(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282nindex.php?page=treesubj&link=28973ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) لما نهى عن
nindex.php?page=treesubj&link=16041امتناع الشهود إذا ما دعوا للشهادة ، نهى أيضا عن السآمة في كتابة الدين ، كل ذلك ضبط لأموال الناس ، وتحريض على أن لا يقع النزاع ؛ لأنه متى ضبط بالكتابة والشهادة قل أن يحصل وهم فيه أو إنكار ، أو منازعة في مقدار أو أجل أو وصف ، وقدم الصغير اهتماما به ، وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى ، ونص على الأجل للدلالة على وجوب ذكره ، فكتب كما يكتب أصل الدين ومحله إن كان مما يحتاج فيه إلى ذكر المحل ، ونبه بذكر الأجل على صفة الدين ومقداره ؛ لأن الأجل بعض أوصافه ، والأجل هنا هو الوقت الذي اتفق المتداينان على تسميته .
وقال
الماتريدي : فيه دلالة على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=23898السلم في الثياب ؛ لأن ما يؤكل أو يوزن لا يقال فيه الصغير والكبير ، وإنما يقال ذلك في العددي والذرعي ، انتهى .
ولا يظهر ما قال : إذ الصغر ، والكبير هنا لا يراد به الجرم ، وإنما هو عبارة عن القليل
[ ص: 351 ] والكثير ، فمن أسلم في مقدار ويبة ، أو في مقدار عشرين أردبا ، صدق على الأول أنه حق صغير ودين صغير ، وعلى الثاني أنه دين كبير وحق كبير .
قيل : ومعنى : ولا تسأموا ، أي : لا تكسلوا ، وعبر بالسأم عن الكسل ؛ لأن الكسل صفة المنافق ، ومنه الحديث : "
لا يقل المؤمن : كسلت " وكأنه من الوصف الذي نسبه الله إليهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) وقيل : معناه لا تضجروا ، و ( أن تكتبوا ) في موضع نصب على المفعول به ؛ لأن سئم متعد بنفسه ، كما قال الشاعر :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين عاما لا أبا لك يسأم
وقيل : يتعدى سئم بحرف جر ، فيكون : أن تكتبوه ، في موضع نصب على إسقاط الحرف ، أو في موضع جر على الخلاف الذي تقدم بين
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والخليل ، ومما يدل على أن سئم يتعدى بحرف جر قوله :
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد
وضمير النصب في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282تكتبوه ) عائد على الدين ، لسبقه ، أو على الحق لقربه ، والدين هو الحق من حيث المعنى ، وكان من كثرت ديونه يمل من الكتابة ، فنهوا عن ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للكتاب ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أن تكتبوه ) مختصرا أو مشبعا ، ولا يخل بكتابته ، انتهى ، وهذا الذي قاله فيه بعد .
وقرأ
السلمي ( ولا يسأموا ) بالياء ، وكذلك ( أن يكتبوه ) والظاهر في هذه القراءة أن يكون ضمير الفاعل عائدا على الشهداء ، ويجوز أن يكون من باب الالتفات ، فيعود على المتعاملين أو على الكتاب ، وانتصاب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282صغيرا أو كبيرا ) على الحال من الهاء في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أن تكتبوه ) وأجاز
السجاوندي نصب ( صغيرا ) على أن يكون خبرا لكان مضمرة ، أي : كان صغيرا ، وليس موضع إضمار كان ، ويتعلق (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إلى أجله ) بمحذوف لا تكتبوه لعدم استمرار الكتابة إلى أجل الدين ؛ إذ ينقضي في زمن يسير ، فليس نظير : سرت إلى الكوفة ، والتقدير : أن تكتبوه مستقرا في الذمة إلى أجل حلوله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ذلكم أقسط عند الله ) الإشارة إلى أقرب مذكور وهو الكتابة ، وقيل : الكتابة والاستشهاد وجميع ما تقدم مما يحصل به الضبط ، و ( أقسط ) أعدل ، قيل : وفيه شذوذ ؛ لأنه من الرباعي الذي على وزن : أفعل ، يقال : أقسط الرجل أي : عدل ، ومنه : ( وأقسطوا ) وقد راموا خروجه عن الشذوذ الذي ذكروه ، بأن يكون ( أقسط ) من قاسط على طريقة النسب بمعنى : ذي قسط ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وقال
ابن عطية : انظر هل هو من قسط بضم السين ، كما تقول : أكرم من كرم ، انتهى . وقيل : من القسط بالكسر ، وهو العدل ، وهو مصدر لم يشتق منه فعل ، وليس من الإقساط ؛ لأن أفعل لا يبنى من الإفعال .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : مم بني أفعلا التفضيل ؟ أعني : أقسط وأقوم ، قلت : يجوز على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن يكونا مبنيين من أقسط وأقام ، انتهى .
