قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28993ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من الناس بعضا يجادل في الله بغير علم ؛ أي : يخاصم في الله بأن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله وكماله ، كالذي يدعي له الأولاد والشركاء ، ويقول : إن القرآن أساطير الأولين ، ويقول : لا يمكن أن يحيي الله العظام الرميم ،
كالنضر بن الحارث ،
والعاص بن وائل ،
وأبي جهل بن هشام ، وأمثالهم من كفار
مكة الذين جادلوا في الله ذلك الجدال الباطل بغير مستند ، من علم عقلي ، ولا نقلي ، ومع جدالهم في الله ذلك الجدال الباطل يتبعون كل شيطان مريد ؛ أي : عات طاغ من شياطين الإنس والجن كتب عليه [ 22 \ 3 ] ؛ أي : كتب الله عليه كتابة قدر وقضاء أنه من تولاه [ 22 \ 3 ] ؛ أي : كل من صار وليا له ؛ أي : للشيطان المريد المذكور ، فإنه يضله عن طريق الجنة إلى النار ، وعن طريق الإيمان إلى الكفر ، ويهديه إلى عذاب السعير ؛ أي : النار الشديدة الوقود .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن بعض الجهال كالكفار يجادل في
[ ص: 262 ] الله بغير علم ؛ أي : يخاصم فيه بغير مستند من علم بينه في غير هذا الموضع ; كقوله في هذه السورة الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=9ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله [ 22 \ 8 - 9 ] الآية ، وقوله تعالى في لقمان :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير [ 31 \ 20 - 21 ] فقوله في آية لقمان هذه :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير كقوله في الحج :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] وهذه الآية الكريمة التي هي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3ومن الناس من يجادل في الله بغير علم [ 22 \ 3 ] الآية ، يدخل فيما تضمنته من الوعيد والذم : أهل البدع والضلال ، المعرضين عن الحق ، المتبعين للباطل ، يتركون ما أنزل الله على رسوله من الحق المبين ، ويتبعون أقوال رؤساء الضلالة الدعاة إلى البدع والأهواء والآراء ، بقدر ما فعلوا من ذلك ؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب .
ومن الآيات الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=29702مجادلة الكفار في الله بغير علم ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 77 - 78 ] ، وقوله في أول النحل :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ 16 \ 4 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق [ 18 \ 56 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=16والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد [ 42 \ 16 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون [ 43 \ 58 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين [ 6 \ 25 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة ، وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، من أنه قدر وقضى أن من تولى الشيطان فإن الشيطان يضله ويهديه إلى عذاب السعير ، بينه في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [ 35 \ 6 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير [ 31 \ 21 ] ، وقوله تعالى عن نبيه وخليله
إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا [ 19 \ 45 ] ، وقوله
[ ص: 263 ] تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر [ 24 \ 21 ] إلى غير ذلك من الآيات .
واعلم أنه يفهم من دليل خطاب هذه الآية الكريمة ، أعني مفهوم مخالفتها : أنه من يجادل بعلم على ضوء هدى كتاب منير ، كهذا القرآن العظيم ; ليحق الحق ويبطل الباطل بتلك المجادلة الحسنة - أن ذلك سائغ محمود ; لأن مفهوم قوله : بغير علم [ 22 \ 3 ] أنه إن كان بعلم فالأمر بخلاف ذلك ، وليس في ذلك اتباع للشيطان ، ويدل لهذا المفهوم المذكور قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي في تفسيره : هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ; لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة ، فالمجادلة الباطلة : هي المراد من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58ما ضربوه لك إلا جدلا [ 43 \ 58 ] والمجادلة الحقة هي المراد من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] ا هـ منه .
وقوله تعالى في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4عذاب السعير [ 22 \ 4 ] يعني عذاب النار ، فالسعير النار ، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها . والظاهر أن أصل السعير فعيل ، بمعنى مفعول ، من قول العرب : سعر النار يسعرها ، كمنع يمنع : إذا أوقدها ، وكذلك سعرها بالتضعيف ، وعلى لغة التضعيف والتخفيف القراءتان السبعيتان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وإذا الجحيم سعرت [ 81 \ 12 ] فقد قرأه من السبعة
نافع وابن عامر في رواية
ابن ذكوان ،
وعاصم في رواية
حفص : سعرت بتشديد العين ، وقرأه الباقون بتخفيف العين ، ومما جرى من كلام العرب على نحو قراءة
نافع وابن ذكوان وحفص ، قول بعض شعراء الحماسة :
قالت له عرسه يوما لتسمعني مهلا فإن لنا في أمنا أربا ولو رأتني في نار مسعرة
ثم استطاعت لزادت فوقها حطبا
إذ لا يخفى أن قوله : مسعرة : اسم مفعول سعرت بالتضعيف ، وبما ذكرنا يظهر أن أصل السعير : فعيل بمعنى اسم المفعول ؛ أي : النار المسعرة ؛ أي : الموقدة إيقادا شديدا ; لأنها بشدة الإيقاد يزداد حرها عياذا بالله منها ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل .
وفي ذلك لغة ثالثة ، إلا أنها ليست في القرآن ، وهي أسعر النار . بصيغة أفعل ، بمعنى : أوقدها .
[ ص: 264 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] يدل على أن الهدى كما أنه يستعمل في الإرشاد والدلالة على الخير ، يستعمل أيضا في الدلالة على الشر ، لأنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4ويهديه إلى عذاب السعير ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فاهدوهم إلى صراط الجحيم [ 37 \ 23 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار الآية [ 28 \ 41 ] لأن الإمام هو من يقتدى به في هديه وإرشاده .
وإطلاق الهدى في الضلال كما ذكرنا أسلوب عربي معروف وكلام البلاغيين في مثل ذلك ، بأن فيه استعارة عنادية ، وتقسيمهم العنادية إلى تهكمية وتمليحية معروف ، كما أشرنا إليه سابقا ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3كل شيطان مريد [ 22 \ 3 ] قد أوضحنا معنى الشيطان في سورة الحجر ، والمريد والمارد في اللغة العربية : العاتي ، تقول : مرد الرجل - بالضم - يمرد ، فهو مارد ومريد : إذا كان عاتيا . والظاهر أن الشيطان في هذه الآية ، يشمل كل عات يدعو إلى عذاب السعير ويضل عن الهدى ، سواء كان من شياطين الجن أو الإنس ، والله تعالى أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28993وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ . ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ مِنَ النَّاسِ بَعْضًا يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ أَيْ : يُخَاصِمُ فِي اللَّهِ بِأَنْ يَنْسِبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ ، كَالَّذِي يَدَّعِي لَهُ الْأَوْلَادَ وَالشُّرَكَاءَ ، وَيَقُولُ : إِنَّ الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وَيَقُولُ : لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْيِيَ اللَّهُ الْعِظَامَ الرَّمِيمَ ،
كَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ،
وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ ،
وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ كُفَّارِ
مَكَّةَ الَّذِينَ جَادَلُوا فِي اللَّهِ ذَلِكَ الْجِدَالَ الْبَاطِلَ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ ، مِنْ عِلْمٍ عَقْلِيٍّ ، وَلَا نَقْلِيٍّ ، وَمَعَ جِدَالِهِمْ فِي اللَّهِ ذَلِكَ الْجِدَالَ الْبَاطِلَ يَتَّبِعُونَ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ؛ أَيْ : عَاتٍ طَاغٍ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كُتِبَ عَلَيْهِ [ 22 \ 3 ] ؛ أَيْ : كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ كِتَابَةَ قَدَرٍ وَقَضَاءٍ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ [ 22 \ 3 ] ؛ أَيْ : كُلُّ مَنْ صَارَ وَلِيًّا لَهُ ؛ أَيْ : لِلشَّيْطَانِ الْمَرِيدِ الْمَذْكُورِ ، فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ ، وَعَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ ، وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ؛ أَيْ : النَّارِ الشَّدِيدَةِ الْوَقُودِ .
وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ كَالْكُفَّارِ يُجَادِلُ فِي
[ ص: 262 ] اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ أَيْ : يُخَاصِمُ فِيهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ مِنْ عِلْمٍ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=9ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ 22 \ 8 - 9 ] الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي لُقْمَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ 31 \ 20 - 21 ] فَقَوْلُهُ فِي آيَةِ لُقْمَانَ هَذِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ 22 \ 4 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [ 22 \ 3 ] الْآيَةَ ، يَدْخُلُ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْوَعِيدِ وَالذَّمِ : أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ ، الْمُعْرِضِينَ عَنِ الْحَقِّ ، الْمُتَّبِعِينَ لِلْبَاطِلِ ، يَتْرُكُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ ، وَيَتَّبِعُونَ أَقْوَالَ رُؤَسَاءِ الضَّلَالَةِ الدُّعَاةِ إِلَى الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ ، بِقَدْرِ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ .
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29702مُجَادَلَةِ الْكَفَّارِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [ 36 \ 77 - 78 ] ، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ النَّحْلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [ 16 \ 4 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [ 18 \ 56 ] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=16وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [ 42 \ 16 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [ 43 \ 58 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [ 6 \ 25 ] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، مِنْ أَنَّهُ قَدَّرَ وَقَضَى أَنَّ مَنْ تَوَلَّى الشَّيْطَانَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [ 35 \ 6 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ 31 \ 21 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [ 19 \ 45 ] ، وَقَوْلِهِ
[ ص: 263 ] تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [ 24 \ 21 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ خِطَابِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، أَعْنِي مَفْهُومَ مُخَالَفَتِهَا : أَنَّهُ مَنْ يُجَادِلُ بِعِلْمٍ عَلَى ضَوْءِ هُدَى كِتَابٍ مُنِيرٍ ، كَهَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ; لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ بِتِلْكَ الْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ - أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ مَحْمُودٌ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ : بِغَيْرِ عِلْمٍ [ 22 \ 3 ] أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِعِلْمٍ فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِلشَّيْطَانِ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَفْهُومِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ 16 \ 125 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : هَذِهِ الْآيَةُ بِمَفْهُومِهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُجَادَلَةِ الْحَقَّةِ ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْمُجَادَلَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالدَّلَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُجَادَلَةَ مَعَ الْعِلْمِ جَائِزَةٌ ، فَالْمُجَادَلَةُ الْبَاطِلَةُ : هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=58مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [ 43 \ 58 ] وَالْمُجَادَلَةُ الْحَقَّةُ هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ 16 \ 125 ] ا هـ مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4عَذَابِ السَّعِيرِ [ 22 \ 4 ] يَعْنِي عَذَابَ النَّارِ ، فَالسَّعِيرُ النَّارُ ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ السَّعِيرِ فَعِيلٌ ، بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : سَعَرَ النَّارَ يَسْعَرُهَا ، كَمَنَعَ يَمْنَعُ : إِذَا أَوْقَدَهَا ، وَكَذَلِكَ سَعَّرَهَا بِالتَّضْعِيفِ ، وَعَلَى لُغَةِ التَّضْعِيفِ وَالتَّخْفِيفِ الْقِرَاءَتَانِ السَّبْعِيَّتَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [ 81 \ 12 ] فَقَدْ قَرَأَهُ مِنَ السَّبْعَةِ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ ذَكْوَانَ ،
وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
حَفْصٍ : سُعِّرَتْ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ ، وَمِمَّا جَرَى مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَةِ
نَافِعٍ وَابْنِ ذَكْوَانَ وَحَفْصٍ ، قَوْلُ بَعْضِ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ :
قَالَتْ لَهُ عُرْسَهُ يَوْمًا لِتُسْمِعَنِي مَهْلًا فَإِنَّ لَنَا فِي أُمِّنَا أَرَبَا وَلَوْ رَأَتْنِي فِي نَارٍ مُسَعَّرَةٍ
ثُمَّ اسْتَطَاعَتْ لَزَادَتْ فَوْقَهَا حَطَبَا
إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ : مُسَعَّرَةٍ : اسْمُ مَفْعُولِ سُعِّرَتْ بِالتَّضْعِيفِ ، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَظْهَرُ أَنَّ أَصْلَ السَّعِيرِ : فَعِيلٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ ؛ أَيْ : النَّارُ الْمُسَعَّرَةُ ؛ أَيْ : الْمُوقَدَةُ إِيقَادًا شَدِيدًا ; لِأَنَّهَا بِشِدَّةِ الْإِيقَادِ يَزْدَادُ حَرُّهَا عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ .
وَفِي ذَلِكَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ ، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ ، وَهِيَ أَسْعَرَ النَّارَ . بِصِيغَةِ أَفْعَلَ ، بِمَعْنَى : أَوْقَدَهَا .
[ ص: 264 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ 22 \ 4 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهُدَى كَمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِرْشَادِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ ، يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الشَّرِّ ، لِأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=4وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [ 37 \ 23 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ الْآيَةَ [ 28 \ 41 ] لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي هَدْيِهِ وَإِرْشَادِهِ .
وَإِطْلَاقُ الْهُدَى فِي الضَّلَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ وَكَلَامُ الْبَلَاغِيِّينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، بِأَنَّ فِيهِ اسْتِعَارَةً عِنَادِيَّةً ، وَتَقْسِيمُهُمُ الْعِنَادِيَّةَ إِلَى تَهَكُّمِيَّةٍ وَتَمْلِيحِيَّةٍ مَعْرُوفٌ ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ سَابِقًا ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [ 22 \ 3 ] قَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى الشَّيْطَانِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ ، وَالْمَرِيدُ وَالْمَارِدُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ : الْعَاتِي ، تَقُولُ : مَرُدَ الرَّجُلُ - بِالضَّمِّ - يَمْرُدُ ، فَهُوَ مَارِدٌ وَمَرِيدٌ : إِذَا كَانَ عَاتِيًا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْطَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، يَشْمَلُ كُلَّ عَاتٍ يَدْعُو إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ وَيُضِلُّ عَنِ الْهُدَى ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ أَوِ الْإِنْسِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .