(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ( شيء ) نكرة في سياق النفي ، فتعم ، وهي دالة على
nindex.php?page=treesubj&link=28781كمال العلم بالكليات والجزئيات ، وعبر عن جميع العالم بالأرض والسماء ؛ إذ هما أعظم ما نشاهده ، والتصوير على ما شاء من الهيئات دال على كمال القدرة ، وبالعلم والقدرة يتم معنى القيومية ؛ إذ هو القائم بمصالح الخلق ومهماتهم ، وفي ذلك رد على
النصارى ، إذ شبهتهم في
nindex.php?page=treesubj&link=31998ادعاء إلهية عيسى كونه يخبر بالغيوب ، وهذا راجع إلى العلم ، وكونه : يحيي الموتى ، وهو راجع إلى القدرة ، فنبهت الآية
[ ص: 380 ] على أن الإله هو العالم بجميع الأشياء ، فلا يخفى عليه شيء ، ولا يلزم من كون
عيسى عالما ببعض المغيبات أن يكون إلها ، ومن المعلوم بالضرورة أن
عيسى لم يكن عالما بجميع المعلومات ، ونبهت على أن الإله هو ذو القدرة التامة ، فلا يمتنع عليه شيء ،
nindex.php?page=treesubj&link=31994ولا يلزم من كون عيسى قادرا على الإحياء في بعض الصور أن يكون إلها ، ومن المعلوم بالضرورة أن
عيسى لم يكن قادرا على تركيب الصور وإحيائها ، بل إنباؤه ببعض المغيبات ، وخلقه وإحياؤه بعض الصور ، إنما كان ذلك بإنباء الله له على سبيل الوحي ، وإقداره تعالى له على ذلك ، وكلها على سبيل المعجزة التي أجراها وأمثالها على أيدي رسله ، وفي ذكر التصوير في الرحم رد على من زعم أن
عيسى إله ؛ إذ من المعلوم بالضرورة أنه صور في الرحم .
وقيل : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لا يخفى عليه شيء ) تحذير من مخالفته سرا وجهرا ، ووعيد بالمجازاة ، وقيل : المعنى شيء مما يقولونه في أمر
عيسى ، عليه السلام ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : مطلع على كفر من كفر ، وإيمان من آمن ، وهو مجازيهم عليه ، وقال
الماتريدي : لا يخفى عليه شيء من الأمور الخفية عن الخلق ، فكيف تخفى عليه أعمالكم التي هي ظاهرة عندكم ؟ وكل هذه تخصيصات ، واللفظ عام ، فيندرج فيه هذا كله ، وقال
الراغب :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لا يخفى عليه شيء أبلغ من ( يعلم ) في الأصل ، وإن كان استعمال اللفظين فيه يفيدان معنى واحدا .
وقال
محمد بن جعفر بن الزبير ،
والربيع ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6هو الذي يصوركم ) رد على أهل الطبيعة ، إذ يجعلونها فاعلة مستبدة ( كيف يشاء ) قال
الماتريدي : فيه إبطال قول من يجعل قول القائف حجة في دعوى النسب ؛ لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه ، فكيف يعرف القائف أنه صوره من مائه عند قيام التشابه في الصور ؟ انتهى ، والأحسن أن تكون هذه الجمل مستقلة ، فتكون الأولى إخبارا عنه تعالى بالعلم التام ، والثانية إخبارا بالقدرة التامة وبالإرادة ، والثالثة بالانفراد بالإلهية ، ويحتمل أن يكون خبرا عن : إن .
وقال
الراغب ، هنا ( يصوركم ) بلفظ الحال ، وفي موضع آخر ( فصوركم ) لأنه لا اعتبار بالأزمنة في أفعاله ، وإنما استعملت الألفاظ فيه للدلالة على الأزمنة بحسب اللغات ، وأيضا ( فصوركم ) إنما هو على نسبة التقدير ، وإن فعله تعالى في حكم ما قد فرع منه ( ويصوركم ) على حسب ما يظهر لنا حالا فحالا ، انتهى .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ( تصوركم ) أي : صوركم لنفسه ولتعبده ، كقولك : أثلت مالا ، أي : جعلته أثلة ، أي : أصلا ، وتأثلته إذا أثلته لنفسك وتأتي : تفعل بمعنى : فعل ، نحو : تولى ، بمعنى : ولى .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كيف يشاء ) أي : من الطول والقصر ، واللون ، والذكورة والأنوثة ، وغير ذلك من الاختلافات ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كيف يشاء ) إشارة إلى أن ذلك يكون بسبب وبغير سبب ؛ لأن ذلك متعلق بمشيئته فقط .
و ( كيف ) هنا للجزاء ، لكنها لا تجزم ، ومفعول ( يشاء ) محذوف لفهم المعنى ، التقدير : كيف يشاء أن يصوركم ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ينفق كيف يشاء ) أي : كيف يشاء أن ينفق ، و ( كيف ) منصوب : بـ ( يشاء ) والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم ، ونصبه على الحال ، وحذف فعل الجزاء لدلالة ما قبله عليه ، نحو قولهم : أنت ظالم إن فعلت ، التقدير : أنت ظالم ، إن فعلت فأنت ظالم ، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب ، وإن كانت متعلقة بما قبلها في المعنى ، فتعلقها كتعلق إن فعلت ، كقوله : أنت ظالم .
وتفكيك هذا الكلام وإعرابه على ما ذكرناه ، لا يهتدى له إلا بعد تمرن في الإعراب ، واستحضار للطائف النحو .
وقال بعضهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كيف يشاء ) في موضع الحال ، معمول ( يصوركم ) ومعنى الحال أي : يصوركم في الأرحام قادرا على تصويركم مالكا ذلك ، وقيل : التقدير في هذه الحال : يصوركم على مشيئته ، أي : مريدا ، فيكون حالا من ضمير اسم الله ، ذكره
أبو البقاء ، وجوز أن يكون حالا من المفعول ، أي : يصوركم منقلبين على مشيئته .