لم ينص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على أن أفعل التفضيل يبنى من أفعل ، إنما يؤخذ ذلك بالاستدلال ؛ لأنه نص في أول كتابه على أن بناء أفعل للتعجب يكون من : فعل وفعل وفعل وأفعل ، فظاهر هذا أن أفعل الذي للتعجب يبنى من أفعل ، ونص النحويون على أن ما يبنى منه أفعل للتعجب يبنى منه أفعل التفضيل ، فما انقاس في التعجب انقاس في التفضيل ، وما شذ فيه شذ فيه .
وقد اختلف النحويون في بناء أفعل للتعجب على ثلاثة مذاهب : الجواز ، والمنع ، والتفصيل . بين أن يكون الهمزة للنقل فلا يبنى منه أفعل للتعجب ، أو لا تكون للنقل ، فيبنى منه ، وزعم أن هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وتئول قوله : وأفعل على أنه أفعل الذي همزته لغير النقل ، ومن منع ذلك مطلقا ضبط قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : وأفعل على أنه على صيغة الأمر ، ويعني أنه يكون فعل التعجب على أفعل ، وبناؤه من : فعل وفعل وفعل وعلى أفعل ، وحجج هذه المذاهب مستوفاة في كتب النحو ، والذي ينبغي أن يحمل عليه أقسط هو أن يكون
[ ص: 352 ] مبنيا من قسط الثلاثي بمعنى عدل ، قال
ابن السيد في ( الاقتضاب ) ما نصه : حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت في كتاب الأضداد عن
أبي عبيدة : قسط جار ، وقسط عدل ، وأقسط ، بالألف ، عدل لا غير . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12854ابن القطاع : قسط قسوطا وقسطا ، جار وعدل ضد ، فعلى هذا لا يكون شاذا ، ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أقسط عند الله ) أعدل في حكم الله أن لا يقع التظالم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأقوم للشهادة ) إن كان من أقام ففيه شذوذ على قول بعضهم ، ومن جعله مبنيا من قام بمعنى اعتدل فلا شذوذ فيه ، وتقدم قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إنه جائز على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن يكون من أقام ، وقال أيضا : يجوز أن يكون على معنى النسب من قويم ، انتهى .
وعد بعض النحويين في التعجب ما أقومه في الشذوذ ، وجعله مبنيا من استقام ، ويتعلق ( للشهادة ) بـ ( أقوم ) وهو من حيث المعنى مفعول ، كما تقول : زيد أضرب لعمرو من خالد ، ولا يجوز حذف هذه اللام والنصب إلا في الشعر كما قال الشاعر :
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
وقد تؤول على إضمار فعل ، أي : تضرب القوانس ، ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأقوم للشهادة ) أثبت وأصح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأدنى ألا ترتابوا ) أي : أقرب لانتفاء الريبة ، وقرأ
السلمي ( أن لا يرتابوا ) بالياء ، والمفضل عليه محذوف ، وحسن حذفه كون أفعل الذي للتفضيل وقع خبرا للمبتدأ ، وتقديره : الكتب أقسط وأقوم وأدنى لكذا من عدم الكتب ، وقدر : أدنى لأن لا ترتابوا ، وإلى أن لا ترتابوا ، ومن أن لا ترتابوا ، ثم حذف حرف الجر فبقي منصوبا أو مجرورا على الخلاف الذي سبق .
ونسق هذه الأخبار في غاية الحسن ، إذ بدئ أولا بالأشرف ، وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أقسط عند الله ) أي : في حكم الله ، فينبغي أن يتبع ما أمر به ، إذ اتباعه هو متعلق الدين الإسلامي ، وبني لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأقوم للشهادة ) لأن ما بعد امتثال أمر الله هو الشهادة بعد الكتابة ، وجاء بالياء ( وأدنى ألا يرتابوا ) لأن انتفاء الريبة مترتب على طاعة الله في الكتابة والإشهاد ، فعنهما تنشأ أقربية انتفاء الريبة ، إذ ذلك هو الغاية في أن لا يقع ريبة ، وذلك لا يتحصل إلا بالكتب والإشهاد غالبا ، فيثلج الصدر بما كتب وأشهد عليه .
و ( ترتابوا ) بني افتعل من الريبة ، وتقدم تفسيرها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لا ريب فيه ) قيل : والمعنى : أن لا ترتابوا بمن عليه الحق أن ينكر ، وقيل : أن لا ترتابوا بالشاهد أن يضل ، وقيل : في الشهادة ومبلغ الحق والأجل ، وقيل : المعنى أقرب لنفي الشك للشاهد والحاكم والمتعاملين ، وما ضبط بالكتابة والإشهاد لا يكاد يقع فيه شك ولا لبس ولا نزاع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282nindex.php?page=treesubj&link=28973وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ) لَمَّا نَهَى عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=16041امْتِنَاعِ الشُّهُودِ إِذَا مَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ ، نَهَى أَيْضًا عَنِ السَّآمَةِ فِي كِتَابَةِ الدَّيْنِ ، كُلُّ ذَلِكَ ضَبْطٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ ، وَتَحْرِيضٌ عَلَى أَنْ لَا يَقَعَ النِّزَاعُ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ضُبِطَ بِالْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ قَلَّ أَنْ يَحْصُلَ وَهْمٌ فِيهِ أَوْ إِنْكَارٌ ، أَوْ مُنَازَعَةٌ فِي مِقْدَارٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ وَصْفٍ ، وَقُدِّمَ الصَّغِيرُ اهْتِمَامًا بِهِ ، وَانْتِقَالًا مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى ، وَنَصَّ عَلَى الْأَجَلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ ذِكْرِهِ ، فَكُتِبَ كَمَا يُكْتَبُ أَصْلُ الدَّيْنِ وَمَحَلُّهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى ذِكْرِ الْمَحَلِّ ، وَنَبَّهَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ وَمِقْدَارِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ بَعْضُ أَوْصَافِهِ ، وَالْأَجْلُ هُنَا هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُتَدَايِنَانِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ .
وَقَالَ
الْمَاتِرِيدِيُّ : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=23898السَلَمِ فِي الثِّيَابِ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُوزَنُ لَا يُقَالُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِيِّ وَالذَّرْعِيِّ ، انْتَهَى .
وَلَا يَظْهَرُ مَا قَالَ : إِذِ الصِّغَرُ ، وَالْكَبِيرُ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ الْجُرْمُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَلِيلِ
[ ص: 351 ] وَالْكَثِيرِ ، فَمَنْ أَسْلَمَ فِي مِقْدَارٍ وَيْبَةٍ ، أَوْ فِي مِقْدَارِ عِشْرِينَ أَرَدْبًا ، صَدَقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُقٌّ صَغِيرٌ وَدَيْنٌ صَغِيرٌ ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ دَيْنٌ كَبِيرٌ وَحُقٌّ كَبِيرٌ .
قِيلَ : وَمَعْنَى : وَلَا تَسْأَمُوا ، أَيْ : لَا تَكْسَلُوا ، وَعَبَّرَ بِالسَّأَمِ عَنِ الْكَسَلِ ؛ لِأَنَّ الْكَسَلَ صِفَةُ الْمُنَافِقِ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : "
لَا يَقُلِ الْمُؤْمِنُ : كَسَلْتُ " وَكَأَنَّهُ مِنَ الْوَصْفِ الَّذِي نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ) وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا تَضْجَرُوا ، وَ ( أَنْ تَكْتُبُوا ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ ؛ لِأَنَّ سَئِمَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ثَمَانِينَ عَامًا لَا أَبَا لَكَ يَسْأَمِ
وَقِيلَ : يَتَعَدَّى سَئِمَ بِحَرْفِ جَرٍّ ، فَيَكُونُ : أَنْ تَكْتُبُوهُ ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَرْفِ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَئِمَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ جَرِّ قَوْلُهُ :
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا وَسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ كَيْفَ لَبِيدُ
وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282تَكْتُبُوهُ ) عَائِدٌ عَلَى الدَّيْنِ ، لِسَبْقِهِ ، أَوْ عَلَى الْحَقِّ لِقُرْبِهِ ، وَالدَّيْنُ هُوَ الْحَقُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَكَانَ مَنْ كَثُرَتْ دُيُونُهُ يَمَلُّ مِنَ الْكِتَابَةِ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْكِتَابِ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أَنْ تَكْتُبُوهُ ) مُخْتَصَرًا أَوْ مُشَبَّعًا ، وَلَا يُخَلُّ بِكِتَابَتِهِ ، انْتَهَى ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ بُعْدٌ .
وَقَرَأَ
السَّلْمِيُّ ( وَلَا يَسْأَمُوا ) بِالْيَاءِ ، وَكَذَلِكَ ( أَنْ يَكْتُبُوهُ ) وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدًا عَلَى الشُّهَدَاءِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ ، فَيَعُودُ عَلَى الْمُتَعَامِلِينَ أَوْ عَلَى الْكِتَابِ ، وَانْتِصَابُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ) عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أَنْ تَكْتُبُوهُ ) وَأَجَازَ
السَّجَاوَنْدِيُّ نَصْبُ ( صَغِيرًا ) عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِكَانَ مُضْمَرَةً ، أَيْ : كَانَ صَغِيرًا ، وَلَيْسَ مَوْضِعَ إِضْمَارِ كَانَ ، وَيَتَعَلَّقُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِلَى أَجَلِهِ ) بِمَحْذُوفٍ لَا تَكْتُبُوهُ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْكِتَابَةِ إِلَى أَجَلِ الدَّيْنِ ؛ إِذْ يَنْقَضِي فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ ، فَلَيْسَ نَظِيرَ : سِرْتُ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَنْ تَكْتُبُوهُ مُسْتَقِرًّا فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلِ حُلُولِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) الْإِشَارَةُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْكِتَابَةُ ، وَقِيلَ : الْكِتَابَةُ وَالِاسْتِشْهَادُ وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الضَّبْطُ ، وَ ( أَقْسَطُ ) أَعْدَلُ ، قِيلَ : وَفِيهِ شُذُوذٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ الَّذِي عَلَى وَزْنِ : أَفْعَلَ ، يُقَالُ : أَقْسَطَ الرَّجُلُ أَيْ : عَدْلَ ، وَمِنْهُ : ( وَأَقْسِطُوا ) وَقَدْ رَامُوا خُرُوجَهُ عَنِ الشُّذُوذِ الَّذِي ذَكَرُوهُ ، بِأَنْ يَكُونَ ( أَقْسَطُ ) مِنْ قَاسِطٍ عَلَى طَرِيقَةِ النَّسَبِ بِمَعْنَى : ذِي قِسْطٍ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : انْظُرْ هَلْ هُوَ مِنْ قَسُطَ بِضَمِّ السِّينِ ، كَمَا تَقُولُ : أَكْرَمُ مِنْ كَرُمَ ، انْتَهَى . وَقِيلَ : مِنَ الْقِسْطِ بِالْكَسْرِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ لَمْ يَشْتَقْ مِنْهُ فِعْلٌ ، وَلَيْسَ مِنَ الْإِقْسَاطِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ لَا يُبْنَى مِنَ الْإِفْعَالِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : مِمَّ بُنِيَ أَفْعَلَا التَّفْضِيلِ ؟ أَعْنِي : أَقْسَطَ وَأَقْوَمُ ، قُلْتُ : يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ مِنْ أَقْسَطَ وَأَقَامَ ، انْتَهَى .
لَمْ يَنُصْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يُبْنَى مَنْ أَفْعَلَ ، إِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عَلَى أَنَّ بِنَاءَ أَفْعَلَ لِلتَّعَجُّبِ يَكُونُ مِنْ : فَعَلَ وَفَعِلَ وَفَعُلَ وَأَفْعَلَ ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَفْعَلَ الَّذِي لِلتَّعَجُّبِ يُبْنَى مِنْ أَفْعَلَ ، وَنَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ مَا يُبْنَى مِنْهُ أَفْعَلُ لِلتَّعَجُّبِ يُبْنَى مِنْهُ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ ، فَمَا انْقَاسَ فِي التَّعَجُّبِ انْقَاسَ فِي التَّفْضِيلِ ، وَمَا شُذَّ فِيهِ شُذَّ فِيهِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي بِنَاءِ أَفْعَلَ لِلتَّعَجُّبِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : الْجَوَازِ ، وَالْمَنْعِ ، وَالتَّفْصِيلِ . بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْهَمْزَةُ لِلنَّقْلِ فَلَا يُبْنَى مِنْهُ أَفْعَلُ لِلتَّعَجُّبِ ، أَوْ لَا تَكُونُ لِلنَّقْلِ ، فَيُبْنَى مِنْهُ ، وَزُعِمَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَتُئُوِلَ قَوْلُهُ : وَأَفْعَلَ عَلَى أَنَّهُ أَفْعَلَ الَّذِي هَمْزَتُهُ لِغَيْرِ النَّقْلِ ، وَمَنَ مَنَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا ضَبَطَ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : وَأَفْعَلَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ ، وَيَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ فِعْلُ التَّعَجُّبِ عَلَى أَفْعَلَ ، وَبِنَاؤُهُ مِنْ : فَعَلَ وَفَعِلَ وَفَعُلَ وَعَلَى أَفْعَلَ ، وَحُجَجُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُسْتَوْفَاةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَقْسَطَ هُوَ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 352 ] مَبْنِيًّا مِنْ قَسَطَ الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى عَدَلَ ، قَالَ
ابْنُ السَّيِّدِ فِي ( الِاقْتِضَابِ ) مَا نَصُّهُ : حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابْنُ السَّكِّيتِ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ : قَسَطَ جَارَ ، وَقَسَطَ عَدَلَ ، وَأَقْسَطَ ، بِالْأَلِفِ ، عَدَلَ لَا غَيْرَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12854ابْنُ الْقَطَّاعِ : قَسَطَ قُسُوطًا وَقِسْطًا ، جَارَ وَعَدَلَ ضِدَّ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) أَعْدَلُ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقَعَ التَّظَالُمُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ ) إِنْ كَانَ مَنْ أَقَامَ فَفِيهِ شُذُوذٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَبْنِيًّا مِنْ قَامَ بِمَعْنَى اعْتَدَلَ فَلَا شُذُوذَ فِيهِ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ : إِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقَامَ ، وَقَالَ أَيْضًا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ مِنْ قَوِيِّمٍ ، انْتَهَى .
وَعَدَّ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي التَّعَجُّبِ مَا أَقْوَمَهُ فِي الشُّذُوذِ ، وَجَعَلَهُ مَبْنِيًّا مَنِ اسْتَقَامَ ، وَيَتَعَلَّقُ ( لِلشَّهَادَةِ ) بِـ ( أَقْوَمُ ) وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَفْعُولٌ ، كَمَا تَقُولُ : زِيدٌ أَضْرَبُ لِعَمْرٍو مِنْ خَالِدٍ ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ هَذِهِ اللَّامِ وَالنَّصْبُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ الْقَوَانِسَا
وَقَدْ تُؤَوَّلُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ ، أَيْ : تَضْرِبُ الْقَوَانِسَ ، وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ ) أَثْبَتُ وَأَصَحُّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ) أَيْ : أَقْرَبُ لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ ، وَقَرَأَ
السَّلْمِيُّ ( أَنْ لَا يَرْتَابُوا ) بِالْيَاءِ ، وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ ، وَحَسَّنَ حَذْفُهُ كَوْن أَفْعَلَ الَّذِي لِلتَّفْضِيلِ وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ ، وَتَقْدِيُرُهُ : الْكَتْبُ أَقْسَطُ وَأَقْوَمُ وَأَدْنَى لِكَذَا مِنْ عَدَمِ الْكَتْبِ ، وَقُدِّرَ : أَدْنَى لِأَنْ لَا تَرْتَابُوا ، وَإِلَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا ، وَمِنْ أَنْ لَا تَرْتَابُوا ، ثُمَّ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَبَقِيَ مَنْصُوبًا أَوْ مَجْرُورًا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَبَقَ .
وَنَسَقُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ، إِذْ بُدِئَ أَوَّلًا بِالْأَشْرَفِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) أَيْ : فِي حُكْمِ اللَّهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبِعَ مَا أُمِرَ بِهِ ، إِذِ اتِّبَاعُهُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ ، وَبُنِيَ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ هُوَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَجَاءَ بِالْيَاءِ ( وَأَدْنَى أَلَّا يَرْتَابُوا ) لِأَنَّ انْتِفَاءَ الرِّيبَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ ، فَعَنْهُمَا تَنْشَأُ أَقْرَبِيَّةُ انْتِفَاءِ الرِّيبَةِ ، إِذْ ذَلِكَ هُوَ الْغَايَةُ فِي أَنْ لَا يَقَعَ رِيبَةٌ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَصَّلُ إِلَّا بِالْكَتْبِ وَالْإِشْهَادِ غَالِبًا ، فَيُثْلِجُ الصَّدْرَ بِمَا كَتَبَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ .
وَ ( تَرْتَابُوا ) بُنِيَ افْتَعَلَ مِنَ الرِّيبَةِ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لَا رَيْبَ فِيهِ ) قِيلَ : وَالْمَعْنَى : أَنْ لَا تَرْتَابُوا بِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقَّ أَنْ يُنْكِرَ ، وَقِيلَ : أَنْ لَا تَرْتَابُوا بِالشَّاهِدِ أَنْ يَضِلَّ ، وَقِيلَ : فِي الشَّهَادَةِ وَمَبْلَغِ الْحَقِّ وَالْأَجْلِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَقْرَبُ لِنَفْيِ الشَّكِّ لِلشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ وَالْمُتَعَامِلِينَ ، وَمَا ضُبِطَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ لَا يَكَادُ يَقَعُ فِيهِ شَكٌّ وَلَا لَبْسٌ وَلَا نِزَاعٌ .