[ ص: 209 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة ) ، هذا أمر معطوف على أمر في المعنى ، وهو : ولا تتخذوا آيات لله هزوا ، والنعمة هنا ليست التاء فيها للوحدة ، ولكنها بني عليها المصدر ، ويريد : النعم الظاهرة والباطنة ، وأجلها ما أنعم به من الإسلام ونبوة
محمد - عليه الصلاة والسلام - و " ما أنزل عليكم " معطوف على نعمة ، وهو تخصيص بعد تعميم ؛ إذ ما أنزل هو من النعمة ، وهذا قد ذكرنا أنه يسمى التجريد ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وجبريل وميكال ) بعد ذكر الملائكة ، وتقدم القول فيه ، وأتى بـ " عليكم " تنبيها للمأمورين وتشريفا لهم ؛ إذ في الحقيقة ما أنزل إلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنه لما كنا مخاطبين بأحكامه ومكلفين باتباعه ؛ صار كأنه نزل علينا . و " الكتاب " القرآن ، و " الحكمة " هي السنة التي بها كمال الأحكام التي لم يتضمنها القرآن ، والمبينة ما فيه من الإجمال . ودل هذا على أن السنة أنزلها الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى ) . قيل : وفي ظاهره رد على من زعم أن له الحكم بالاجتهاد ؛ لأن ما يحكم به من السنة ينزل من الله عليه ؛ فلا اجتهاد ، وذكر النعم لا يراد به سردها على اللسان ، وإنما المراد بالذكر الشكر عليها ؛ لأن ذكر المسلم النعمة سبب لشكرها ، فعبر بالسبب عن المسبب ، فإن أريد بالنعمة المنعم به فيكون " عليكم " في موضع الحال ؛ فيتعلق بمحذوف ، أي : كائنة عليكم ، ويكون في ذلك تنبيه على أن نعمته تعالى منسحبة علينا ، قد استعلت وتجللت وصارت كالظلة لنا . وإن أريد بالنعمة الإنعام فيكون " عليكم " متعلقا بلفظ النعمة ، ويكون إذ ذاك مصدرا من " أنعم " على غير قياس ، كنبات من أنبت . و " عليكم " الثانية متعلقة بـ " أنزل " ، و " من " في موضع الحال ، أي : كائنا من الكتاب ، ويكون حالا من ما أنزل أو من الضمير العائد على الموصول المحذوف ؛ إذ تقديره : وما أنزل عليكم . ومن أثبت لـ " من " معنى البيان للجنس جوز ذلك هنا ، كأنه قيل : وما أنزله عليكم الذي هو الكتاب والسنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231يعظكم به ) : يذكركم به ، والضمير عائد على " ما " من قوله : " وما أنزل " ، وهي جملة حالية من الفاعل المستكن في " أنزل " ، والعامل فيها " أنزل " ، وجوزوا في " ما " من قوله : " وما أنزل " أن يكون مبتدأ . و " يعظكم " جملة في موضع الخبر ، كأنه قيل : والمنزله الله من الكتاب والحكمة يعظكم به ، وعطفه على النعمة أظهر . ( واتقوا الله ) ، لما كان تعالى قد ذكر أوامر ونواهي ، وذلك بسبب النساء اللاتي هن مظنة الإهمال وعدم الرعاية ؛ أمر الله تعالى بالتقوى ، وهي التي بحصولها يحصل الفلاح في الدنيا والآخرة ، ثم عطف عليها ما يؤكد طلبها وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) ، والمعنى : بطلب العلم الديمومة عليه ؛ إذ هم عالمون بذلك ، وفي ذلك تنبيه على أنه يعلم نياتكم في المضارة والاعتداء ، فلا تلبسوا على أنفسكم . وكرر اسم الله في قوله تعالى : ( واتقوا الله ) ، ( واعلموا أن الله ) لكونه من جملتين ؛ فتكريره أفخم ، وترديده في النفوس أعظم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232nindex.php?page=treesubj&link=28973وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
والضحاك : نزلت في كل من منع امرأة من نسائه عن النكاح بغيره إذا طلقها ، وقيل : نزلت في
ابنة عم جابر بن عبد الله ، طلقها زوجها ، وانقضت عدتها فأراد رجعتها ، فأتى
جابر وقال : طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها ؟ وكانت المرأة تريد زوجها ؛ فنزلت . وقيل : في
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار ، وأخته جمل ، وزوجها
أبي الوليد عاصم بن عدي بن العجلان ، جرى لهم ما جرى
لجابر في قصته ، ذكر معناه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . فعلى السبب الأول يكون المخاطبون هم الأزواج ، وعلى هذا السبب الأولياء ، وفيه بعد ؛ لأن نسبة الطلاق إليهم هو مجاز بعيد ، وهو أن تكون الأولياء قد تسببوا في الطلاق حتى وقع ، فنسب إليهم الطلاق بهذا الاعتبار ، ويبعد جدا أن يكون الخطاب في : ( وإذا طلقتم ) للأزواج ، وفي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن ) للأولياء ؛ لتنافي التخاطب ، ولتنافر الشرط والجزاء ، فالأولى - والذي يناسبه سياق الكلام - أن الخطاب في الشرط