وقال
الحوفي : يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر ، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة ، وكما يشاء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) كرر هذه
[ ص: 381 ] الجملة الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=28675نفي الإلهية عن غيره تعالى ، وانحصارها فيه ، توكيدا لما قبلها من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2لا إله إلا هو ) وردا على من ادعى إلهية
عيسى ، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة ، إذ من هذان الوصفان له هو المتصف بالإلهية لا غيره ، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير ، والحكمة الموجبة لتصوير الأشياء على الإتقان التام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) مناسبة هذا لما قبله أنه : لما ذكر تعديل البنية وتصويرها على ما يشاء من الأشكال الحسنة ، وهذا أمر جسماني ، استطرد إلى العلم ، وهو أمر روحاني ، وكان قد جرى لوفد
نجران أن من شبههم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه ) فبين أن القرآن منه محكم العبارة قد صينت من الاحتمال ، ومنه متشابه ، وهو ما احتمل وجوها .
ونذكر أقاويل المفسرين في المحكم والمتشابه ، وقد جاء
nindex.php?page=treesubj&link=29568وصف القرآن بأن آياته محكمة ، بمعنى كونه كاملا ، ولفظه أفصح ، ومعناه أصح ، لا يساويه في هذين الوصفين كلام ، وجاء وصفه بالتشابه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كتابا متشابها ) معناه يشبه بعضه بعضا في الجنس والتصديق ، وأما هنا فالتشابه ما احتمل وعجز الذهن عن التمييز بينهما ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70إن البقر تشابه علينا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وأتوا به متشابها ) أي : مختلف الطعوم متفق المنظر ، ومنه : اشتبه الأمران ، إذا لم يفرق بينهما ، ويقال لأصحاب المخاريق : أصحاب الشبه ، وتقول : الكلمة الموضوعة لمعنى لا يحتمل غيره نص ، أو يحتمل راجحا أحد الاحتمالين على الآخر ، فبالنسبة إلى الراجح ظاهر ، وإلى المرجوح مؤول ، أو يحتمل من غير رجحان ، فمشترك بالنسبة إليهما ، ومجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما ، والقدر المشترك بين النص والظاهر هو المحكم ، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه ؛ لأن عدم الفهم حاصل في القسمين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وقتادة ،
والربيع ،
والضحاك : المحكم الناسخ ، والمتشابه المنسوخ ، وقال
مجاهد ،
وعكرمة : المحكم ما بين تعالى حلاله وحرامه فلم تشتبه معانيه ، والمتشابه : ما اشتبهت معانيه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ،
ومحمد بن جعفر بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا ، والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجها ، وقال
ابن زيد : المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ، والمتشابه : ما تكررت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، وابن ذئاب ، وهو مقتضى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وغيرهما : المحكم ما فهم العلماء تفسيره ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه : كقيام الساعة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج
عيسى .
وقال
أبو عثمان : المحكم الفاتحة . وقال
محمد بن الفضل : سورة الإخلاص ؛ لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط . وقال
محمد بن إسحاق : المحكمات ما ليس لها تصريف ولا تحريف . وقال
مقاتل : المحكمات خمسمائة آية ؛ لأنها تبسط معانيها ، فكانت أم فروع قيست عليها وتولدت منها ، كالأم يحدث منها الولد ، ولذلك سماها أم الكتاب ، والمتشابه : القصص والأمثال .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيي بن يعمر : المحكم الفرائض ، والوعد والوعيد ; والمتشابه : القصص والأمثال ، وقيل : المحكم ما قام بنفسه ولم يحتج إلى استدلال ، والمتشابه ما كان معاني أحكامه غير معقولة ، كأعداد الصلوات ، واختصاص الصوم بشهر رمضان دون شعبان . وقيل : المحكم ما تقرر من القصص بلفظ واحد ، والمتشابه ما اختلف لفظه ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=20فإذا هي حية تسعى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=107فإذا هي ثعبان مبين ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40قلنا احمل ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فاسلك ) .
وقال
أبو فاختة : المحكمات فواتح السور المستخرج منها السور : كـ ( الم ) و ( المر ) وقيل : المتشابه فواتح السور ، بعكس الأول . وقيل : المحكمات : التي في سورة الأنعام إلى آخر الآيات الثلاث ، والمتشابهات ( الم ) و ( المر ) وما اشتبه على اليهود من هذه ونحوها ، حين سمعوا ( الم ) فقالوا : هذه بالجمل : أحد وسبعون ، فهو غاية أجل هذه الأمة ، فلما سمعوا ( الر ) وغيرها ، اشتبهت عليهم ، أو ما اشتبه من
النصارى من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه ) .
وقيل : المتشابهات ما لا سبيل إلى معرفته ، كصفة الوجه ، واليدين ، واليد ، والاستواء . وقيل : المحكم ما أمر الله به في كل كتاب أنزله ، نحو قوله :
[ ص: 382 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ) الآيات ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ) الآيات ، وما سوى المحكم متشابه ، وقال أكثر الفقهاء : المحكمات التي أحكمت بالإبانة ، فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى تأويلها ؛ لأنها ظاهرة بينة ، والمتشابهات : ما خالفت ذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح : المحكم ما فيه الحلال والحرام . وقال
ابن خويز منداد : المتشابه ما له وجوه واختلف فيه العلماء ، كالآيتين في الحامل المتوفى عنها زوجها ، علي
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس يقولان : تعتد أقصى الأجلين ،
وعمر وزيد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود يقولون : وضع الحمل ، وخلافهم في النسخ . وكالاختلاف في الوصية للوارث هل نسخت أم لا ، ونحو تعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدم إذا لم يعرف النسخ ؟ نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم ) يقتضي الجمع بين الأقارب بملك اليمين (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) يمنع من ذلك ؟
ومعنى ( أم الكتاب ) معظم الكتاب ، إذ المحكم في آيات الله كثير قد فصل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر : هذا كما يقال
لمكة :
أم القرى ، ولمرو :
أم خراسان ، وأم الرأس : لمجتمع الشئون ؛ إذ هو أخطر مكان .
وقال
ابن زيد : جماع الكتاب ، ولم يقل : أمهات ؛ لأنه جعل المحكمات في تقدير شيء واحد ، ومجموع المتشابهات في تقدير شيء وآخر ، وأحدهما أم للآخر ، ونظيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=50وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) ولم يقل : اثنين ، ويحتمل أن يكون ( هن ) أي : كل واحدة منهن ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ثمانين جلدة ) أي : كل واحد منهم . قيل : ويحتمل أنه أفرد في موضع الجمع ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7وعلى سمعهم ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( أم الكتاب ) أي : أصل الكتاب ، تحمل المتشابهات عليها ، وترد إليها ، ومثال ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28لا يأمر بالفحشاء ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أمرنا مترفيها ) انتهى ، وهذا على مذهبه الاعتزالي في أن الله لا يرى ، فجعل المحكم لا تدركه الأبصار ، والمتشابه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) ،
وأهل السنة يعكسون هذا ، أو يفرقون بين الإدراك والرؤية ، وذكر من المحكم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما كان ربك نسيا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=52لا يضل ربي ولا ينسى ) ومتشابهه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67نسوا الله فنسيهم ) ظاهر النسيان ضد العلم ، ومرجوحه الترك ، وأرباب المذاهب مختلفون في المحكم والمتشابه ، فما وافق المذهب فهو عندهم محكم ، وما خالف فهو متشابه ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) عند
المعتزلة محكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) متشابه ، وغيرهم بالعكس .
وصرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل ، فإن كان لفظيا فلا يتم إلا بحصول التعارض ، وليس الحمل على أحدهما أولى من العكس ، ولا قطع في الدليل اللفظي ، سواء كان نصا أو أرجح لتوقفه على أمور ظنية ، وذلك لا يجوز في المسائل الأصولية ، فإذن المصير إلى المرجوح لا يكون بواسطة الدلالة العقلية القاطعة ، وإذا علم صرفه عن ظاهره فلا يحتاج إلى تعيين المراد ؛ لأن ذلك يكون ترجيح مجاز على مجاز ، وتأويل على تأويل .
ومن الملاحدة من طعن في القرآن لاشتماله على المتشابه وقال : يقولون إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى يوم القيامة ، ثم إنا نراه يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه ، فالجبري يتمسك بآيات الجبر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وجعلنا على قلوبهم أكنة ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وفي آذانهم وقرا ) ، والقدري يقول : هذا مذهب الكفار في معرض الذم لهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ) وفي موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88وقالوا قلوبنا غلف ) .
ومثبتو الرؤية تمسكوا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة ) والآخرون ، بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار ) ، ومثبتو الجهة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم ) وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5على العرش استوى ) والآخرون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) فكيف يليق بالمحكم أن يرجع إلى المرجوح إليه هكذا ؟ انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي ، وبعضه ملخص .
وقد ذكر العلماء لمجيء المتشابه فوائد ، وأحسن ذلك ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، قال : فإن قلت : فهلا كان القرآن كله محكما ؟ قلت : لو كان كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال ، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله
[ ص: 383 ] وتوحيده إلا به ، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء وإتقانهم القرائح في استخراج معانيه ، ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة ، والعلوم الجمة ، ونيل الدرجات عند الله ، ولأن المؤمن - المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف - إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره ، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ، ففكر وراجع نفسه وغيره ، ففتح الله عليه ، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ، ازداد طمأنينة إلى معتقده ، وقوة في إتقانه ، انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وهو مؤلف مما قاله الناس في فائدة المجيء بالمتشابه في القرآن .
ولما ذكر تعالى أول السورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب ) ذكر هنا كيفية الكتاب ، وأتى بالموصول ، إذ في صلته حوالة على التنزيل السابق ، وعهد فيه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات ) إلى آخره ، في موضع الحال ، أي : تركه على هذين الوجهين محكما ومتشابها ، وارتفع ( آيات ) ، على الفاعلية بالمجرور ؛ لأنه قد اعتمد ، ويجوز ارتفاعه على الابتداء ، والجملة حالية ، ويحتمل أن تكون جملة مستأنفة ، ووصف الآيات بالإحكام صادق على أن كل آية محكمة ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وأخر متشابهات ) فأخر صفة لآيات محذوفة ، والوصف بالتشابه لا يصح في مفرد أخر ، لو قلت : وأخرى متشابهة لم يصح إلا بمعنى أن بعضها يشبه بعضا ، وليس المراد هنا هذا المعنى ، وذلك أن التشابه المقصود هنا لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا ، فلذلك صح هذا الوصف مع الجمع ؛ لأن كل واحد من مفرداته يشابه الباقي ، وإن كان الواحد لا يصح فيه ذلك ، فهو نظير (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15رجلين يقتتلان ) وإن كان لا يقال : رجل يقتتل ، وتقدم الكلام على أخر في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فعدة من أيام أخر ) فأغنى عن إعادته هنا .
وذكر
ابن عطية أن
المهدوي خلط في مسألة : أخر ، وأفسد كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، فتوقف على ذلك من كلام
المهدوي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ ) هم نصارى
نجران لتعرضهم للقرآن في أمر
عيسى ، قاله
الربيع ، أو اليهود ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
والكلبي ؛ لأنهم طلبوا بقاء هذه الآية من الحروف المقطعة ، والزيغ : عنادهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : هو الأشبه ، وذكر محاورة
حيي بن أخطب وأصحابه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مدة ملته ، واستخراج ذلك من الفواتح ، وانتقالهم من عدد إلى عدد إلى أن قالوا : خلطت علينا فلا ندري بكثير نأخذ أم بقليل ؟ ونحن لا نؤمن بهذا ، فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب ) الآية ، وفسر الزيغ : بالميل عن الهدى ،
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وجماعة من الصحابة ،
ومجاهد ،
ومحمد بن جعفر بن الزبير ، وغيرهم .
وقال
قتادة : هم منكرو البعث ، فإنه قال في آخرها (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله ) وما ذاك إلا يوم القيامة ، فإنه أخفاه عن جميع الخلق ، وقال
قتادة أيضا : هم الحرورية ، وهم الخوارج ، ومن تأول آية لا في محلها ، وقال أيضا : إن لم تكن الحرورية هم الخوارج السبائية ، فلا أدري من هم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : هم المنافقون ، وقيل : هم جميع المبتدعة .
وظاهر اللفظ العموم في الزائغين عن الحق ، وكل طائفة ممن ذكر زائغة عن الحق ، فاللفظ يشملهم وإن كان نزل على سبب خاص ، فالعبرة لعموم اللفظ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فيتبعون ما تشابه منه ) قال
القرطبي : متبعو المتشابه إما طالبو تشكيك وتناقض وتكرير ، وإما طالبو ظواهر المتشابه : كالمجسمة إذ أثبتوا أنه جسم وصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع ، وإما متبعو إبداء تأويل وإيضاح معاينة ، كما سأل رجل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن أشياء اختلفت عليه في القرآن ، مما ظاهرها التعارض ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101ولا يتساءلون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42ولا يكتمون الله حديثا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23والله ربنا ما كنا مشركين ) ونحو ذلك ، وأجابه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بما أزال عنه التعارض ، وإما متبعوه وسائلون عنه سؤال تعنت ، كما جرى
لأصيبغ مع
عمر ، فضرب
عمر رأسه حتى جرى دمه على وجهه ، انتهى كلامه ملخصا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) علل اتباعهم للمتشابه بعلتين : إحداهما : ابتغاء
[ ص: 384 ] الفتنة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،
وربيع ،
ومقاتل ،
وابن قتيبة : هي الكفر . وقال
مجاهد : الشبهات واللبس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إفساد ذات البين . وقيل : الشبهات التي حاج بها وفد
نجران .
والعلة الثانية : ابتغاء التأويل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ابتغوا معرفة مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : التأويل : التفسير ، نحو (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : طلبوا مرجع أمر المؤمنين ، ومآل كتابهم ودينهم وشريعتهم ، والعاقبة المنتظرة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم تعالى أن تأويل ذلك ، ووقته
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35يوم يرون ما يوعدون من البعث والعذاب
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يقول الذين نسوه أي : تركوه
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53قد جاءت رسل ربنا أي : قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن ، وهو تأويله متى ينسخ منه شيء ، وقيل : ( تأويله ) طلب كنه حقيقته وعمق معانيه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي كلاما ملخصه : إن المراد بالتأويل ما ليس في الكتاب دليل عليه ، مثل : متى الساعة ؟ ومقادير الثواب والعقاب لكل مكلف .
وقال :
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7الذين في قلوبهم زيغ ) هم أهل البدع ، فيتبعون ما تشابه منه ، فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ، ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق ، ( ابتغاء الفتنة ) طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم ، و ( ابتغاء تأويله ) طلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه ، انتهى كلامه ، وهو كلام حسن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ) ( شَيْءٌ ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، فَتَعُمُّ ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28781كَمَالِ الْعِلْمِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ ، وَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ بِالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ؛ إِذْ هُمَا أَعْظَمُ مَا نُشَاهِدُهُ ، وَالتَّصْوِيرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْهَيْئَاتِ دَالٌ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَبِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ يَتِمُّ مَعْنَى الْقَيُّومِيَّةِ ؛ إِذْ هُوَ الْقَائِمُ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ وَمُهِمَّاتِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى
النَّصَارَى ، إِذْ شُبْهَتُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31998ادِّعَاءِ إِلَهِيَّةِ عِيسَى كَوْنُهُ يُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْعِلْمِ ، وَكَوْنُهُ : يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْقُدْرَةِ ، فَنَبَّهَتِ الْآيَةُ
[ ص: 380 ] عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْعَالِمُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ
عِيسَى عَالِمًا بِبَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ
عِيسَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، وَنَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ ذُو الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31994وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ عِيسَى قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ
عِيسَى لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى تَرْكِيبِ الصُّوَرِ وَإِحْيَائِهَا ، بَلْ إِنْبَاؤُهُ بِبَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ ، وَخَلْقُهُ وَإِحْيَاؤُهُ بَعْضَ الصُّوَرِ ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِإِنْبَاءِ اللَّهِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوَحْيِ ، وَإِقْدَارِهِ تَعَالَى لَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَكُلُّهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ الَّتِي أَجْرَاهَا وَأَمْثَالَهَا عَلَى أَيْدِي رُسُلِهِ ، وَفِي ذِكْرِ التَّصْوِيرِ فِي الرَّحِمِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ
عِيسَى إِلَهٌ ؛ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ صُوِّرَ فِي الرَّحِمِ .
وَقِيلَ : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ) تَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَتِهِ سِرًّا وَجَهْرًا ، وَوَعِيدٌ بِالْمُجَازَاةِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُونَهُ فِي أَمْرِ
عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مُطَّلِعٌ عَلَى كُفْرِ مَنْ كَفَرَ ، وَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ
الْمَاتُرِيدِيُّ : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ عَنِ الْخَلْقِ ، فَكَيْفَ تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمُ الَّتِي هِيَ ظَاهِرَةٌ عِنْدَكُمْ ؟ وَكُلُّ هَذِهِ تَخْصِيصَاتٌ ، وَاللَّفْظُ عَامٌّ ، فَيَنْدَرِجُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=5لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ أَبْلَغُ مِنْ ( يَعْلَمُ ) فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظَيْنِ فِيهِ يُفِيدَانِ مَعْنًى وَاحِدًا .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ،
وَالرَّبِيعُ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ ) رَدٌّ عَلَى أَهْلِ الطَّبِيعَةِ ، إِذْ يَجْعَلُونَهَا فَاعِلَةً مُسْتَبِدَّةً ( كَيْفَ يَشَاءُ ) قَالَ
الْمَاتُرِيدِيُّ : فِيهِ إِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَ الْقَائِفِ حُجَّةً فِي دَعْوَى النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عِلْمَ التَّصْوِيرِ فِي الْأَرْحَامِ لِنَفْسِهِ ، فَكَيْفَ يَعْرِفُ الْقَائِفُ أَنَّهُ صَوَّرَهُ مِنْ مَائِهِ عِنْدَ قِيَامِ التَّشَابُهِ فِي الصُّوَرِ ؟ انْتَهَى ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمَلُ مُسْتَقِلَّةً ، فَتَكُونُ الْأُولَى إِخْبَارًا عَنْهُ تَعَالَى بِالْعِلْمِ التَّامِّ ، وَالثَّانِيَةُ إِخْبَارًا بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَبِالْإِرَادَةِ ، وَالثَّالِثَةُ بِالِانْفِرَادِ بِالْإِلَهِيَّةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ : إِنَّ .
وَقَالَ
الرَّاغِبُ ، هُنَا ( يُصَوِّرُكُمْ ) بِلَفْظِ الْحَالِ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( فَصَوَّرَكُمْ ) لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْأَزْمِنَةِ فِي أَفْعَالِهِ ، وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَتِ الْأَلْفَاظُ فِيهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ بِحَسَبِ اللُّغَاتِ ، وَأَيْضًا ( فَصَوَّرَكُمْ ) إِنَّمَا هُوَ عَلَى نِسْبَةِ التَّقْدِيرِ ، وَإِنَّ فِعْلَهُ تَعَالَى فِي حُكْمِ مَا قَدْ فَرَعَ مِنْهُ ( وَيُصَوِّرُكُمْ ) عَلَى حَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا حَالًا فَحَالًا ، انْتَهَى .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ ( تَصَوَّرَكُمْ ) أَيْ : صَوَّرَكُمْ لِنَفْسِهِ وَلِتَعَبُّدِهِ ، كَقَوْلِكَ : أَثَلْتُ مَالًا ، أَيْ : جَعَلْتُهُ أَثْلَةً ، أَيْ : أَصْلًا ، وَتَأَثَّلْتُهُ إِذَا أَثَّلْتَهُ لِنَفْسِكَ وَتَأْتِي : تَفَعَّلَ بِمَعْنَى : فَعَّلَ ، نَحْوُ : تَوَلَّى ، بِمَعْنَى : وَلَّى .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كَيْفَ يَشَاءُ ) أَيْ : مِنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ ، وَاللَّوْنِ ، وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافَاتِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كَيْفَ يَشَاءُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ فَقَطْ .
وَ ( كَيْفَ ) هُنَا لِلْجَزَاءِ ، لَكِنَّهَا لَا تَجْزِمُ ، وَمَفْعُولُ ( يَشَاءُ ) مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى ، التَّقْدِيرُ : كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُصَوِّرَكُمْ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) أَيْ : كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُنْفِقَ ، وَ ( كَيْفَ ) مَنْصُوبٌ : بِـ ( يَشَاءُ ) وَالْمَعْنَى : عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ أَنْ يُصَوِّرَكُمْ صَوَّرَكُمْ ، وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ ، وَحَذْفُ فِعْلِ الْجَزَاءِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ : أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ ، التَّقْدِيرُ : أَنْتَ ظَالِمٌ ، إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ ، وَلَا مَوْضِعَ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا فِي الْمَعْنَى ، فَتَعَلُّقُهَا كَتَعَلُّقِ إِنْ فَعَلْتَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتَ ظَالِمٌ .
وَتَفْكِيكُ هَذَا الْكَلَامِ وَإِعْرَابُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، لَا يُهْتَدَى لَهُ إِلَّا بَعْدَ تَمَرُّنٍ فِي الْإِعْرَابِ ، وَاسْتِحْضَارٍ لِلَطَائِفِ النَّحْوِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6كَيْفَ يَشَاءُ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، مَعْمُولُ ( يُصَوِّرُكُمْ ) وَمَعْنَى الْحَالِ أَيْ : يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ قَادِرًا عَلَى تَصْوِيرِكُمْ مَالِكًا ذَلِكَ ، وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ : يُصَوِّرُكُمْ عَلَى مَشِيئَتِهِ ، أَيْ : مُرِيدًا ، فَيَكُونُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ اسْمِ اللَّهِ ، ذَكَرَهُ
أَبُو الْبَقَاءِ ، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ ، أَيْ : يُصَوِّرُكُمْ مُنْقَلِبِينَ عَلَى مَشِيئَتِهِ .
وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ ، الْمَعْنَى : يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ تَصْوِيرَ الْمَشِيئَةِ ، وَكَمَا يَشَاءُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=6لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) كَرَّرَ هَذِهِ
[ ص: 381 ] الْجُمْلَةَ الدَّالَّةَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28675نَفْيِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى ، وَانْحِصَارِهَا فِيهِ ، تَوْكِيدًا لِمَا قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) وَرَدًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى إِلَهِيَّةَ
عِيسَى ، وَنَاسَبَ مَجِيئَهَا بَعْدَ الْوَصْفَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، إِذْ مَنْ هَذَانِ الْوَصْفَانِ لَهُ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْإِلَهِيَّةِ لَا غَيْرُهُ ، ثُمَّ أَتَى بِوَصْفِ الْعِزَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ النَّظِيرِ ، وَالْحِكْمَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَصْوِيرِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْإِتْقَانِ التَّامِّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) مُنَاسَبَةُ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ : لَمَّا ذَكَرَ تَعْدِيلَ الْبِنْيَةِ وَتَصْوِيرَهَا عَلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَشْكَالِ الْحَسَنَةِ ، وَهَذَا أَمْرٌ جُسْمَانِيٌّ ، اسْتَطْرَدَ إِلَى الْعِلْمِ ، وَهُوَ أَمْرٌ رُوحَانِيٌّ ، وَكَانَ قَدْ جَرَى لِوَفْدِ
نَجْرَانَ أَنَّ مِنْ شُبَهِهِمْ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَرُوحٌ مِنْهُ ) فَبَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ مُحْكَمُ الْعِبَارَةِ قَدْ صِينَتْ مِنَ الِاحْتِمَالِ ، وَمِنْهُ مُتَشَابِهٌ ، وَهُوَ مَا احْتَمَلَ وُجُوهًا .
وَنَذْكُرُ أَقَاوِيلَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ، وَقَدْ جَاءَ
nindex.php?page=treesubj&link=29568وَصْفُ الْقُرْآنِ بِأَنَّ آيَاتِهِ مُحْكَمَةٌ ، بِمَعْنَى كَوْنِهِ كَامِلًا ، وَلَفْظُهُ أَفْصَحُ ، وَمَعْنَاهُ أَصَحُّ ، لَا يُسَاوِيهِ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ كَلَامٌ ، وَجَاءَ وَصْفُهُ بِالتَّشَابُهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) مَعْنَاهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْجِنْسِ وَالتَّصْدِيقِ ، وَأَمَّا هُنَا فَالتَّشَابُهُ مَا احْتَمَلَ وَعَجَزَ الذِّهْنُ عَنِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا ، نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=70إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) أَيْ : مُخْتَلِفَ الطُّعُومِ مُتَّفِقَ الْمَنْظَرِ ، وَمِنْهُ : اشْتَبَهَ الْأَمْرَانِ ، إِذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا ، وَيُقَالُ لِأَصْحَابِ الْمَخَارِيقِ : أَصْحَابُ الشُّبَهِ ، وَتَقُولُ : الْكَلِمَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ نَصٌّ ، أَوْ يَحْتَمِلُ رَاجِحًا أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّاجِحِ ظَاهِرٌ ، وَإِلَى الْمَرْجُوحِ مُؤَوَّلٌ ، أَوْ يَحْتَمِلُ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ ، فَمُشْتَرَكٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا ، وَمُجْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ هُوَ الْمُحْكَمُ ، وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ هُوَ الْمُتَشَابِهُ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْفَهْمِ حَاصِلٌ فِي الْقِسْمَيْنِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ ،
وَقَتَادَةُ ،
وَالرَّبِيعُ ،
وَالضَّحَّاكُ : الْمُحْكَمُ النَّاسِخُ ، وَالْمُتَشَابِهُ الْمَنْسُوخُ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ ،
وَعِكْرِمَةُ : الْمُحْكَمُ مَا بَيَّنَ تَعَالَى حَلَالَهَ وَحَرَامَهُ فَلَمْ تَشْتَبِهْ مَعَانِيهِ ، وَالْمُتَشَابِهُ : مَا اشْتَبَهَتْ مَعَانِيهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ،
وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَمَلَ مِنَ التَّأْوِيلِ أَوْجُهًا ، وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْمُحْكَمُ مَا لَمْ تَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ ، وَالْمُتَشَابِهُ : مَا تَكَرَّرَتْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَابْنُ ذِئَابٍ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا : الْمُحْكَمُ مَا فَهِمَ الْعُلَمَاءُ تَفْسِيرَهُ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ : كَقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَخُرُوجِ
عِيسَى .
وَقَالَ
أَبُو عُثْمَانَ : الْمُحْكَمُ الْفَاتِحَةُ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : سُورَةُ الْإِخْلَاصِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ فَقَطْ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : الْمُحْكَمَاتُ مَا لَيْسَ لَهَا تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : الْمُحْكَمَاتُ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تُبَسِّطُ مَعَانِيهَا ، فَكَانَتْ أُمَّ فُرُوعٍ قِيسَتْ عَلَيْهَا وَتَوَلَّدَتْ مِنْهَا ، كَالْأُمِّ يَحْدُثُ مِنْهَا الْوَلَدُ ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهَا أُمَّ الْكِتَابِ ، وَالْمُتَشَابِهُ : الْقِصَصُ وَالْأَمْثَالُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحيْيَ بْنُ يَعْمَرَ : الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ; وَالْمُتَشَابِهُ : الْقِصَصُ وَالْأَمْثَالُ ، وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا قَامَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِدْلَالٍ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا كَانَ مَعَانِي أَحْكَامِهِ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ ، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ ، وَاخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِشَهْرِ رَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ . وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْقِصَصِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=20فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=107فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=40قُلْنَا احْمِلْ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَاسْلُكْ ) .
وَقَالَ
أَبُو فَاخِتَةَ : الْمُحْكَمَاتُ فَوَاتِحُ السُّوَرِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهَا السُّوَرُ : كَـ ( الم ) وَ ( المر ) وَقِيلَ : الْمُتَشَابِهُ فَوَاتِحُ السُّوَرِ ، بِعَكْسِ الْأَوَّلِ . وَقِيلَ : الْمُحْكَمَاتُ : الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ ( الم ) وَ ( المر ) وَمَا اشْتَبَهَ عَلَى الْيَهُودِ مِنْ هَذِهِ وَنَحْوِهَا ، حِينَ سَمِعُوا ( الم ) فَقَالُوا : هَذِهِ بِالْجَمْلِ : أَحَدٌ وَسَبْعُونَ ، فَهُوَ غَايَةُ أَجَلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا ( الر ) وَغَيْرَهَا ، اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ ، أَوْ مَا اشْتَبَهَ مِنَ
النَّصَارَى مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَرُوحٌ مِنْهُ ) .
وَقِيلَ : الْمُتَشَابِهَاتُ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، كَصِفَةِ الْوَجْهِ ، وَالْيَدَيْنِ ، وَالْيَدِ ، وَالِاسْتِوَاءِ . وَقِيلَ : الْمُحْكَمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ ، نَحْوُ قَوْلِهِ :
[ ص: 382 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ) الْآيَاتِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ ) الْآيَاتِ ، وَمَا سِوَى الْمُحْكَمِ مُتَشَابِهٌ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ : الْمُحْكَمَاتُ الَّتِي أُحْكِمَتْ بِالْإِبَانَةِ ، فَإِذَا سَمِعَهَا السَّامِعُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهَا ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ : مَا خَالَفَتْ ذَلِكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ : الْمُحْكَمُ مَا فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ . وَقَالَ
ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادَ : الْمُتَشَابِهُ مَا لَهُ وُجُوهٌ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ ، كَالْآيَتَيْنِ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، عَلِيٌّ
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ : تَعْتَدُّ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ ،
وَعُمَرُ وَزَيْدٌ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ : وَضْعُ الْحَمْلِ ، وَخِلَافُهُمْ فِي النَّسْخِ . وَكَالِاخْتِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ هَلْ نُسِخَتْ أَمْ لَا ، وَنَحْوُ تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ أَيُّهُمَا أَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ إِذَا لَمْ يُعْرَفِ النَّسْخُ ؟ نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) يَقْتَضِي الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ) يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ؟
وَمَعْنَى ( أُمُّ الْكِتَابِ ) مُعْظَمُ الْكِتَابِ ، إِذِ الْمُحْكَمُ فِي آيَاتِ اللَّهِ كَثِيرٌ قَدْ فُصِّلَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ : هَذَا كَمَا يُقَالُ
لِمَكَّةَ :
أُمُّ الْقُرَى ، وَلِمَرْوَ :
أُمُّ خُرَاسَانَ ، وَأُمُّ الرَّأْسِ : لِمُجْتَمَعِ الشُّئُونِ ؛ إِذْ هُوَ أَخْطَرُ مَكَانٍ .
وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : جِمَاعُ الْكِتَابِ ، وَلَمْ يَقُلْ : أُمَّهَاتٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُحْكَمَاتِ فِي تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَمَجْمُوعُ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَآخَرَ ، وَأَحَدُهُمَا أُمٌّ لِلْآخَرِ ، وَنَظِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=50وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) وَلَمْ يَقُلِ : اثْنَيْنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ( هُنَّ ) أَيْ : كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) أَيْ : كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ . قِيلَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَفْرَدَ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ ، نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( أُمُّ الْكِتَابِ ) أَيْ : أَصْلُ الْكِتَابِ ، تُحْمَلُ الْمُتَشَابِهَاتُ عَلَيْهَا ، وَتُرَدُّ إِلَيْهَا ، وَمِثَالُ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) انْتَهَى ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ الِاعْتِزَالِيِّ فِي أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى ، فَجَعَلَ الْمُحْكَمَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَالْمُتَشَابِهَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ،
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَعْكِسُونَ هَذَا ، أَوْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَالرُّؤْيَةِ ، وَذُكِرَ مِنَ الْمُحْكَمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=52لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) وَمُتَشَابِهِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) ظَاهِرُ النِّسْيَانِ ضِدُّ الْعِلْمِ ، وَمَرْجُوحُهُ التَّرْكُ ، وَأَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ، فَمَا وَافَقَ الْمَذْهَبَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مُحْكَمٌ ، وَمَا خَالَفَ فَهُوَ مُتَشَابِهٌ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=29فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ مُحْكَمٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) مُتَشَابِهٌ ، وَغَيْرُهُمْ بِالْعَكْسِ .
وَصَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الرَّاجِحِ إِلَى الْمَرْجُوحِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، فَإِنْ كَانَ لَفْظِيًّا فَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِحُصُولِ التَّعَارُضِ ، وَلَيْسَ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ، وَلَا قَطْعَ فِي الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ ، سَوَاءٌ كَانَ نَصًّا أَوْ أُرْجِحَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أُمُورٍ ظَنِّيَّةٍ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ ، فَإِذَنِ الْمَصِيرُ إِلَى الْمَرْجُوحِ لَا يَكُونُ بِوَاسِطَةِ الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَاطِعَةِ ، وَإِذَا عُلِمَ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ الْمُرَادِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَرْجِيحَ مَجَازٍ عَلَى مَجَازٍ ، وَتَأْوِيلٍ عَلَى تَأْوِيلٍ .
وَمِنَ الْمَلَاحِدَةِ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُتَشَابِهِ وَقَالَ : يَقُولُونَ إِنَّ تَكَالِيفَ الْخَلْقِ مُرْتَبِطَةٌ بِهَذَا الْقُرْآنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ إِنَّا نَرَاهُ يَتَمَسَّكُ بِهِ صَاحِبُ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى مَذْهَبِهِ ، فَالْجَبْرِيُّ يَتَمَسَّكُ بِآيَاتِ الْجَبْرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) ، وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ : هَذَا مَذْهَبُ الْكُفَّارِ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ) وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) .
وَمُثْبِتُو الرُّؤْيَةِ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) وَالْآخَرُونَ ، بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) ، وَمُثْبِتُو الْجِهَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) وَالْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْمُحْكَمِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَرْجُوحِ إِلَيْهِ هَكَذَا ؟ انْتَهَى كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرِ الرَّازِيِّ ، وَبَعْضُهُ مُلَخَّصٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِمَجِيءِ الْمُتَشَابِهِ فَوَائِدَ ، وَأَحْسَنُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، قَالَ : فَإِنْ قُلْتَ : فَهَلَّا كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمًا ؟ قُلْتُ : لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُحْكَمًا لَتَعَلَّقَ النَّاسُ بِهِ لِسُهُولَةِ مَأْخَذِهِ ، وَلَأَعْرَضُوا عَمَّا يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى الْفَحْصِ وَالتَّأَمُّلِ مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَعَطَّلُوا الطَّرِيقَ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ
[ ص: 383 ] وَتَوْحِيدِهِ إِلَّا بِهِ ، وَلِمَا فِي الْمُتَشَابِهِ مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الثَّابِتِ عَلَى الْحَقِّ وَالْمُتَزَلْزِلِ فِيهِ ، وَلِمَا فِي تَقَادُحِ الْعُلَمَاءِ وَإِتْقَانِهِمُ الْقَرَائِحَ فِي اسْتِخْرَاجِ مَعَانِيهِ ، وَرَدِّهِ إِلَى الْمُحْكَمِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ ، وَالْعُلُومِ الْجَمَّةِ ، وَنَيْلِ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنَ - الْمُعْتَقِدَ أَنْ لَا مُنَاقَضَةَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا اخْتِلَافَ - إِذَا رَأَى فِيهِ مَا يَتَنَاقَضُ فِي ظَاهِرِهِ ، وَأَهَمَّهُ طَلَبُ مَا يُوَفِّقُ بَيْنَهُ وَيُجْرِيهِ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ ، فَفَكَّرَ وَرَاجَعَ نَفْسَهُ وَغَيَّرَهُ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَتَبَيَّنَ مُطَابَقَةَ الْمُتَشَابِهِ الْمُحْكَمِ ، ازْدَادَ طُمَأْنِينَةً إِلَى مُعْتَقَدِهِ ، وَقُوَّةً فِي إِتْقَانِهِ ، انْتَهَى كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ ، وَهُوَ مُؤَلَّفٌ مِمَّا قَالَهُ النَّاسُ فِي فَائِدَةِ الْمَجِيءِ بِالْمُتَشَابِهِ فِي الْقُرْآنِ .
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَوَّلَ السُّورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) ذَكَرَ هُنَا كَيْفِيَّةَ الْكِتَابِ ، وَأَتَى بِالْمَوْصُولِ ، إِذْ فِي صِلَتِهِ حِوَالَةٌ عَلَى التَّنْزِيلِ السَّابِقِ ، وَعَهْدٌ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ) إِلَى آخِرِهِ ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ : تَرَكَهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا ، وَارْتَفَعَ ( آيَاتٌ ) ، عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِالْمَجْرُورِ ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اعْتُمِدَ ، وَيَجُوزُ ارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً ، وَوَصْفُ الْآيَاتِ بِالْإِحْكَامِ صَادِقٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مُحْكَمَةٌ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) فَأُخَرُ صِفَةٌ لِآيَاتٍ مَحْذُوفَةٍ ، وَالْوَصْفُ بِالتَّشَابُهِ لَا يَصِحُّ فِي مُفْرَدِ أُخَرَ ، لَوْ قُلْتَ : وَأُخْرَى مُتَشَابِهَةٌ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضًا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا هَذَا الْمَعْنَى ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّشَابُهَ الْمَقْصُودَ هُنَا لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ، فَلِذَلِكَ صَحَّ هَذَا الْوَصْفُ مَعَ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ يُشَابِهُ الْبَاقِيَ ، وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ ، فَهُوَ نَظِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ) وَإِنْ كَانَ لَا يُقَالُ : رَجُلٌ يَقْتَتِلُ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أُخَرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ
الَمَهْدَوِيَّ خَلَطَ فِي مَسْأَلَةِ : أُخَرَ ، وَأَفْسَدَ كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، فَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ
الَمَهْدَوِيِّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) هُمْ نَصَارَى
نَجْرَانَ لِتُعَرُّضِهِمْ لِلْقُرْآنِ فِي أَمْرِ
عِيسَى ، قَالَهُ
الرَّبِيعُ ، أَوِ الْيَهُودُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَالْكَلْبِيُّ ؛ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا بَقَاءَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ ، وَالزَّيْغُ : عِنَادُهُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : هُوَ الْأَشْبَهُ ، وَذَكَرَ مُحَاوَرَةَ
حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَأَصْحَابِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُدَّةِ مِلَّتِهِ ، وَاسْتِخْرَاجَ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاتِحِ ، وَانْتِقَالَهُمْ مِنْ عَدَدٍ إِلَى عَدَدٍ إِلَى أَنْ قَالُوا : خَلَطَتْ عَلَيْنَا فَلَا نَدْرِي بِكَثِيرٍ نَأْخُذُ أَمْ بِقَلِيلٍ ؟ وَنَحْنُ لَا نُؤْمِنُ بِهَذَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) الْآيَةَ ، وَفَسَّرَ الزَّيْغَ : بِالْمَيْلِ عَنِ الْهُدَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُمْ مُنْكِرُو الْبَعْثِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) وَمَا ذَاكَ إِلَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، فَإِنَّهُ أَخْفَاهُ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ أَيْضًا : هُمُ الْحَرُورِيَّةُ ، وَهُمُ الْخَوَارِجُ ، وَمَنْ تَأَوَّلَ آيَةً لَا فِي مَحَلِّهَا ، وَقَالَ أَيْضًا : إِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَرُورِيَّةُ هُمُ الْخَوَارِجُ السَّبَائِيَّةُ ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، وَقِيلَ : هُمْ جَمِيعُ الْمُبْتَدِعَةِ .
وَظَاهِرُ اللَّفْظِ الْعُمُومُ فِي الزَّائِغِينَ عَنِ الْحَقِّ ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّنْ ذَكَرَ زَائِغَةٌ عَنِ الْحَقِّ ، فَاللَّفْظُ يَشْمَلُهُمْ وَإِنْ كَانَ نَزَلَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ ، فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : مُتَّبِعُو الْمُتَشَابِهِ إِمَّا طَالِبُو تَشْكِيكٍ وَتَنَاقُضٍ وَتَكْرِيرٍ ، وَإِمَّا طَالِبُو ظَوَاهِرِ الْمُتَشَابِهِ : كَالْمُجَسِّمَةِ إِذْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ جِسْمٌ وَصُورَةٌ ذَاتُ وَجْهٍ وَعَيْنٍ وَيَدٍ وَجَنْبٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ ، وَإِمَّا مُتَّبِعُو إِبْدَاءِ تَأْوِيلٍ وَإِيضَاحِ مُعَايَنَةٍ ، كَمَا سَأَلَ رَجُلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ أَشْيَاءَ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ ، مِمَّا ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ ، نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَأَجَابَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا أَزَالَ عَنْهُ التَّعَارُضَ ، وَإِمَّا مُتَّبِعُوهُ وَسَائِلُونَ عَنْهُ سُؤَالَ تَعَنُّتٍ ، كَمَا جَرَى
لِأُصَيْبِغَ مَعَ
عُمَرَ ، فَضَرَبَ
عُمَرُ رَأْسَهُ حَتَّى جَرَى دَمُهُ عَلَى وَجْهِهِ ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) عَلَّلَ اتِّبَاعَهُمْ لِلْمُتَشَابِهِ بِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : ابْتِغَاءُ
[ ص: 384 ] الْفِتْنَةِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ ،
وَرَبِيعٌ ،
وَمُقَاتِلٌ ،
وَابْنُ قُتَيْبَةَ : هِيَ الْكُفْرُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الشُّبُهَاتُ وَاللَّبْسُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : إِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيِّنِ . وَقِيلَ : الشُّبُهَاتُ الَّتِي حَاجَّ بِهَا وَفْدَ
نَجْرَانَ .
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ : ابْتِغَاءُ التَّأْوِيلِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : ابْتَغَوْا مَعْرِفَةَ مُدَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ : التَّأْوِيلُ : التَّفْسِيرُ ، نَحْوُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : طَلَبُوا مَرْجِعَ أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَآلَ كِتَابِهِمْ وَدِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ ، وَالْعَاقِبَةَ الْمُنْتَظَرَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : طَلَبُوا تَأْوِيلَ بَعْثِهِمْ وَإِحْيَائِهِمْ ، فَأَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ ، وَوَقْتَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ مِنَ الْبَعْثِ وَالْعَذَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ أَيْ : تَرَكُوهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا أَيْ : قَدْ رَأَيْنَا تَأْوِيلَ مَا أَنْبَأَتْنَا بِهِ الرُّسُلُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : أَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا عَوَاقِبَ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُهُ مَتَى يُنْسَخُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَقِيلَ : ( تَأْوِيلَهُ ) طَلَبُ كُنْهِ حَقِيقَتِهِ وَعُمْقِ مَعَانِيهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ كَلَامًا مُلَخَّصُهُ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ مَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ، مِثْلُ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ وَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ ، فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَيَتَعَلَّقُونَ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يَحْتَمِلُ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُبْتَدِعُ مِمَّا لَا يُطَابِقُ الْمُحْكَمَ ، وَيَحْتَمِلُ مَا يُطَابِقُهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ ، ( ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) طَلَبَ أَنْ يَفْتِنُوا النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ وَيُضِلُّوهُمْ ، وَ ( ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) طَلَبَ أَنْ يُؤَوِّلُوُهُ التَّأْوِيلَ الَّذِي يَشْتَهُونَهُ ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ .