الفرع الرابع : في
nindex.php?page=treesubj&link=33073حكم الإقدام على النذر ، مع
nindex.php?page=treesubj&link=4159تعريفه لغة وشرعا .
اعلم أن الأحاديث الصحيحة دلت على أن النذر لا ينبغي ، وأنه منهي عنه ، ولكن إذا وقع وجب الوفاء به ، إن كان قربة كما تقدم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15473يحيى بن صالح ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16799فليح بن سليمان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15989سعيد بن الحارث : أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009106سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول : أولم ينهوا عن النذر ، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر شيئا ، وإنما يستخرج بالنذر من البخيل " . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009107نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر فقال : " إنه لا يرد شيئا ولكنه يستخرج به من البخيل " . وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009108لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته ، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له ; فيستخرج الله به من البخيل فيؤتي عليه ما لم يكن يؤتي عليه من [ ص: 245 ] قبل " ، اهـ من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وهو صريح في النهي عن النذر ، وأنه ليس ابتداء فعله من الطاعات المرغب فيها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب ،
وإسحاق بن إبراهيم ، قال
إسحاق : أخبرنا ، وقال
زهير : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
عبد الله بن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009109أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ينهانا عن النذر ويقول : " إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من الشحيح " . وفي لفظ
لمسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009110النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره ، وإنما يستخرج به من البخيل " . وفي لفظ
لمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009111أنه نهى عن النذر ، وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " .
وقال
مسلم في صحيحه أيضا : وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز يعني : الدراوردي ، عن
العلاء ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009112لا تنذروا ، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا ، وإنما يستخرج به من البخيل " . وفي لفظ
لمسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009113أنه نهى عن النذر ، وقال : " إنه لا يرد من القدر ، وإنما يستخرج به من البخيل " . وفي لفظ
لمسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009114إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ، ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج " ، انتهى من صحيح
مسلم .
وهذا الذي ذكرنا من حديث الشيخين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة : فيه الدلالة الصريحة على النهي عن الإقدام على النذر ، وأنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل . وفي الأحاديث المذكورة إشكال معروف ; لأنه قد دل القرآن على الثناء على الذين يوفون بالنذر ، وأنه من أسباب دخول الجنة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا [ 76 \ 5 - 7 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=270وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه [ 2 \ 27 ] ، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب الوفاء بنذر الطاعة كقوله تعالى في هذه الآية التي نحن بصددها :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم الآية [ 22 \ 29 ] وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009115من نذر أن يطيع الله فليطعه " ، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح ، من ذم الذين لم يوفوا بنذورهم .
[ ص: 246 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
مسدد ، عن
يحيى ، عن
شعبة : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبو جمرة ، حدثنا
زهدم بن مضرب ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين - رضي الله عنهما - يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008148خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم " قال عمران : لا أدري ذكر ثنتين أو ثلاثا بعد قرنه : " ثم يجيء قوم ينذرون ولا يوفون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، ويظهر فيهم السمن " ، اهـ من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وهو ظاهر جدا في إثم الذين لا يوفون بنذرهم ، وأنهم كالذين يخونون ، ولا يؤتمنون . وهذا الحديث أخرجه أيضا
مسلم في صحيحه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين . وقال
النووي في شرحه لحديث
عمران هذا : فيه وجوب الوفاء بالنذر ، وهو واجب بلا خلاف ، وإن كان ابتداء النذر منهيا عنه : كما سبق في بابه ، انتهى محل الغرض منه .
ولأجل هذا الإشكال المذكور اختلف العلماء في حكم الإقدام على النذر ، فذهب المالكية : إلى
nindex.php?page=treesubj&link=4160جواز نذر المندوبات إلا الذي يتكرر دائما كصوم يوم من كل أسبوع فهو مكروه عندهم ، وذهب أكثر الشافعية : إلى أنه مكروه ، ونقله بعضهم عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي للأحاديث الدالة على النهي عنه . ونقل نحوه عن المالكية أيضا ، وجزم به عنهم
ابن دقيق العيد . وأشار
ابن العربي إلى الخلاف عنهم ، والجزم عن الشافعية بالكراهة . وجزم الحنابلة بالكراهة ، وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم ، وتوقف بعضهم في صحتها ، وكراهته مروية عن بعض الصحابة . اهـ بواسطة نقل
ابن حجر في " الفتح " . وجزم صاحب " المغني " : بأن النهي عنه نهي كراهة .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الظاهر لي في طريق إزالة هذا الإشكال ، الذي لا ينبغي العدول عنه أن
nindex.php?page=treesubj&link=4172نذر القربة على نوعين .
أحدهما : معلق على حصول نفع كقوله : إن شفى الله مريضي ، فعلي لله نذر كذا ، أو إن نجاني الله من الأمر الفلاني المخوف ، فعلي لله نذر كذا ، ونحو ذلك .
والثاني : ليس معلقا على نفع للناذر ، كأن يتقرب إلى الله تقربا خالصا بنذر كذا من أنواع الطاعة ، وأن النهي إنما هو في القسم الأول ; لأن النذر فيه لم يقع خالصا للتقرب إلى الله ، بل بشرط حصول نفع للناذر وذلك النفع الذي يحاوله الناذر هو الذي دلت الأحاديث على أن القدر فيه غالب على النذر وأن النذر لا يرد فيه شيئا من القدر .
أما القسم الثاني : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=4176نذر القربة الخالص من اشتراط النفع في النذر ، فهو الذي فيه
[ ص: 247 ] الترغيب والثناء على الموفين به المقتضي أنه من الأفعال الطيبة ، وهذا التفصيل قالت به جماعة من أهل العلم .
وإنما قلنا : إنه لا ينبغي العدول عنه لأمرين :
الأول أن نفس الأحاديث الواردة في ذلك فيها قرينة واضحة ، دالة عليه ، وهو ما تكرر فيها من أن النذر لا يرد شيئا من القدر ، ولا يقدم شيئا ، ولا يؤخر شيئا ونحو ذلك . فكونه لا يرد شيئا من القدر قرينة واضحة على أن الناذر أراد بالنذر جلب نفع عاجل ، أو دفع ضر عاجل فبين - صلى الله عليه وسلم - أن ما قضى الله به في ذلك واقع لا محالة ، وأن نذر الناذر لا يرد شيئا كتبه الله عليه ، ولكنه إن قدر الله ما كان يريده الناذر بنذره ، فإنه يستخرج بذلك من البخيل الشيء الذي نذر وهذا واضح جدا كما ذكرنا .
الثاني أن الجمع واجب إذا أمكن وهذا جمع ممكن بين الأدلة واضح تنتظم به الأدلة ، ولا يكون بينها خلاف ، ويؤيده أن الناذر الجاهل ، قد يظن أن النذر قد يرد عنه ما كتبه الله عليه . هذا هو الظاهر في حل هذا الإشكال . وقد قال به غير واحد . والعلم عند الله تعالى .
تنبيه
فإن قيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=4197النذر المعلق كقوله : إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا فلله علي نذر كذا ، قد ذكرتم أنه هو المنهي عنه ، وإذا تقرر أنه منهي عنه لم يكن من جنس القربة ، فكيف يجب الوفاء بمنهي عنه .
والجواب أن النص الصحيح دل على هذا ، فدل على النهي عنه أولا ، كما ذكرنا الأحاديث الدالة على ذلك ، ودل على لزوم الوفاء به بعد الوقوع ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009116وإنما يستخرج به من البخيل " نص صريح في أن البخيل يلزمه إخراج ما نذر إخراجه ، وهو المصرح بالنهي عنه أولا ، ولا غرابة في هذا ; لأن الواحد بالشخص قد يكون له جهتان . فالنذر المنذور له جهة هو منهي عنه من أجلها ابتداء ، وهي شرط حصول النفع فيه ، وله جهة أخرى هو قربة بالنظر إليها ، وهو إخراج المنذور تقربا لله وصرفه في طاعة الله ، والعلم عند الله تعالى .
واعلم أن النذر في اللغة النحب وهو ما يجعله الإنسان نحبا واجبا عليه قضاؤه ، ومنه قول
لبيد :
[ ص: 248 ] ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
وحاصله : أنه إلزام الإنسان نفسه بشيء لم يكن لازما لها ، فيجعله واجبا عليها وهو في اصطلاح الشرع : التزام المكلف قربة لم تكن واجبة عليه . وقال
ابن الأثير في " النهاية " : يقال : نذرت أنذر وأنذر نذرا إذا أوجبت على نفسي شيئا تبرعا من عبادة أو صدقة أو غير ذلك . وقد تكرر في أحاديثه ذكر النهي عنه وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه ، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه ، وإسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية . فلا يلزم ، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ، ولا يصرف عنهم ضرا ، ولا يرد قضاء . فقال : لا تنذروا على أنكم قد تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم ، أو تصرفون به عنكم ما جرى به القضاء عليكم ، فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا فأخرجوا عنه بالوفاء ، فإن الذي نذرتموه لازم لكم ، اهـ الغرض من كلام
ابن الأثير . وقد قاله غيره ، ولا يساعد عليه ظواهر الأحاديث .
فالظاهر أن الأرجح الذي لا ينبغي العدول عنه هو ما قدمنا من الجمع ، والعلم عند الله تعالى .
واعلم أن تعريف المالكية للنذر شرعا : بأنه التزام مسلم مكلف ، ولو غضبان إلى آخره فيه أمران :
الأول أن
nindex.php?page=treesubj&link=4167اشتراط الإسلام في النذر فيه نظر ; لأن ما نذره الكافر من فعل الطاعات قد ينعقد نذره له بدليل أنه يفعله إذا أسلم بعد ذلك ، ولو كان لغوا غير منعقد ، لما كان له أثر بعد الإسلام .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا عبد الله ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=1009117أن عمر قال : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال : " أوف بنذرك " ، انتهى منه . فقوله - صلى الله عليه وسلم -
لعمر في هذا الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009118أوف بنذرك " مع أنه نذره في الجاهلية صريح في ذلك كما ترى ، ولا التفات إلى ما أوله به بعض العلماء من المالكية وغيرهم . وقول المالكية في تعريف النذر ، ولو غضبان لا يخفى أن العلماء مختلفون في
nindex.php?page=treesubj&link=4168نذر الغضبان ، هل يلزم فيه ما نذر أو هو من نوع اللجاج تلزم فيه كفارة يمين كما أوضحنا حكمه سابقا .
الفرع الخامس : اعلم أنه قد دل الحديث على أن
nindex.php?page=treesubj&link=4186_4180_4192من نذر أن ينحر تقربا لله في محل [ ص: 249 ] معين ، فلا بأس بإيفائه بنذره ، بأن ينحر في ذلك المحل المعين ، إذا لم يتقدم عليه أنه كان به وثن يعبد ، أو عيد من أعياد الجاهلية . ومفهومه أنه إن كان قد سبق أن فيه وثنا يعبد ، أو عيدا من أعياد الجاهلية : أنه لا يجوز النحر فيه .
قال
أبو داود في سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16106شعيب بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12135أبو قلابة ، قال : حدثني
ثابت بن الضحاك ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009119نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلا ببوانة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا ، قال : " هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ " قالوا : لا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية ، ولا فيما لا يملك ابن آدم " انتهى منه .
وفيه الدلالة الظاهرة على أن النحر بموضع كان فيه وثن يعبد أو عيد من أعياد الجاهلية من معصية الله تعالى ، وأنه لا يجوز بحال ، والعلم عند الله تعالى . وإسناد الحديث صحيح .