[ ص: 210 ] والجزاء للأزواج ؛ لأن الخطاب من أول الآيات هو مع الأزواج ، ولم يجر للأولياء ذكر ؛ ولأن الآية قبل هذه خطاب مع الأزواج في كيفية معاملة النساء قبل انقضاء العدة ، وهذه الآية خطاب لهم في كيفية معاملتهم معهن بعد انقضاء العدة ، ويكون الأزواج المطلقون قد انتهوا عن العضل ؛ إذ كانوا يفعلون ذلك ظلما وقهرا وحمية الجاهلية ، لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج ، وعلى هذا يكون معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أن ينكحن أزواجهن ) أي : من يردن أن يتزوجنه ، فسموا أزواجا باعتبار ما يؤولون إليه ، وعلى القول بأن الخطاب للأولياء يكون أزواجهن هم المطلقون ، سموا أزواجا باعتبار ما كانوا عليه ، وإن لم يكونوا بعد انقضاء العدة أزواجا حقيقة . وجهات العضل من الزوج متعددة : بأن يجحد الطلاق ، أو يدعي رجعة في العدة ، أو يتوعد من يتزوجها ، أو يسيء القول فيها لينفر الناس عنها ؛ فنهوا عن العضل مطلقا بأي سبب كان مما ذكرناه ومن غيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والوجه أن يكون خطابا للناس ، أي : لا يوجد فيما بينكم عضل ؛ لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين . وصدر بما يقارب هذا المعنى كلامه
ابن عطية ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ) ، الآية خطاب للمؤمنين الذين هم الأزواج ، ومنهم الأولياء ؛ لأنهم المراد في تعضلوهن . انتهى كلامه . وهذا التوجيه يؤول إلى أن الخطاب في " طلقتم " للأزواج ، وفي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن ) للأولياء ، وقد بينا ما فيه من التنافر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أن ينكحن أزواجهن ) ، هو في موضع نصب على البدل من الضمير ، بدل اشتمال ، أو على أن أصله : من أن ينكحن ، وينكحن مضارع نكح الثلاثي ، وفيه دلالة على أن للمرأة أن تنكح بغير ولي ؛ لأنه لو كان له حق لما نهي عنه ؛ فلا يستدل بالنهي على إثبات الحق ، وظاهره العقد . وظاهر الآية إذا كان الخطاب في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن ) للأولياء النهي عن مطلق العضل ؛ فيتحقق بعضلها عن خاطب واحد ، وقال
مالك : إذا منعها من خاطب أو خاطبين لا يكون بذلك عاضلا . وقال
أبو حنيفة : الثيب تزوج نفسها وتستوفي المهر ، ولا اعتراض للولي عليها ، وهو قول
زفر . وإن كان غير كفء جاز ، وللأولياء أن يفرقوا بينهما . وعلى جواز
nindex.php?page=treesubj&link=11013النكاح بغير ولي :
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
وقتادة . وقال
أبو يوسف : إن سلم الولي نكاحها جاز وإلا فلا ، إلا إن كان كفؤا فيجيزه القاضي إن أبى الولي أن يسلم ، وهو قول
محمد . وروي عن
أبي يوسف غير هذا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : إذا ولت أمرها رجلا ، وكان الزوج كفؤا ؛ فالنكاح جائز وليس للولي أن يفرق بينهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح : لا يجوز النكاح إلا بولي ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
الليث : تزوج نفسها بغير ولي . وقال
ابن القاسم عن
مالك : إذا كانت معتقة ، أو مسكينة ، أو دنيئة ؛ فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ، وللأولياء فسخ ذلك قبل الدخول ، وعنه خلاف بعد الدخول ، وإن كانت ذات غنى فلا يجوز أن يزوجها إلا الولي أو السلطان ، وحجج هذه المذاهب في كتب الفقه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إذا تراضوا ) ، الضمير عائد على الخطاب والنساء ، وغلب المذكر ؛ فجاء الضمير بالواو ، ومن جعل للأولياء ذكرا في الآية قالوا : احتمل أن يعود على الأولياء والأزواج . والعامل في " إذا " ينكحن . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232بينهم بالمعروف ) ، الضمير في " بينهم " ظرف مجازي ناصبه (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232تراضوا ) ، ( بالمعروف ) : ظاهره أنه متعلق بتراضوا ، وفسر بأنه ما يحسن من الدين والمروءة في الشرائط ، وقيل : مهر المثل ، وقيل : المهر والإشهاد . ويجوز أن يتعلق ( بالمعروف ) بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232ينكحن ) لا بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232تراضوا ) ، ولا يعتقد أن ذلك من الفصل بين العامل والمعمول الذي لا ينتفي ، بل هو من الفصل الفصيح ؛ لأنه فصل بمعمول الفعل ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إذا تراضوا ) ، فإذا منصوب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أن ينكحن ) ، و ( بالمعروف ) متعلق به ؛ فكلاهما معمول للفعل . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) ، " ذلك " : خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : لكل سامع ، ثم رجع إلى
[ ص: 211 ] خطاب الجماعة فقال : منكم ، وقيل : ذلك بمعنى : ذلكم ، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل ، و " ذلك " : للبعد ، ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب ، وهو : هذا ، وإن كان الحكم قريبا ذكره في الآية ، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء ، ومعنى ( يوعظ به ) أي : يذكر به ، ويخوف . و " منكم " متعلق بكان ، أو بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في " يؤمن " ، وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده ، الناهي لهم والآمر . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36اليوم الآخر ) لأنه هو الذي يحصل به التخويف ، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي ، وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلا المؤمن ؛ إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36إنما يستجيب الذين يسمعون ) ، وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إنما يتذكر أولو الألباب ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232ذلكم أزكى لكم وأطهر ) ، أي : التمكن من النكاح أزكى لمن هو بصدد العضل لما له في امتثال أمر الله من الثواب ، وأطهر للزوجين لما يخشى عليهما من الريبة إذا منعا من النكاح ، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ، أي : يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كل منهما للآخر ؛ لذلك نهى تعالى عن العضل ، قال معناه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . أو يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب . أو يعلم بواطن الأمور ومآلها ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، إنما تعلمون ما ظهر . أو يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها . ويكون المقصود بذلك : تقرير الوعد والوعيد . قيل : وتضمنت هذه الآية ستة أنواع من ضروب الفصاحة والبلاغة من علم البيان : الأول : الطباق ، وهو الطلاق والإمساك ، فإنهما ضدان ، والتسريح طباق ثان لأنه ضد الإمساك ، والعلم وعدم العلم ، لأن عدم العلم هو الجهل . الثاني : المقابلة في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231فأمسكوهن بمعروف ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231ولا تمسكوهن ضرارا ) قابل المعروف بالضرار ، والضرار منكر ، فهذه مقابلة معنوية . الثالث : التكرار في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فبلغن أجلهن ) ، كرر اللفظ لتغيير المعنيين ، وهو غاية الفصاحة ؛ إذ اختلاف معنى الاثنين دليل على اختلاف البلوغين . الرابع : الالتفات في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) ، ثم التفت إلى الأولياء فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن ) ، وفي الآية - في قوله : ذلك - إذا كان خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم التفت إلى الجمع في قوله " منكم " . الخامس : التقديم والتأخير ، التقدير : أن ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا تراضوا . السادس : مخاطبة الواحد بلفظ الجمع ؛ لأنه ذكر في أسباب النزول أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=249معقل بن يسار ، أو في أخت جابر ، وقيل " ابنته " .
[ ص: 209 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ) ، هَذَا أَمْرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَعْنَى ، وَهُوَ : وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتٍ لِلَّهِ هُزُوًا ، وَالنِّعْمَةُ هُنَا لَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ ، وَلَكِنَّهَا بُنِيَ عَلَيْهَا الْمَصْدَرُ ، وَيُرِيدُ : النِّعَمَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ ، وَأَجَلُّهَا مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - عِلْيَهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَ " مَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ " مَعْطُوفٌ عَلَى نِعْمَةٍ ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ ؛ إِذْ مَا أَنْزَلَ هُوَ مِنَ النِّعْمَةِ ، وَهَذَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسَمَّى التَّجْرِيدُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) بَعْدَ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ ، وَأَتَى بِـ " عَلَيْكُمْ " تَنْبِيهًا لِلْمَأْمُورِينَ وَتَشْرِيفًا لَهُمْ ؛ إِذْ فِي الْحَقِيقَةِ مَا أَنْزَلَ إِلَّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمَّا كُنَّا مُخَاطَبِينَ بِأَحْكَامِهِ وَمُكَلَّفِينَ بِاتِّبَاعِهِ ؛ صَارَ كَأَنَّهُ نَزَّلَ عَلَيْنَا . وَ " الْكِتَابَ " الْقُرْآنُ ، وَ " الْحِكْمَةَ " هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي بِهَا كَمَالُ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَتَضَمَّنْهَا الْقُرْآنُ ، وَالْمُبَيِّنَةُ مَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ . وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) . قِيلَ : وَفِي ظَاهِرِهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنَ السُّنَّةِ يَنْزِلُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ ؛ فَلَا اجْتِهَادَ ، وَذِكْرُ النِّعَمِ لَا يُرَادُ بِهِ سَرْدُهَا عَلَى اللِّسَانِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الشُّكْرُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْلِمِ النِّعْمَةَ سَبَبٌ لِشُكْرِهَا ، فَعَبَّرَ بِالسَّبَبِ عَنِ الْمُسَبَّبِ ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّعْمَةِ الْمُنْعَمِ بِهِ فَيَكُونُ " عَلَيْكُمْ " فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ؛ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، أَيْ : كَائِنَةٌ عَلَيْكُمْ ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ نِعْمَتَهُ تَعَالَى مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْنَا ، قَدِ اسْتَعْلَتْ وَتَجَلَّلَتْ وَصَارَتْ كَالظُّلَّةِ لَنَا . وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ فَيَكُونُ " عَلَيْكُمْ " مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ النِّعْمَةِ ، وَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَصْدَرًا مِنْ " أَنْعَمَ " عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، كَنَبَاتٍ مِنْ أَنْبَتَ . وَ " عَلَيْكُمُ " الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ " أَنْزَلَ " ، وَ " مِنْ " فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ : كَائِنًا مِنَ الْكِتَابِ ، وَيَكُونُ حَالًا مِنْ مَا أَنْزَلَ أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَوْصُولِ الْمَحْذُوفِ ؛ إِذْ تَقْدِيرُهُ : وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ . وَمَنْ أَثْبَتَ لِـ " مِنْ " مَعْنَى الْبَيَانِ لِلْجِنْسِ جَوَّزَ ذَلِكَ هُنَا ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْكُمُ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231يَعِظُكُمْ بِهِ ) : يُذَكِّرُكُمْ بِهِ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى " مَا " مِنْ قَوْلِهِ : " وَمَا أَنْزَلَ " ، وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ فِي " أَنْزَلَ " ، وَالْعَامِلُ فِيهَا " أَنْزَلَ " ، وَجَوَّزُوا فِي " مَا " مِنْ قَوْلِهِ : " وَمَا أَنْزَلَ " أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً . وَ " يَعِظُكُمْ " جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَالْمُنَزِّلُهُ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ، وَعَطْفُهُ عَلَى النِّعْمَةِ أَظْهَرُ . ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) ، لَمَّا كَانَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ اللَّاتِي هُنَّ مَظِنَّةُ الْإِهْمَالِ وَعَدَمِ الرِّعَايَةِ ؛ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْوَى ، وَهِيَ الَّتِي بِحُصُولِهَا يَحْصُلُ الْفَلَاحُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُ طَلَبَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ، وَالْمَعْنَى : بِطَلَبِ الْعِلْمِ الدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ ؛ إِذْ هُمْ عَالِمُونَ بِذَلِكَ ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ نِيَّاتِكُمْ فِي الْمُضَارَّةِ وَالِاعْتِدَاءِ ، فَلَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ . وَكَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) ، ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ ) لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَتَيْنِ ؛ فَتَكْرِيرُهُ أَفْخَمُ ، وَتَرْدِيدُهُ فِي النُّفُوسِ أَعْظَمُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232nindex.php?page=treesubj&link=28973وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
وَالضَّحَّاكُ : نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ مَنَعَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ عَنِ النِّكَاحِ بِغَيْرِهِ إِذَا طَلَّقَهَا ، وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي
ابْنَةِ عَمِّ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ رَجْعَتَهَا ، فَأَتَى
جَابِرٌ وَقَالَ : طَلَّقْتَ ابْنَةَ عَمِّنَا ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَهَا ؟ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ زَوْجَهَا ؛ فَنَزَلَتْ . وَقِيلَ : فِي
nindex.php?page=showalam&ids=249مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، وَأُخْتِهِ جُمْلٍ ، وَزَوْجِهَا
أَبِي الْوَلِيدِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْعَجْلَانِ ، جَرَى لَهُمْ مَا جَرَى
لِجَابِرٍ فِي قِصَّتِهِ ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ . فَعَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُخَاطَبُونَ هُمُ الْأَزْوَاجُ ، وَعَلَى هَذَا السَّبَبِ الْأَوْلِيَاءُ ، وَفِيهِ بُعْدٌ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الطَّلَاقِ إِلَيْهِمْ هُوَ مَجَازٌ بَعِيدٌ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأَوْلِيَاءُ قَدْ تَسَبَّبُوا فِي الطَّلَاقِ حَتَّى وَقَعَ ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمُ الطَّلَاقُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ) لِلْأَزْوَاجِ ، وَفِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) لِلْأَوْلِيَاءِ ؛ لِتَنَافِي التَّخَاطُبِ ، وَلِتَنَافُرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، فَالْأَوْلَى - وَالَّذِي يُنَاسِبُهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ - أَنَّ الْخِطَابَ فِي الشَّرْطِ
[ ص: 210 ] وَالْجَزَاءِ لِلْأَزْوَاجِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْ أَوَّلِ الْآيَاتِ هُوَ مَعَ الْأَزْوَاجِ ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْرٌ ؛ وَلِأَنَّ الْآيَةَ قَبْلَ هَذِهِ خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ فِي كَيْفِيَّةِ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَيَكُونُ الْأَزْوَاجُ الْمُطَلِّقُونَ قَدِ انْتَهَوْا عَنِ الْعَضْلِ ؛ إِذْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَقَهْرًا وَحَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ يَتَزَوَّجْنَ مَنْ شِئْنَ مِنَ الْأَزْوَاجِ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) أَيْ : مَنْ يُرِدْنَ أَنْ يَتَزَوَّجْنَهُ ، فَسُمُّوا أَزْوَاجًا بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُونَ إِلَيْهِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْلِيَاءِ يَكُونُ أَزْوَاجُهُنَّ هُمُ الْمُطَلِّقُونَ ، سُمُّوا أَزْوَاجًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَزْوَاجًا حَقِيقَةً . وَجِهَاتُ الْعَضْلِ مِنَ الزَّوْجِ مُتَعَدِّدَةٌ : بِأَنْ يَجْحَدَ الطَّلَاقَ ، أَوْ يَدَّعِيَ رَجْعَةً فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ يَتَوَعَّدَ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا ، أَوْ يُسِيءَ الْقَوْلَ فِيهَا لِيُنَفِّرَ النَّاسَ عَنْهَا ؛ فَنُهُوا عَنِ الْعَضْلِ مُطْلَقًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْ غَيْرِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّاسِ ، أَيْ : لَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَكُمْ عَضْلٌ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ رَاضُونَ كَانُوا فِي حُكْمِ الْعَاضِلِينَ . وَصَدَّرَ بِمَا يُقَارِبُ هَذَا الْمَعْنَى كَلَامَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) ، الْآيَةَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمُ الْأَزْوَاجُ ، وَمِنْهُمُ الْأَوْلِيَاءُ ؛ لِأَنَّهُمُ الْمُرَادُ فِي تَعْضُلُوهُنَّ . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَهَذَا التَّوْجِيهُ يَؤُولُ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي " طَلَّقْتُمْ " لِلْأَزْوَاجِ ، وَفِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنَ التَّنَافُرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) ، هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ ، بَدَلِ اشْتِمَالٍ ، أَوْ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ : مِنْ أَنْ يَنْكِحْنَ ، وَيَنْكِحْنَ مُضَارِعُ نَكَحَ الثُّلَاثِيِّ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْكِحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ لَمَا نُهِيَ عَنْهُ ؛ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِالنَّهْيِ عَلَى إِثْبَاتِ الْحَقِّ ، وَظَاهِرُهُ الْعَقْدُ . وَظَاهِرُ الْآيَةِ إِذَا كَانَ الْخِطَابُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) لِلْأَوْلِيَاءِ النَّهْيَ عَنْ مُطْلَقِ الْعَضْلِ ؛ فَيَتَحَقَّقُ بِعَضْلِهَا عَنْ خَاطِبٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ
مَالِكٌ : إِذَا مَنَعَهَا مِنْ خَاطِبٍ أَوْ خَاطِبَيْنِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ عَاضِلًا . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الثَّيِّبُ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَتَسْتَوْفِي الْمَهْرَ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهَا ، وَهُوَ قَوْلُ
زُفَرَ . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ جَازَ ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا . وَعَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=11013النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ :
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنُ سِيرِينَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
وَقَتَادَةُ . وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : إِنْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، إِلَّا إِنْ كَانَ كُفُؤًا فَيُجِيزُهُ الْقَاضِي إِنْ أَبَى الْوَلِيُّ أَنْ يُسَلِّمَ ، وَهُوَ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ . وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ هَذَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ : إِذَا وَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا ، وَكَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا ؛ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنُ أَبِي لَيْلَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وَابْنُ شُبْرُمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14117وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
اللَّيْثُ : تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
مَالِكٍ : إِذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً ، أَوْ مِسْكِينَةً ، أَوْ دَنِيئَةً ؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ فَسْخُ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَعَنْهُ خِلَافٌ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ غِنًى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا الْوَلِيُّ أَوِ السُّلْطَانُ ، وَحُجَجُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إِذَا تَرَاضَوْا ) ، الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْخُطَّابِ وَالنِّسَاءِ ، وَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ ؛ فَجَاءَ الضَّمِيرُ بِالْوَاوِ ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْرًا فِي الْآيَةِ قَالُوا : احْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَزْوَاجِ . وَالْعَامِلُ فِي " إِذَا " يَنْكِحْنَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) ، الضَّمِيرُ فِي " بَيْنَهُمْ " ظَرْفٌ مَجَازِيٌّ نَاصِبُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232تَرَاضَوْا ) ، ( بِالْمَعْرُوفِ ) : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَرَاضَوْا ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَا يَحْسُنُ مِنَ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ فِي الشَّرَائِطِ ، وَقِيلَ : مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقِيلَ : الْمَهْرُ وَالْإِشْهَادُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ ( بِالْمَعْرُوفِ ) بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232يَنْكِحْنَ ) لَا بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232تَرَاضَوْا ) ، وَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ الَّذِي لَا يَنْتَفِي ، بَلْ هُوَ مِنَ الْفَصْلِ الْفَصِيحِ ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بِمَعْمُولِ الْفِعْلِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إِذَا تَرَاضَوْا ) ، فَإِذَا مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232أَنْ يَنْكِحْنَ ) ، وَ ( بِالْمَعْرُوفِ ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ ؛ فَكِلَاهُمَا مَعْمُولٌ لِلْفِعْلِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، " ذَلِكَ " : خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ : لِكُلِّ سَامِعٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
[ ص: 211 ] خِطَابِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ : مِنْكُمْ ، وَقِيلَ : ذَلِكَ بِمَعْنَى : ذَلِكُمْ ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْعَضْلِ ، وَ " ذَلِكَ " : لِلْبُعْدِ ، نَابَ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي لِلْقُرْبِ ، وَهُوَ : هَذَا ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ قَرِيبًا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ لِعَظَمَةِ الْمُشِيرِ إِلَى الشَّيْءِ ، وَمَعْنَى ( يُوعَظُ بِهِ ) أَيْ : يُذَكَّرُ بِهِ ، وَيُخَوَّفُ . وَ " مِنْكُمْ " مُتَعَلِّقٌ بِكَانَ ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي " يُؤْمِنُ " ، وَذَكَرَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُكَلِّفُ لِعِبَادِهِ ، النَّاهِي لَهُمْ وَالْآمِرُ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=36الْيَوْمَ الْآخِرَ ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّخْوِيفُ ، وَتُجْنَى فِيهِ ثَمَرَةُ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ ، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْوَعْظِ إِلَّا الْمُؤْمِنُ ؛ إِذْ نُورُ الْإِيمَانِ يُرْشِدُهُ إِلَى الْقَبُولِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) ، وَسَلَامَةُ عَقْلِهِ تُذْهِبُ عَنْهُ مُدَاخَلَةَ الْهَوَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) ، أَيِ : التَّمَكُّنُ مِنَ النِّكَاحِ أَزْكَى لِمَنْ هُوَ بِصَدَدِ الْعَضْلِ لِمَا لَهُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ ، وَأَطْهَرُ لِلزَّوْجَيْنِ لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِمَا مِنَ الرِّيبَةِ إِذَا مُنِعَا مِنَ النِّكَاحِ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَلَاقَاتِ الَّتِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، أَيْ : يَعْلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ قُلُوبُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ؛ لِذَلِكَ نَهَى تَعَالَى عَنِ الْعَضْلِ ، قَالَ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . أَوْ يَعْلَمُ مَا فِيهِ مِنَ اكْتِسَابِ الثَّوَابِ وَإِسْقَاطِ الْعِقَابِ . أَوْ يَعْلَمُ بَوَاطِنَ الْأُمُورِ وَمَآلَهَا ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ، إِنَّمَا تَعْلَمُونَ مَا ظَهَرَ . أَوْ يَعْلَمُ مَنْ يَعْمَلُ عَلَى وَفْقِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ وَمَنْ لَا يَعْمَلُ بِهَا . وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ : تَقْرِيرُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . قِيلَ : وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سِتَّةَ أَنْوَاعٍ مِنْ ضُرُوبِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ : الْأَوَّلُ : الطِّبَاقُ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْإِمْسَاكُ ، فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ ، وَالتَّسْرِيحُ طِبَاقٌ ثَانٍ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْإِمْسَاكِ ، وَالْعِلْمُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ ، لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ هُوَ الْجَهْلُ . الثَّانِي : الْمُقَابَلَةُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا ) قَابَلَ الْمَعْرُوفَ بِالضِّرَارِ ، وَالضِّرَارُ مُنَكَّرٌ ، فَهَذِهِ مُقَابَلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ . الثَّالِثُ : التَّكْرَارُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) ، كَرَّرَ اللَّفْظَ لِتَغْيِيرِ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَهُوَ غَايَةُ الْفَصَاحَةِ ؛ إِذِ اخْتِلَافُ مَعْنَى الِاثْنَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلُوغَيْنِ . الرَّابِعُ : الِالْتِفَاتُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) ، وَفِي الْآيَةِ - فِي قَوْلِهِ : ذَلِكَ - إِذَا كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ " مِنْكُمْ " . الْخَامِسُ : التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، التَّقْدِيرُ : أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا تَرَاضَوْا . السَّادِسُ : مُخَاطَبَةُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=249مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، أَوْ فِي أُخْتِ جَابِرٍ ، وَقِيلَ " ابْنَتُهُ " .