قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28760_30337_30340_28993ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا .
هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها ، تدل على أن جدال الكفار المذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3ومن الناس من يجادل في الله بغير علم يدخل فيه جدالهم في إنكار البعث ، زاعمين أنه جل وعلا لا يقدر أن يحيي العظام الرميم ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] وكقوله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=29وما نحن بمبعوثين [ 6 \ 29 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=35وما نحن بمنشرين [ 44 \ 35 ] ونحو ذلك من الآيات ، كما قدمنا الإشارة إليه قريبا .
ولأجل ذلك أقام تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=30337_30340البراهين العظيمة على بعث الناس من قبورهم أحياء إلى عرصات القيامة للحساب ، والجزاء فقال جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب [ 22 \ 5 ] فمن أوجدكم الإيجاد الأول ، وخلقكم من التراب لا شك أنه قادر على إيجادكم ، وخلقكم مرة ثانية ، بعد أن بليت عظامكم ،
[ ص: 265 ] واختلطت بالتراب ; لأن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من ابتداء الفعل ، وهذا البرهان القاطع على القدرة على البعث - الذي هو خلقه تعالى للخلائق المرة الأولى - المذكور هنا ، جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ 30 \ 27 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 79 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [ 21 \ 104 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة [ 17 \ 51 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد [ 50 \ 15 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون [ 56 \ 62 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37ألم يك نطفة من مني يمنى إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ 75 \ 40 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا ، وقد أوضحنا ذلك في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة ، وسورة النحل وغيرهما ، ولأجل قوة دلالة هذا البرهان المذكور على البعث بين جل وعلا أن من أنكر البعث فهو ناس للإيجاد الأول كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه [ 36 \ 78 ] ، إذ لو تذكر الإيجاد الأول على الحقيقة ، لما أمكنه إنكار الإيجاد الثاني ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [ 19 \ 66 - 67 ] إذ لو تذكر ذلك تذكرا حقيقيا لما أنكر الخلق الثاني ، وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إن كنتم في ريب من البعث [ 22 \ 5 ] ؛ أي في شك من أن الله يبعث الأموات ، فالريب في القرآن يراد به الشك ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإنا خلقناكم من تراب قد قدمنا في سورة طه : أن التحقيق في معنى خلقه للناس من تراب ، أنه خلق أباهم آدم منها ، ثم خلق منه زوجه ، ثم خلقهم منهما عن طريق التناسل ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب [ 3 \ 59 ] فلما كان أصلهم الأول من تراب ، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب ; لأن الفروع تبع للأصل .
وقد بينا في طه أيضا أن قول من زعم أن معنى خلقه إياهم من تراب : أنه خلقهم من النطف ، والنطف من الأغذية ، والأغذية راجعة إلى التراب - غير صحيح ، وقد بينا هناك الآيات الدالة على بطلان هذا القول .
وقد ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=treesubj&link=32688أطوار خلق الإنسان ، فبين أن ابتداء خلقه من
[ ص: 266 ] تراب كما أوضحنا آنفا ، فالتراب هو الطور الأول .
والطور الثاني هو النطفة ، والنطفة في اللغة : الماء القليل ، ومنه قول الشاعر وهو رجل من
بني كلاب :
وما عليك إذا أخبرتني دنفا وغاب بعلك يوما أن تعوديني
وتجعلي نطفة في القعب باردة
وتغمسي فاك فيها ثم تسقيني
فقوله : وتجعلي نطفة ؛ أي : ماء قليلا في القعب ، والمراد بالنطفة في هذه الآية الكريمة : نطفة المني ، وقد قدمنا في سورة النحل : أن النطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة ، خلافا لمن زعم أنها من ماء الرجل وحده .
الطور الثالث : العلقة ، وهي القطعة من العلق ، وهو الدم الجامد ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم من علقة [ 22 \ 5 ] ؛ أي قطعة دم جامدة ، ومن إطلاق العلق على الدم المذكور قول
زهير :
إليك أعملتها فتلا مرافقها شهرين يجهض من أرحامها العلق
الطور الرابع : المضغة : وهي القطعة الصغيرة من اللحم ، على قدر ما يمضغه الآكل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008439إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله " الحديث .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مخلقة وغير مخلقة في معناه أوجه معروفة عند العلماء ، سنذكرها هنا إن شاء الله ، ونبين ما يقتضي الدليل رجحانه .
منها أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مخلقة وغير مخلقة صفة للنطفة ، وأن المخلقة هي ما كان خلقا سويا ، وغير المخلقة هي ما دفعته الأرحام من النطف ، وألقته قبل أن يكون خلقا ، وممن روي عنه هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، نقله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره ، ولا يخفى بعد هذا القول ; لأن المخلقة وغير المخلقة من صفة المضغة ، كما هو ظاهر .
ومنها : أن معنى ( مخلقة ) تامة ، و ( غير مخلقة ) أي : غير تامة ، والمراد بهذا القول عند قائله : أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة ، منها ما هو كامل الخلقة ، سالم من العيوب ، ومنها ما هو على عكس ذلك ، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم ، وصورهم ، وطولهم ، وقصرهم ، وتمامهم ، ونقصانهم .
وممن روي عنه هذا القول :
قتادة كما نقله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره ، وعزاه
الرازي لقتادة والضحاك . ومنها : أن معنى مخلقة مصورة إنسانا ، وغير مخلقة ؛ أي : غير مصورة إنسانا كالسقط الذي هو مضغة ، ولم يجعل له تخطيط وتشكيل ، وممن نقل عنه هذا القول :
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
وأبو العالية ، كما نقله
[ ص: 267 ] عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري .
ومنها : أن المخلقة : هي ما ولد حيا ، وغير المخلقة : هي ما كان من سقط .
وممن روي عنه هذا القول :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما . وقال صاحب الدر المنثور : إنه أخرجه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وصححه ونقله عنه
القرطبي ، وأنشد لذلك قول الشاعر :
أفي غير المخلقة البكاء فأين الحزم ويحك والحياء
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : المخلقة : المصورة خلقا تاما . وغير المخلقة : السقط قبل تمام خلقه ; لأن المخلقة وغير المخلقة من نعت المضغة ، والنطفة بعد مصيرها مضغة لم يبق لها حتى تصير خلقا سويا إلا التصوير . وذلك هو المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مخلقة وغير مخلقة [ 22 \ 5 ] خلقا سويا ، وغير مخلقة : بأن تلقيه الأم مضغة بلا تصوير ، ولا ينفخ الروح . انتهى منه .
وهذا القول الذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، اختاره أيضا غير واحد من أهل العلم .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذا القول الذي اختاره الإمام الجليل
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري رحمه الله تعالى ، لا يظهر صوابه ، وفي نفس الآية الكريمة قرينة تدل على ذلك ، وهي قوله جل وعلا في أول الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإنا خلقناكم من تراب [ 22 \ 5 ] لأنه على القول المذكور الذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري يصير المعنى : ثم خلقناكم من مضغة مخلقة ، وخلقناكم من مضغة غير مخلقة . وخطاب الناس بأن الله خلق بعضهم من مضغة غير مصورة ، فيه من التناقض كما ترى ; فافهم .
فإن قيل : في نفس الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بغير المخلقة : السقط ; لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى [ 22 \ 5 ] يفهم منه أن هناك قسما آخر لا يقره الله في الأرحام ، إلى ذلك الأجل المسمى ، وهو السقط .
فالجواب : أنه لا يتعين فهم السقط من الآية ; لأن الله يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره إلى أجل مسمى ، فقد يقره ستة أشهر ، وقد يقره تسعة ، وقد يقره أكثر من ذلك كيف شاء .
أما السقط : فقد دلت الآية على أنه غير مراد بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإنا خلقناكم ; لأن السقط الذي تلقيه أمه ميتا ، ولو بعد التشكيل والتخطيط ، لم يخلق الله منه إنسانا واحدا من المخاطبين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فإنا خلقناكم من تراب الآية . فظاهر القرآن يقتضي أن كلا من
[ ص: 268 ] المخلقة وغير المخلقة : يخلق منه بعض المخاطبين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة الآية .
وبذلك تعلم أن أولى الأقوال في الآية هو القول الذي لا تناقض فيه ; لأن القرآن أنزل ليصدق بعضه بعضا ، لا ليتناقض بعضه مع بعض ، وذلك هو القول الذي قدمنا عن
قتادة والضحاك ، وقد اقتصر عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف ، ولم يحك غيره .
وهو أن المخلقة هي التامة ، وغير المخلقة هي غير التامة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف : والمخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب ، يقال : خلق السواك والعود : إذا سواه وملسه . من قولهم : صخرة خلقاء : إذا كانت ملساء ، كأن الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة ; منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ، ومنها ما هو على عكس ذلك ، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم . انتهى منه .
وهذا المعنى الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري معروف في كلام العرب ، تقول العرب : حجر أخلق ؛ أي : أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء ، وصخرة خلقاء بينة الخلق ؛ أي : ليس فيها وصم ، ولا كسر ، ومنه قول
الأعشى :
قد يترك الدهر في خلقاء راسية وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا
و " الدهر " في البيت فاعل " يترك " والمفعول به : وهيا . يعني : أن صرف الدهر قد يؤثر في الحجارة الصم السالمة من الكسر والوصم ، فيكسرها ويوهيها ، ويؤثر في العصم من الأوعال برءوس الجبال ، فينزلها من معاقلها ، ومن ذلك أيضا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12572ابن أحمر يصف فرسا ، وقد أنشده صاحب اللسان للمعنى المذكور :
بمقلص درك الطريدة متنه كصفا الخليقة بالفضاء الملبد
فقوله : كصفا الخليقة ، يعني : أن متن الفرس المذكور كالصخرة الملساء التي لا كسر فيها ولا وصم ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته . والسهم المخلق : هو الأملس المستوي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وهذا القول هو أولى الأقوال بالصواب - فيما يظهر لي - لجريانه على اللغة التي نزل بها القرآن ، وسلامته من التناقض ، والله جل وعلا أعلم .
[ ص: 269 ] وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لنبين لكم ؛ أي : لنبين لكم بهذا النقل من طور إلى طور ، كمال قدرتنا على البعث بعد الموت ، وعلى كل شيء ، لأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ، ثم من نطفة ثانيا ، مع ما بين النطفة والتراب من المنافاة والمغايرة ، وقدر على أن يجعل النطفة علقة ، مع ما بينهما من التباين والتغاير ، وقدر على أن يجعل العلقة مضغة ، والمضغة عظاما ، فهو قادر بلا شك على إعادة ما بدأه من الخلق ، كما هو واضح .
وقوله : لنبين الظاهر أنه متعلق بـ " خلقناكم " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ؛ أي : خلقناكم خلقا من بعد خلق على التدريج المذكور لنبين لكم قدرتنا على البعث وغيره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري مبينا نكتة حذف مفعول "
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لنبين لكم " ما نصه : وورود الفعل غير معدى إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يكتنهه الذكر ، ولا يحيط به الوصف . انتهى منه .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى [ 22 \ 5 ] ؛ أي : نقر في أرحام الأمهات ما نشاء إقراره فيها من الأحمال والأجنة إلى أجل مسمى ؛ أي : معلوم معين في علمنا ، وهو الوقت الذي قدره الله لوضع الجنين ، والأجنة تختلف في ذلك حسبما يشاؤه الله جل وعلا ، فتارة تضعه أمه لستة أشهر ، وتارة لتسعة ، وتارة لأكثر من ذلك . وما لم يشأ الله إقراره من الحمل مجته الأرحام وأسقطته ، ووجه رفع " ونقر " أن المعنى : ونحن نقر في الأرحام ، ولم يعطف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لنبين لكم لأنه ليس علة لما قبله ، فليس المراد : خلقناكم من تراب ، ثم من نطفة ، لنقر في الأرحام ما نشاء ، وبذلك يظهر لك رفعه ، وعدم نصبه ، وقراءة من قرأ : ونقر بالنصب عطفا على : لنبين ، على المعنى الذي نفيناه على قراءة الرفع ، ويؤيد معنى قراءة النصب قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم لتبلغوا أشدكم وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم نخرجكم طفلا ؛ أي : وذلك بعد أن يخلق الله المضغة عظاما ، ثم يكسو العظام لحما ، ثم ينشئ ذلك الجنين خلقا آخر ، فيخرجه من بطن أمه في الوقت المعين لوضعه في حال كونه طفلا ؛ أي : ولدا بشرا سويا .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثم لتبلغوا أشدكم ؛ أي : لتبلغوا كمال قوتكم وعقلكم وتمييزكم بعد إخراجكم من بطون أمهاتكم في غاية الضعف وعدم علم شيء .
[ ص: 270 ] وقد قدمنا أقوال العلماء في المراد بالأشد ، وهل هو جمع أو مفرد مع بعض الشواهد العربية في سورة الأنعام ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
وقوله تعالى في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ومنكم من يتوفى [ 22 \ 5 ] ؛ أي : ومنكم أيها الناس من يتوفى من قبل ؛ أي : من قبل بلوغه أشده ، ومنكم من ينسأ له في أجله ، فيعمر حتى يهرم فيرد من بعد شبابه وبلوغه غاية أشده إلى أرذل العمر ، وهو الهرم ، حتى يعود كهيئته في حال صباه من الضعف ، وعدم العلم .
وقد أوضحنا كلام العلماء في أرذل العمر ومعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لكيلا يعلم من بعد علم شيئا في سورة النحل ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من الاستدلال على
nindex.php?page=treesubj&link=30337كمال قدرته على بعث الناس بعد الموت وعلى كل شيء ، بنقله الإنسان من طور إلى طور ، من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة إلى آخر الأطوار المذكورة ، ذكره جل وعلا في مواضع من كتابه مبينا أنه من البراهين القطعية على قدرته ، على البعث وغيره .
فمن الآيات التي ذكر فيها ذلك من غير تفصيل لتلك الأطوار قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39كلا إنا خلقناهم مما يعلمون [ 70 \ 39 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا [ 71 \ 13 - 14 ] ؛ أي : طورا بعد طور كما بينا . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون [ 39 \ 6 ] ، وقوله في آية الزمر هذه
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6في ظلمات ثلاث ؛ أي : ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة . فقد ركب تعالى عظام الإنسان بعضها ببعض ، وكساها اللحم ، وجعل فيها العروق والعصب ، وفتح مجاري البول والغائط ، وفتح العيون والآذان والأفواه وفرق الأصابع وشد رءوسها بالأظفار إلى غير ذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=32688_33679غرائب صنعه وعجائبه ، وكل هذا في تلك الظلمات الثلاث ، لم يحتج إلى شق بطن أمه وإزالة تلك الظلمات .
سبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه وما أكمل قدرته هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم ، ولأجل هذه الغرائب والعجائب من صنعه تعالى قال بعد التنبيه عليها
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون [ 39 \ 6 ] ومن
[ ص: 271 ] الآيات التي أوضح فيها تلك الأطوار على التفصيل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون [ 23 \ 12 - 16 ] وقد ذكر تعالى تلك الأطوار مع حذف بعضها في قوله في سورة المؤمن :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون [ 67 ] ، وقوله تعالى في الكهف :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا [ 37 \ ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ 36 \ 77 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج [ 76 \ 2 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خلق الإنسان من علق [ 96 \ 2 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=55منها خلقناكم [ 20 \ 55 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وقد بينت السنة الصحيحة القدر الذي تمكثه النطفة قبل أن تصير علقة ، والقدر الذي تمكثه العلقة قبل أن تصير مضغة ، والقدر الذي تمكثه المضغة مضغة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
أبو معاوية nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ( ح ) ، وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13608محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني واللفظ له ، حدثنا أبي
nindex.php?page=showalam&ids=12156وأبو معاوية ،
nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب ، عن
عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008440إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله ، وشقي أو سعيد " ، الحديث . ففي هذا الحديث الصحيح تصريحه صلى الله عليه وسلم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=32688الجنين يمكث أربعين يوما نطفة ، ثم يصير علقة ، ويمكث كذلك أربعين يوما ، ثم يصير مضغة ، ويمكث كذلك أربعين يوما ، ثم ينفخ فيه الروح ، فنفخ الروح إذا في أول الشهر الخامس من أشهر الحمل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17243أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، حدثنا
شعبة ، أنبأني
nindex.php?page=showalam&ids=13726سليمان الأعمش ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب ، عن
عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008441إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما [ ص: 272 ] ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع : برزقه وأجله وشقي أو سعيد " الحديث ، وهذه الرواية في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ينقص منها ذكر العمل ، وهو مذكور في روايات أخر صحيحة معروفة . وقد قدمنا وجه الدلالة المقصودة من الحديث المذكور ، والله أعلم .
وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف : وهو أن يقال : ما وجه الإفراد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67يخرجكم طفلا [ 22 \ 5 ] مع أن المعنى نخرجكم أطفالا . وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة .
منها ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري قال : ووحد الطفل وهو صفة للجمع ، لأنه مصدر مثل عدل وزور ، وتبعه غيره في ذلك .
ومنها قول من قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5نخرجكم طفلا ؛ أي : نخرج كل واحد منكم طفلا ، ولا يخفى عدم اتجاه هذين الجوابين . قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية التي نزل بها القرآن ، هو أن من أساليبها أن المفرد إذا كان اسم جنس يكثر إطلاقه مرادا به الجمع مع تنكيره - كما في هذه الآية - وتعريفه بالألف واللام وبالإضافة ; فمن أمثلته في القرآن مع التنكير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54إن المتقين في جنات ونهر [ 54 \ 54 ] ؛ أي : وأنهار ، بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فيها أنهار من ماء غير آسن وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74واجعلنا للمتقين إماما الآية [ 25 \ 74 ] ؛ أي : أئمة ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا الآية [ 4 \ 4 ] ؛ أي : أنفسا ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مستكبرين به سامرا تهجرون [ 23 \ 67 ] ؛ أي : سامرين ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136لا نفرق بين أحد منهم [ 2 \ 136 ] ؛ أي : بينهم ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وحسن أولئك رفيقا [ 4 \ 69 ] ؛ أي : رفقاء ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وإن كنتم جنبا فاطهروا [ 5 \ 6 ] ؛ أي : جنبين أو أجنابا ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4والملائكة بعد ذلك ظهير [ 66 \ 4 ] ؛ أي : مظاهرون ، ومن أمثلة ذلك مع التنكير في كلام العرب قول
عقيل بن علفة المري :
وكان بنو فزارة شر عم وكنت لهم كشر بني الأخينا
يعني : شر أعمام .
وقول
قعنب ابن أم صاحب :
ما بال قوم صديق ثم ليس لهم دين وليس لهم عقل إذا ائتمنوا
[ ص: 273 ] يعني : ما بال قوم أصدقاء .
وقول
جرير :
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأعين أعداء وهن صديق
يعني : صديقات .
وقول الآخر :
لعمري لئن كنتم على النأي والنوى بكم مثل ما بي إنكم لصديق
وقول الآخر :
يا عاذلاتي لا تزدن ملامة إن العواذل ليس لي بأمير
؛ أي : لسن بأمراء .
ومن أمثلته في القرآن واللفظ مضاف ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم [ 24 \ 61 ] ؛ أي : أصدقائكم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره [ 24 \ 63 ] ؛ أي : أوامره . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ 14 \ 34 ] أي : نعم الله . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=68إن هؤلاء ضيفي [ 15 \ 68 ] ؛ أي : أضيافي . ونظير ذلك من كلام العرب قول
علقمة بن عبدة التميمي :
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
؛ أي : وأما جلودها فصليبة .
وقول الآخر :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص
؛ أي : بطونكم . وهذا البيت والذي قبله أنشدهما
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في كتابه مستشهدا بهما لما ذكرنا .
ومن أمثلة ذلك قول
العباس بن مرداس السلمي :
فقلنا أسلموا إنا أخوكم وقد سلمت من الإحن الصدور
؛ أي : إنا إخوانكم .
وقول
جرير :
إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب
؛ أي : إذا آباؤنا وآباؤك عدوا ، وهذا البيت والذي قبله يحتمل أن يراد بهما جمع التصحيح للأب وللأخ ، فيكون الأصل : أبون وأخون ، فحذفت النون للإضافة ، فصار كلفظ المفرد .
[ ص: 274 ] ومن أمثلة جمع التصحيح في جمع الأخ : بيت
عقيل بن علفة المذكور آنفا ، حيث قال فيه : كشر بني الأخينا . ومن أمثلة تصحيح جمع الأب : قول الآخر :
فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا
ومن أمثلة ذلك في القرآن - واللفظ معرف بالألف واللام - قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وتؤمنون بالكتاب كله [ 3 \ 119 ] ؛ أي : بالكتب كلها ، بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كل آمن بالله وملائكته وكتبه الآية [ 2 \ 285 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=15وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب [ 42 \ 15 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [ 25 \ 75 ] ؛ أي : الغرف ، بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=20لهم غرف من فوقها غرف مبنية [ 39 \ 20 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وهم في الغرفات آمنون [ 34 \ 37 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا [ 89 \ 22 ] ؛ أي : الملائكة ، بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة [ 2 \ 210 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سيهزم الجمع ويولون الدبر [ 54 \ 45 ] ؛ أي : الأدبار ، بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15فلا تولوهم الأدبار [ 8 \ 15 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء [ 24 \ 31 ] ؛ أي : الأطفال ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هم العدو فاحذرهم [ 63 \ 4 ] ؛ أي : الأعداء ، ونحو هذا كثير في القرآن وفي كلام العرب ، وهو في النعت بالمصدر مطرد ، كما تقدم مرارا .
ومن أمثلة ذلك قول
زهير :
متى يشتجر قوم تقل سراواتهم هم بيننا هم رضا وهم عدل
؛ أي : عدول مرضيون .
قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28760_30337_30340_28993يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِدَالَ الْكَفَّارِ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=3وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَدْخُلُ فِيهِ جِدَالُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْيِيَ الْعِظَامَ الرَّمِيمَ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [ 36 \ 78 ] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=29وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [ 6 \ 29 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=35وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [ 44 \ 35 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، كَمَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ قَرِيبًا .
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَقَامَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=30337_30340الْبَرَاهِينَ الْعَظِيمَةَ عَلَى بَعْثِ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً إِلَى عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ ، وَالْجَزَاءِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [ 22 \ 5 ] فَمَنْ أَوَجَدَكُمُ الْإِيجَادَ الْأَوَّلَ ، وَخَلَقَكُمْ مِنَ التُّرَابِ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِكُمْ ، وَخَلْقِكُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً ، بَعْدَ أَنْ بَلِيَتْ عِظَامُكُمْ ،
[ ص: 265 ] وَاخْتَلَطَتْ بِالتُّرَابِ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَصْعَبَ مِنِ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ ، وَهَذَا الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ - الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ تَعَالَى لِلْخَلَائِقِ الْمَرَّةَ الْأُولَى - الْمَذْكُورُ هُنَا ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ 30 \ 27 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [ 36 \ 79 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [ 21 \ 104 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [ 17 \ 51 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ 50 \ 15 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ [ 56 \ 62 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [ 75 \ 40 ] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَسُورَةِ النَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا ، وَلِأَجْلِ قُوَّةِ دَلَالَةِ هَذَا الْبُرْهَانِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْبَعْثِ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ فَهُوَ نَاسٍ لِلْإِيجَادِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [ 36 \ 78 ] ، إِذْ لَوْ تَذَكَّرَ الْإِيجَادَ الْأَوَّلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، لَمَا أَمْكَنَهُ إِنْكَارُ الْإِيجَادِ الثَّانِي ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [ 19 \ 66 - 67 ] إِذْ لَوْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ تَذَكُّرًا حَقِيقِيًّا لَمَا أَنْكَرَ الْخَلْقَ الثَّانِيَ ، وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ [ 22 \ 5 ] ؛ أَيْ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَمْوَاتَ ، فَالرَّيْبُ فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ الشَّكُّ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ قَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ طه : أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي مَعْنَى خَلْقِهِ لِلنَّاسِ مِنْ تُرَابٍ ، أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْهَا ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ زَوْجَهُ ، ثُمَّ خَلَقَهُمْ مِنْهُمَا عَنْ طَرِيقِ التَّنَاسُلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [ 3 \ 59 ] فَلَمَّا كَانَ أَصْلُهُمُ الْأَوَّلُ مِنْ تُرَابٍ ، أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ تُرَابٍ ; لِأَنَّ الْفُرُوعَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي طه أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ تُرَابٍ : أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنَ النُّطَفِ ، وَالنُّطَفُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ ، وَالْأَغْذِيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى التُّرَابِ - غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ .
وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32688أَطْوَارَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ، فَبَيَّنَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ مِنْ
[ ص: 266 ] تُرَابٍ كَمَا أَوْضَحْنَا آنِفًا ، فَالتُّرَابُ هُوَ الطَّوْرُ الْأَوَّلُ .
وَالطَّوْرُ الثَّانِي هُوَ النُّطْفَةُ ، وَالنُّطْفَةُ فِي اللُّغَةِ : الْمَاءُ الْقَلِيلُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي كِلَابٍ :
وَمَا عَلَيْكِ إِذَا أَخْبَرْتِنِي دَنِفًا وَغَابَ بَعْلُكِ يَوْمًا أَنْ تَعُودِينِي
وَتَجْعَلِي نُطْفَةً فِي الْقَعْبِ بَارِدَةً
وَتَغْمِسِي فَاكِ فِيهَا ثُمَّ تَسْقِينِي
فَقَوْلُهُ : وَتَجْعَلِي نُطْفَةً ؛ أَيْ : مَاءً قَلِيلًا فِي الْقَعْبِ ، وَالْمُرَادُ بِالنُّطْفَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : نُطْفَةُ الْمَنِيِّ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ : أَنَّ النُّطْفَةَ مُخْتَلِطَةٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ .
الطَّوْرُ الثَّالِثُ : الْعَلَقَةُ ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْعَلَقِ ، وَهُوَ الدَّمُ الْجَامِدُ ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ [ 22 \ 5 ] ؛ أَيْ قِطْعَةِ دَمٍ جَامِدَةٍ ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْعَلَقِ عَلَى الدَّمِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ
زُهَيْرٍ :
إِلَيْكَ أَعْمَلْتُهَا فُتْلًا مَرَافِقُهَا شَهْرَيْنِ يَجْهُضُ مِنْ أَرْحَامِهَا الْعَلَقُ
الطَّوْرُ الرَّابِعُ : الْمُضْغَةُ : وَهِيَ الْقِطْعَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ اللَّحْمِ ، عَلَى قَدْرِ مَا يَمْضُغُهُ الْآكِلُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008439إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ " الْحَدِيثَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فِي مَعْنَاهُ أَوْجُهٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، سَنَذْكُرُهَا هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَنُبَيِّنُ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ .
مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صِفَةٌ لِلنُّطْفَةِ ، وَأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ هِيَ مَا كَانَ خَلْقًا سَوِيًّا ، وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ هِيَ مَا دَفَعَتْهُ الْأَرْحَامُ مِنَ النُّطَفِ ، وَأَلْقَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ خَلْقًا ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، نَقَلَهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْقَوْلِ ; لِأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ مِنْ صِفَةِ الْمُضْغَةِ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ .
وَمِنْهَا : أَنَّ مَعْنَى ( مُخَلَّقَةٍ ) تَامَّةٍ ، وَ ( غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) أَيْ : غَيْرِ تَامَّةٍ ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ قَائِلِهِ : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَخْلُقُ الْمُضَغَ مُتَفَاوِتَةً ، مِنْهَا مَا هُوَ كَامِلُ الْخِلْقَةِ ، سَالِمٌ مِنَ الْعُيُوبِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ ، فَيَتْبَعُ ذَلِكَ التَّفَاوُتَ تَفَاوُتُ النَّاسِ فِي خَلْقِهِمْ ، وَصُوَرِهِمْ ، وَطُولِهِمْ ، وَقِصَرِهِمْ ، وَتَمَامِهِمْ ، وَنُقْصَانِهِمْ .
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ :
قَتَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ ، وَعَزَاهُ
الرَّازِيُّ لِقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ . وَمِنْهَا : أَنَّ مَعْنَى مُخَلَّقَةٍ مُصَوَّرَةٍ إِنْسَانًا ، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ؛ أَيْ : غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ إِنْسَانًا كَالسِّقْطِ الَّذِي هُوَ مُضْغَةٌ ، وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ تَخْطِيطٌ وَتَشْكِيلٌ ، وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ :
مُجَاهِدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ ،
وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، كَمَا نَقَلَهُ
[ ص: 267 ] عَنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُخَلَّقَةَ : هِيَ مَا وُلِدَ حَيًّا ، وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ : هِيَ مَا كَانَ مِنْ سِقْطٍ .
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ : إِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَصَحَّحَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ
الْقُرْطُبِيُّ ، وَأَنْشَدَ لِذَلِكَ قَوْلَ الشَّاعِرِ :
أَفِي غَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ الْبُكَاءُ فَأَيْنَ الْحَزْمُ وَيْحَكِ وَالْحَيَاءُ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْمُخَلَّقَةُ : الْمُصَوَّرَةُ خَلْقًا تَامًّا . وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ : السِّقْطُ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِهِ ; لِأَنَّ الْمُخَلَّقَةَ وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ مِنْ نَعْتِ الْمُضْغَةِ ، وَالنُّطْفَةُ بَعْدَ مَصِيرِهَا مُضْغَةً لَمْ يَبْقَ لَهَا حَتَّى تَصِيرَ خَلْقًا سَوِيًّا إِلَّا التَّصْوِيرُ . وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [ 22 \ 5 ] خَلْقًا سَوِيًّا ، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ : بِأَنْ تُلْقِيَهِ الْأُمُّ مُضْغَةً بِلَا تَصْوِيرٍ ، وَلَا يُنْفَخُ الرُّوحَ . انْتَهَى مِنْهُ .
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، اخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، لَا يَظْهَرُ صَوَابُهُ ، وَفِي نَفْسِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [ 22 \ 5 ] لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ يَصِيرُ الْمَعْنَى : ثُمَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ ، وَخَلَقْنَاكُمْ مِنْ مُضْغَةٍ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ . وَخِطَابُ النَّاسِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ بَعْضَهُمْ مِنْ مُضْغَةٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ ، فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ كَمَا تَرَى ; فَافْهَمْ .
فَإِنْ قِيلَ : فِي نَفْسِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ : السِّقْطُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [ 22 \ 5 ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هُنَاكَ قِسْمًا آخَرَ لَا يُقِرُّهُ اللَّهُ فِي الْأَرْحَامِ ، إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ الْمُسَمَّى ، وَهُوَ السِّقْطُ .
فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَهْمُ السِّقْطِ مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا يَشَاءُ أَنْ يُقِرَّهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَقَدْ يُقِرُّهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَقَدْ يُقِرُّهُ تِسْعَةً ، وَقَدْ يُقِرُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ .
أَمَّا السِّقْطُ : فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ; لِأَنَّ السِّقْطَ الَّذِي تُلْقِيهِ أُمُّهُ مَيِّتًا ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشْكِيلِ وَالتَّخْطِيطِ ، لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِنْهُ إِنْسَانًا وَاحِدًا مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ . فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنَ
[ ص: 268 ] الْمُخَلَّقَةِ وَغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ : يُخْلَقُ مِنْهُ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ الْآيَةَ .
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا تَنَاقُضَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ لِيُصَدِّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، لَا لِيَتَنَاقَضَ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَا عَنْ
قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ ، وَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ .
وَهُوَ أَنَّ الْمُخَلَّقَةَ هِيَ التَّامَّةُ ، وَغَيْرَ الْمُخَلَّقَةِ هِيَ غَيْرُ التَّامَّةِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ : وَالْمُخَلَّقَةُ الْمُسَوَّاةُ الْمَلْسَاءُ مِنَ النُّقْصَانِ وَالْعَيْبِ ، يُقَالُ : خَلَقَ السِّوَاكَ وَالْعُودَ : إِذَا سَوَّاهُ وَمَلَّسَهُ . مِنْ قَوْلِهِمْ : صَخْرَةٌ خَلْقَاءُ : إِذَا كَانَتْ مَلْسَاءَ ، كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ الْمُضَغَ مُتَفَاوِتَةً ; مِنْهَا مَا هُوَ كَامِلُ الْخِلْقَةِ أَمْلَسُ مِنَ الْعُيُوبِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ ، فَيَتْبَعُ ذَلِكَ التَّفَاوُتَ تَفَاوُتُ النَّاسِ فِي خَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَطُولِهِمْ وَقِصَرِهِمْ وَتَمَامِهِمْ وَنُقْصَانِهِمْ . انْتَهَى مِنْهُ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : حَجَرٌ أَخْلَقُ ؛ أَيْ : أَمْلَسُ مُصْمَتٌ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَصَخْرَةٌ خَلْقَاءُ بَيِّنَةُ الْخَلْقِ ؛ أَيْ : لَيْسَ فِيهَا وَصْمٌ ، وَلَا كَسْرٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
قد يَتْرُكُ الدهْرُ في خَلْقَاءَ رَاسِيةٍ وَهْيًا ويُنْزِلُ مِنْهَا الْأَعْصَمَ الصَّدَعَا
وَ " الدَّهْرُ " فِي الْبَيْتِ فَاعِلُ " يَتْرُكُ " وَالْمَفْعُولُ بِهِ : وَهْيًا . يَعْنِي : أَنَّ صَرْفَ الدَّهْرِ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الْحِجَارَةِ الصُّمِّ السَّالِمَةِ مِنَ الْكَسْرِ وَالْوَصْمِ ، فَيَكْسِرُهَا وَيُوهِيهَا ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْعَصْمِ مِنَ الْأَوْعَالِ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ ، فَيُنْزِلُهَا مِنْ مَعَاقِلِهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12572ابْنِ أَحْمَرَ يَصِفُ فَرَسًا ، وَقَدْ أَنْشَدَهُ صَاحِبُ اللِّسَانِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ :
بِمُقَلِّصٍ دَرْكِ الطَّرِيدَةِ مَتْنُهُ كَصَفَا الْخَلِيقةِ بِالْفَضاءِ الْمُلْبِدِ
فَقَوْلُهُ : كَصَفَا الْخَلِيقَةِ ، يَعْنِي : أَنَّ مَتْنَ الْفَرَسِ الْمَذْكُورِ كَالصَّخْرَةِ الْمَلْسَاءِ الَّتِي لَا كَسْرَ فِيهَا وَلَا وَصْمَ ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ . وَالسَّهْمُ الْمُخَلَّقُ : هُوَ الْأَمْلَسُ الْمُسْتَوِي .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّه عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ - فِيمَا يَظْهَرُ لِي - لِجَرَيَانِهِ عَلَى اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ ، وَسَلَامَتِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَعْلَمُ .
[ ص: 269 ] وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ؛ أَيْ : لِنُبَيِّنَ لَكُمْ بِهَذَا النَّقْلِ مَنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ ، كَمَالَ قُدْرَتِنَا عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ الْبَشَرِ مِنْ تُرَابٍ أَوَّلًا ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثَانِيًا ، مَعَ مَا بَيْنَ النُّطْفَةِ وَالتُّرَابِ مِنَ الْمُنَافَاةِ وَالْمُغَايَرَةِ ، وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ النُّطْفَةَ عَلَقَةً ، مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَايُنِ وَالتَّغَايُرِ ، وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ، وَالْمُضْغَةَ عِظَامًا ، فَهُوَ قَادِرٌ بِلَا شَكٍّ عَلَى إِعَادَةِ مَا بَدَأَهُ مِنَ الْخَلْقِ ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ .
وَقَوْلُهُ : لِنُبَيِّنَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " خَلَقْنَاكُمْ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ؛ أَيْ : خَلَقْنَاكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ عَلَى التَّدْرِيجِ الْمَذْكُورِ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ قُدْرَتَنَا عَلَى الْبَعْثِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مُبَيِّنًا نُكْتَةَ حَذْفِ مَفْعُولِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِنُبَيِّنَ لَكُمْ " مَا نَصُّهُ : وَوُرُودُ الْفِعْلِ غَيْرَ مُعَدًّى إِلَى الْمُبَيَّنِ إِعْلَامٌ بِأَنَّ أَفْعَالَهُ هَذِهِ يَتَبَيَّنُ بِهَا مِنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ مَا لَا يَكْتَنِهُهُ الذِّكْرُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ الْوَصْفُ . انْتَهَى مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [ 22 \ 5 ] ؛ أَيْ : نُقِرُّ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ مَا نَشَاءُ إِقْرَارَهُ فِيهَا مِنَ الْأَحْمَالِ وَالْأَجِنَّةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ؛ أَيْ : مَعْلُومٍ مُعَيَّنٍ فِي عِلْمِنَا ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِوَضْعِ الْجَنِينِ ، وَالْأَجِنَّةُ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ حَسْبَمَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا ، فَتَارَةً تَضَعُهُ أُمُّهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَتَارَةً لِتِسْعَةٍ ، وَتَارَةً لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَمَا لَمْ يَشَأِ اللَّهُ إِقْرَارَهُ مِنَ الْحَمْلِ مَجَّتْهُ الْأَرْحَامُ وَأَسْقَطَتْهُ ، وَوَجْهُ رَفْعِ " وَنُقِرُّ " أَنَّ الْمَعْنَى : وَنَحْنُ نُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ ، وَلَمْ يُعْطَفْ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِنُبَيِّنَ لَكُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ : خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، لِنُقِرَّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ لَكَ رَفْعُهُ ، وَعَدَمُ نَصْبِهِ ، وَقِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : وَنُقِرُّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى : لِنُبَيِّنَ ، عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي نَفَيْنَاهُ عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ ، وَيُؤَيِّدُ مَعْنَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ؛ أَيْ : وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الْمُضْغَةَ عِظَامًا ، ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَامَ لَحْمًا ، ثُمَّ يُنْشِئُ ذَلِكَ الْجَنِينَ خَلْقًا آخَرَ ، فَيُخْرِجُهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لِوَضْعِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ طِفْلًا ؛ أَيْ : وَلَدًا بَشَرًا سَوِيًّا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ؛ أَيْ : لِتَبْلُغُوا كَمَالَ قُوَّتِكُمْ وَعَقْلِكُمْ وَتَمْيِيزِكُمْ بَعْدَ إِخْرَاجِكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَعَدَمِ عِلْمِ شَيْءٍ .
[ ص: 270 ] وَقَدْ قَدَّمْنَا أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِالْأَشُدِّ ، وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ مُفْرَدٌ مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى [ 22 \ 5 ] ؛ أَيْ : وَمِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ؛ أَيْ : مِنْ قَبْلِ بُلُوغِهِ أَشُدَّهُ ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُنْسَأُ لَهُ فِي أَجَلِهِ ، فَيُعَمَّرُ حَتَّى يَهْرَمَ فَيُرَدُّ مِنْ بَعْدِ شَبَابِهِ وَبُلُوغِهِ غَايَةَ أَشُدِّهِ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَهُوَ الْهِرَمُ ، حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ فِي حَالِ صِبَاهُ مِنَ الضَّعْفِ ، وَعَدَمِ الْعِلْمِ .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِي أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا فِي سُورَةِ النَّحْلِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30337كَمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى بَعْثِ النَّاسِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، بِنَقْلِهِ الْإِنْسَانَ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ ، مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ إِلَى آخِرِ الْأَطْوَارِ الْمَذْكُورَةِ ، ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ ، عَلَى الْبَعْثِ وَغَيْرِهِ .
فَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِتِلْكَ الْأَطْوَارِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ [ 70 \ 39 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=13مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [ 71 \ 13 - 14 ] ؛ أَيْ : طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ كَمَا بَيَّنَّا . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [ 39 \ 6 ] ، وَقَوْلُهُ فِي آيَةِ الزُّمَرِ هَذِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ؛ أَيْ : ظُلْمَةِ الْبَطْنِ ، وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ ، وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ . فَقَدْ رَكَّبَ تَعَالَى عِظَامَ الْإِنْسَانِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ ، وَكَسَاهَا اللَّحْمَ ، وَجَعَلَ فِيهَا الْعُرُوقَ وَالْعَصَبَ ، وَفَتَحَ مَجَارِيَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، وَفَتَحَ الْعُيُونَ وَالْآذَانَ وَالْأَفْوَاهَ وَفَرَّقَ الْأَصَابِعَ وَشَدَّ رُءُوسَهَا بِالْأَظْفَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32688_33679غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِهِ ، وَكُلُّ هَذَا فِي تِلْكَ الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَقِّ بَطْنِ أُمِّهِ وَإِزَالَةِ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ .
سُبْحَانَهُ جَلَّ وَعَلَا مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ وَمَا أَكْمَلَ قُدْرَتَهُ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَاهُ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ مِنْ صُنْعِهِ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [ 39 \ 6 ] وَمِنَ
[ ص: 271 ] الْآيَاتِ الَّتِي أَوْضَحَ فِيهَا تِلْكَ الْأَطْوَارَ عَلَى التَّفْصِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [ 23 \ 12 - 16 ] وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى تِلْكَ الْأَطْوَارَ مَعَ حَذْفِ بَعْضِهَا فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ 67 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَهْفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا [ 37 \ ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=4خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [ 36 \ 77 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [ 76 \ 2 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [ 96 \ 2 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=55مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ [ 20 \ 55 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الْقَدْرَ الَّذِي تَمْكُثُهُ النُّطْفَةُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ عَلَقَةً ، وَالْقَدْرَ الَّذِي تَمْكُثُهُ الْعَلَقَةُ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُضْغَةً ، وَالْقَدْرَ الَّذِي تَمْكُثُهُ الْمُضْغَةُ مُضْغَةً .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ nindex.php?page=showalam&ids=17277وَوَكِيعٌ ( ح ) ، وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13608مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا أَبِي
nindex.php?page=showalam&ids=12156وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَوَكِيعٌ قَالُوا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15950زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008440إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ " ، الْحَدِيثَ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَصْرِيحُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32688الْجَنِينَ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً ، وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً ، وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، فَنَفْخُ الرُّوحِ إذًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَمْلِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17243أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، أَنْبَأَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=13726سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ ، قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15950زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008441إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا [ ص: 272 ] ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ : بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشِقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ " الْحَدِيثَ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ يَنْقُصُ مِنْهَا ذِكْرُ الْعَمَلِ ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ صَحِيحَةٍ مَعْرُوفَةٍ . وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ الدَّلَالَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : مَا وَجْهُ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=67يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [ 22 \ 5 ] مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى نُخْرِجُكُمْ أَطْفَالًا . وَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَجْوِبَةٌ .
مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ قَالَ : وَوَحَّدَ الطِّفْلَ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْجَمْعِ ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ عَدْلٍ وَزُورٍ ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ .
وَمِنْهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ؛ أَيْ : نُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ اتِّجَاهِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ . قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنِ اسْتِقْرَاءِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ ، هُوَ أَنَّ مِنْ أَسَالِيبِهَا أَنَّ الْمُفْرَدَ إِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ يَكْثُرُ إِطْلَاقُهُ مُرَادًا بِهِ الْجَمْعُ مَعَ تَنْكِيرِهِ - كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ - وَتَعْرِيفِهِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَبِالْإِضَافَةِ ; فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ مَعَ التَّنْكِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [ 54 \ 54 ] ؛ أَيْ : وَأَنْهَارٍ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا الْآيَةَ [ 25 \ 74 ] ؛ أَيْ : أَئِمَّةً ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا الْآيَةَ [ 4 \ 4 ] ؛ أَيْ : أَنْفُسًا ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [ 23 \ 67 ] ؛ أَيْ : سَامِرِينَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [ 2 \ 136 ] ؛ أَيْ : بَيْنَهُمْ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [ 4 \ 69 ] ؛ أَيْ : رُفَقَاءَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [ 5 \ 6 ] ؛ أَيْ : جُنُبَيْنِ أَوْ أَجْنَابًا ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [ 66 \ 4 ] ؛ أَيْ : مُظَاهِرُونَ ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَعَ التَّنْكِيرِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
عَقِيلِ بْنِ عَلَفَةَ الْمُرِّيِّ :
وَكَانَ بَنُو فَزَارَةَ شَرَّ عَمِّ وَكُنْتُ لَهُمْ كَشَرِّ بَنِي الْأَخِينَا
يَعْنِي : شَرَّ أَعْمَامٍ .
وَقَوْلُ
قَعْنَبِ ابْنِ أُمِّ صَاحِبٍ :
مَا بَالُ قَوْمٍ صَدِيقٍ ثُمَّ لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ وَلَيْسَ لَهُمْ عَقْلٌ إِذَا ائْتُمِنُوا
[ ص: 273 ] يَعْنِي : مَا بَالُ قَوْمٍ أَصْدِقَاءٍ .
وَقَوْلُ
جَرِيرٍ :
نَصَبْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا بِأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ
يَعْنِي : صَدِيقَاتٍ .
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
لَعَمْرِي لَئِنْ كُنْتُمْ عَلَى النَّأْيِ وَالنَّوَى بِكُمْ مِثْلُ مَا بِي إِنَّكُمْ لَصَدِيقُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
يَا عَاذِلَاتِي لَا تَزِدْنَ مُلَامَةً إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَيْسَ لِي بِأَمِيرِ
؛ أَيْ : لَسْنَ بِأُمَرَاءَ .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ وَاللَّفْظُ مُضَافٌ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ [ 24 \ 61 ] ؛ أَيْ : أَصْدِقَائِكُمْ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [ 24 \ 63 ] ؛ أَيْ : أَوَامِرِهِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [ 14 \ 34 ] أَيْ : نِعَمَ اللَّهِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=68إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي [ 15 \ 68 ] ؛ أَيْ : أَضْيَافِي . وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ التَّمِيمِيِّ :
بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
؛ أَيْ : وَأَمَّا جُلُودُهَا فَصَلِيبَةٌ .
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا فَإِنَّ زَمَانَكُمُ زَمَنٌ خَمِيصُ
؛ أَيْ : بُطُونِكُمْ . وَهَذَا الْبَيْتُ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَنْشَدَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ مُسْتَشْهِدًا بِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ
الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ :
فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمُ وَقَدْ سَلِمَتْ مِنَ الْإِحَنِ الصُّدُورُ
؛ أَيْ : إِنَّا إِخْوَانُكُمْ .
وَقَوْلُ
جَرِيرٍ :
إِذَا آبَاؤُنَا وَأَبُوكَ عُدُّوا أَبَانَ الْمُقْرِفَاتُ مِنَ الْعِرَابِ
؛ أَيْ : إِذَا آبَاؤُنَا وَآبَاؤُكَ عُدُّوا ، وَهَذَا الْبَيْتُ وَالَّذِي قَبْلَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا جَمْعُ التَّصْحِيحِ لِلْأَبِ وَلِلْأَخِ ، فَيَكُونُ الْأَصْلُ : أُبُونَ وَأُخُونَ ، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ ، فَصَارَ كَلَفْظِ الْمُفْرَدِ .
[ ص: 274 ] وَمِنْ أَمْثِلَةِ جَمْعِ التَّصْحِيحِ فِي جَمْعِ الْأَخِ : بَيْتُ
عَقِيلِ بْنِ عَلَفَةَ الْمَذْكُورُ آنِفًا ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ : كَشَّرَ بَنِي الْأَخِينَا . وَمِنْ أَمْثِلَةِ تَصْحِيحِ جَمْعِ الْأَبِ : قَوْلُ الْآخَرِ :
فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتَنَا بَكَيْنَ وَفَدَيْنَنَا بِالْأَبِينَا
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ - وَاللَّفْظُ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ - قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [ 3 \ 119 ] ؛ أَيْ : بِالْكُتُبِ كُلِّهَا ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ الْآيَةَ [ 2 \ 285 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=15وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ [ 42 \ 15 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=75أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [ 25 \ 75 ] ؛ أَيْ : الْغُرَفَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=20لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ [ 39 \ 20 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [ 34 \ 37 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا [ 89 \ 22 ] ؛ أَيْ : الْمَلَائِكَةُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [ 2 \ 210 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ 54 \ 45 ] ؛ أَيْ : الْأَدْبَارَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [ 8 \ 15 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=31أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [ 24 \ 31 ] ؛ أَيْ : الْأَطْفَالِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [ 63 \ 4 ] ؛ أَيْ : الْأَعْدَاءُ ، وَنَحْوَ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ فِي النَّعْتِ بِالْمَصْدَرِ مُطَّرِدٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ
زُهَيْرٍ :
مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ تَقُلْ سَرَاوَاتُهُمْ هُمْ بَيْنَنَا هُمْ رِضًا وَهُمْ عَدْلُ
؛ أَيْ : عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ .