدَ سَدُّهَا وَبِأَنْ تُفْتَحَ عِنْدَ إِرَادَةِ فَتْحِهَا; فَيُسَمَّى السَّدُّ بِهِ غَلْقًا وَإِزَالَةُ السَّدِّ فَتْحًا .
وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَا الْقَوْمَ بِاتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ أَمَرَاهُمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى وَعْدِهِ وَنَصْرِهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ ، وَلِذَلِكَ ذَيَّلَا بِقَوْلِهِمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، لِأَنَّ الشَّكَّ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ مُبْطِلٌ لِلْإِيمَانِ .
[ ص: 166 ] وَإِنَّمَا خَاطَبُوا
مُوسَى عَقِبَ مَوْعِظَةِ الرَّجُلَيْنِ لَهُمْ ، رُجُوعًا إِلَى إِبَايَتِهِمُ الْأُولَى الَّتِي شَافَهُوا بِهَا
مُوسَى إِذْ قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ، أَوْ لِقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ بِكَلَامِ الرَّجُلَيْنِ وَأَكَّدُوا الِامْتِنَاعَ الثَّانِيَ مِنَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْمُحَاوَرَةِ أَشَدَّ تَوْكِيدٍ . دَلَّ عَلَى شِدَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ ثَلَاثُ مُؤَكِّدَاتٍ : إِنَّ ، وَلَنْ ، وَكَلِمَةُ أَبَدًا .
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنْ كَانَ خِطَابًا
لِمُوسَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ مُعْجِزَةً كَمَا تَعَوَّدُوا مِنَ النَّصْرِ فَطَلَبُوا أَنْ يُهْلِكَ اللَّهُ الْجَبَّارِينَ بِدَعْوَةِ
مُوسَى .
وَقِيلَ : أَرَادُوا بِهَذَا الْكَلَامِ الِاسْتِخْفَافَ
بِمُوسَى ، وَهَذَا بِعِيدٌ ، لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَشُكُّونَ فِي رِسَالَتِهِ ، وَلَوْ أَرَادُوا الِاسْتِخْفَافَ لَكَفَرُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ
مُوسَى الْوَاقِعِ جَوَابًا عَنْ مَقَالَتِهِمْ هَذِهِ إِلَّا وَصْفُهُمْ بِالْفَاسِقِينَ . وَالْفِسْقُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ ، فَإِنَّ عِصْيَانَ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ كَبِيرَةٌ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَتَى
nindex.php?page=showalam&ids=53الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ النَّبِيءَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ الْحَدِيثَ .
فَلَا تَظُنَّنَّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَتْ مَقْرُوءَةً بَيْنَهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ ، لِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ
الْمِقْدَادُ بِخَبَرٍ كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحَدِّثُهُمْ بِهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ .
قَالَ أَيْ
مُوسَى ، مُنَاجِيًا رَبَّهُ أَوْ بِمَسْمَعٍ مِنْهُمْ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى عَدَمِ امْتِثَالِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا أَقْدِرُ إِلَّا عَلَى نَفْسِي وَأَخِي ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَسْتَهْوِيَهُمَا قَوْمُهُمَا . وَالَّذِي فِي كُتُبِ
الْيَهُودِ أَنَّ
هَارُونَ كَانَ قَدْ تُوَفِّيَ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ . وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِأَخِيهِ
يُوشَعَ بْنَ نُونٍ لِأَنَّهُ كَانَ
[ ص: 167 ] مُلَازِمَهُ فِي شُئُونِهِ ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ فَتَاهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=60وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ الْآيَةَ . وَعَطَفَهُ هُنَا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحَرِّضًا لِلْقَوْمِ عَلَى دُخُولِ الْقَرْيَةِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ أَنْ لَا تُؤَاخِذَنَا بِجُرْمِهِمْ ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا فَيُهْلِكَ الْجَمِيعَ فَطَلَبَ النَّجَاةَ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ الْبَرِيءَ بِذَنْبِ الْمُجْرِمِ ، وَلِأَنَّ بَرَاءَةَ
مُوسَى وَأَخِيهِ مِنَ الرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ قَوْمُهُمْ أَمْرٌ يَعْلَمُهُ اللَّهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَإِيقَافُ الضَّالِّينَ عَلَى غَلَطِهِمْ .
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ
مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، وَهُوَ جَوَابٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ
مُوسَى : لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ
مُوسَى بِالْعِقَابِ الَّذِي يُصِيبُ بِهِ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْرَهُ ، فَسَكَّنَ هَاجِسَ خَوْفِهِ أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ يَعُمُّ الْجَمِيعَ ، وَحَصَلَ الْعِقَابُ لَهُمْ عَلَى الْعِصْيَانِ انْتِصَارًا
لِمُوسَى . فَإِنْ قُلْتَ : هَذَا الْعِقَابُ قَدْ نَالَ
مُوسَى مِنْهُ مَا نَالَ قَوْمَهُ ، فَإِنَّهُ بَقِيَ مَعَهُمْ فِي التِّيهِ حَتَّى تُوُفِّيَ . قُلْتُ : كَانَ ذَلِكَ هَيِّنًا عَلَى
مُوسَى لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَعَهُمْ لِإِرْشَادِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ وَهُوَ خِصِّيصَةُ رِسَالَتِهِ ، فَالتَّعَبُ فِي ذَلِكَ يَزِيدُهُ رَفْعَ دَرَجَةٍ ، أَمَّا هُمْ فَكَانُوا فِي مَشَقَّةٍ .
يَتِيهُونَ يَضِلُّونَ ، وَمَصْدَرُهُ التَّيْهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَالتِّيهُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ . وَسُمِّيَتِ الْمَفَازَةُ تَيْهَاءَ وَسُمِّيَتْ تِيهًا . وَقَدْ بَقِيَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مُقِيمِينَ فِي جِهَاتٍ ضَيِّقَةٍ وَيَسِيرُونَ الْهُوَيْنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ مُنْتَظِمٍ حَتَّى بَلَغُوا جَبَلَ (
نِيبُو ) عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ نَهْرِ (
الْأُرْدُنِّ ) ، فَهُنَالِكَ تُوُفِّيَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُنَالِكَ دُفِنَ . وَلَا يُعْرَفُ مَوْضِعُ قَبْرِهِ كَمَا فِي نَصِّ كِتَابِ
الْيَهُودِ . وَمَا دَخَلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ حَتَّى عَبَرُوا
الْأُرْدُنَّ بِقِيَادَةِ
يُوشَعَ بْنِ نُونٍ خَلِيفَةِ
مُوسَى . وَقَدِ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ
وَكَالِبَ بْنَ يَفْنَةَ ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا : لَنْ نَدْخُلَهَا . وَأَمَّا بَقِيَّةُ الرُّوَّادِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ
مُوسَى لِاخْتِبَارِ الْأَرْضِ فَوَافَقُوا قَوْمَهُمْ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ دُخُولِهَا .
[ ص: 168 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهَذَا الْعِقَابِ ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ
مُوسَى يُحْزِنُهُ ذَلِكَ ، فَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَأْهِلُونَ الْحُزْنَ لِأَجْلِهِمْ لِفِسْقِهِمْ . وَالْأَسَى : الْحُزْنُ ، يُقَالُ أَسِيَ كَفَرِحَ إِذَا حَزِنَ .