الْفَرْعُ الرَّابِعُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33073حُكْمِ الْإِقْدَامِ عَلَى النَّذْرِ ، مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=4159تَعْرِيفِهِ لُغَةً وَشَرْعًا .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْبَغِي ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ ، إِنْ كَانَ قُرْبَةً كَمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15473يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16799فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15989سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ : أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009106سَمِعَ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ : أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ ، إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ " . وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009107نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ النَّذْرِ فَقَالَ : " إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " . وَفِي لَفْظٍ
nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009108لَا يَأْتِي ابْنُ آدَمَ النَّذْرَ بِشَيْءٍ لَمْ أَكُنْ قَدَرْتُهُ ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ ; فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ [ ص: 245 ] قَبْلُ " ، اهـ مِنْ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ : وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=11997زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ،
وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ
إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا ، وَقَالَ
زُهَيْرٌ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مَنْصُورٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009109أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ النَّذْرِ وَيَقُولُ : " إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ " . وَفِي لَفْظٍ
لِمُسْلِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009110النَّذْرُ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " . وَفِي لَفْظٍ
لِمُسْلِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009111أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ ، وَقَالَ : " إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " .
وَقَالَ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا : وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16379عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي : الدَّرَاوَرْدِيَّ ، عَنِ
الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009112لَا تَنْذُرُوا ، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " . وَفِي لَفْظٍ
لِمُسْلِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009113أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ ، وَقَالَ : " إِنَّهُ لَا يَرُدُّ مِنَ الْقَدَرِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " . وَفِي لَفْظٍ
لِمُسْلِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009114إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنِ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ ، وَلَكِنَّ النَّذْرَ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرِجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ " ، انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ
مُسْلِمٍ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ : فِيهِ الدَّلَالَةُ الصَّرِيحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى النَّذْرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ . وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى الَّذِينَ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ، وَأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=5إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=7يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [ 76 \ 5 - 7 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=270وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [ 2 \ 27 ] ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الْآيَةَ [ 22 \ 29 ] وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009115مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ " ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، مِنْ ذَمِّ الَّذِينَ لَمْ يُوفُوا بِنُذُورِهِمْ .
[ ص: 246 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ ، عَنْ
يَحْيَى ، عَنْ
شُعْبَةَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=11969أَبُو جَمْرَةَ ، حَدَّثَنَا
زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008148خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " قَالَ عِمْرَانُ : لَا أَدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ : " ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ " ، اهـ مِنْ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ . وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي إِثْمِ الَّذِينَ لَا يُوفُونَ بِنَذْرِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ كَالَّذِينِ يَخُونُونَ ، وَلَا يُؤْتَمَنُونَ . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ . وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ
عِمْرَانَ هَذَا : فِيهِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ مَنْهِيًّا عَنْهُ : كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْإِقْدَامِ عَلَى النَّذْرِ ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ : إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=4160جَوَازِ نَذْرِ الْمَنْدُوبَاتِ إِلَّا الَّذِي يَتَكَرَّرُ دَائِمًا كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ : إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نَصِّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ . وَنُقِلَ نَحْوُهُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا ، وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُمُ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ . وَأَشَارَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى الْخِلَافِ عَنْهُمْ ، وَالْجَزْمِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ . وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْكَرَاهَةِ ، وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي صِحَّتِهَا ، وَكَرَاهَتُهُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ . اهـ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ
ابْنِ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ " . وَجَزَمَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " : بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : الظَّاهِرُ لِي فِي طَرِيقِ إِزَالَةِ هَذَا الْإِشْكَالِ ، الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4172نَذْرَ الْقُرْبَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : مُعَلَّقٌ عَلَى حُصُولِ نَفْعٍ كَقَوْلِهِ : إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ، فَعَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرُ كَذَا ، أَوْ إِنْ نَجَّانِيَ اللَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ الْمَخُوفِ ، فَعَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرُ كَذَا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى نَفْعٍ لِلنَّاذِرِ ، كَأَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَقَرُّبًا خَالِصًا بِنَذْرِ كَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ ، وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ النَّذْرَ فِيهِ لَمْ يَقَعْ خَالِصًا لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ ، بَلْ بِشَرْطِ حُصُولِ نَفْعٍ لِلنَّاذِرِ وَذَلِكَ النَّفْعُ الَّذِي يُحَاوِلُهُ النَّاذِرُ هُوَ الَّذِي دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْقَدَرَ فِيهِ غَالِبٌ عَلَى النَّذْرِ وَأَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ .
أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=4176نَذْرُ الْقُرْبَةِ الْخَالِصُ مِنِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ فِي النَّذْرِ ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ
[ ص: 247 ] التَّرْغِيبُ وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُوفِينَ بِهِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الطَّيِّبَةِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَالَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِأَمْرَيْنِ :
الْأَوَّلُ أَنَّ نَفْسَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِيهَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ ، دَالَّةٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ ، وَلَا يُقَدِّمُ شَيْئًا ، وَلَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَكَوْنُهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ النَّاذِرَ أَرَادَ بِالنَّذْرِ جَلْبَ نَفْعٍ عَاجِلٍ ، أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ عَاجِلٍ فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا قَضَى اللَّهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ ، وَأَنَّ نَذْرَ النَّاذِرِ لَا يَرُدُّ شَيْئًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ مَا كَانَ يُرِيدُهُ النَّاذِرُ بِنَذْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ الشَّيْءَ الَّذِي نَذَرَ وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا كَمَا ذَكَرْنَا .
الثَّانِي أَنَّ الْجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ وَهَذَا جَمْعٌ مُمْكِنٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاضِحٌ تَنْتَظِمُ بِهِ الْأَدِلَّةُ ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا خِلَافٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّاذِرَ الْجَاهِلَ ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ يَرُدُّ عَنْهُ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ . وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
تَنْبِيهٌ
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4197النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ كَقَوْلِهِ : إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا ، قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ ، فَكَيْفَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ الصَّحِيحَ دَلَّ عَلَى هَذَا ، فَدَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا ، كَمَا ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009116وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْبَخِيلَ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ مَا نَذَرَ إِخْرَاجَهُ ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ أَوَّلًا ، وَلَا غَرَابَةَ فِي هَذَا ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ قَدْ يَكُونُ لَهُ جِهَتَانِ . فَالنَّذْرُ الْمَنْذُورُ لَهُ جِهَةٌ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ أَجْلِهَا ابْتِدَاءً ، وَهِيَ شَرْطُ حُصُولِ النَّفْعِ فِيهِ ، وَلَهُ جِهَةٌ أُخْرَى هُوَ قُرْبَةٌ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا ، وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَنْذُورِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ وَصَرْفُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ فِي اللُّغَةِ النَّحْبُ وَهُوَ مَا يَجْعَلُهُ الْإِنْسَانُ نَحْبًا وَاجِبًا عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
لَبِيدٍ :
[ ص: 248 ] أَلَا تَسْأَلَانِ الْمَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ
وَحَاصِلُهُ : أَنَّهُ إِلْزَامُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهَا ، فَيَجْعَلُهُ وَاجِبًا عَلَيْهَا وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ : الْتِزَامُ الْمُكَلَّفِ قُرْبَةً لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ . وَقَالَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ " : يُقَالُ : نَذَرْتُ أَنْذِرُ وَأَنْذُرُ نَذْرًا إِذَا أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي شَيْئًا تَبَرُّعًا مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي أَحَادِيثِهِ ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرٌ عَنِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرُ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ ، وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ كَانَ بِالنَّهْيِ يَصِيرُ مَعْصِيَةً . فَلَا يَلْزَمُ ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجُرُّ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا ، وَلَا يَصْرِفْ عَنْهُمْ ضُرًّا ، وَلَا يَرُدُّ قَضَاءً . فَقَالَ : لَا تَنْذُرُوا عَلَى أَنَّكُمْ قَدْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ ، أَوْ تَصْرِفُونَ بِهِ عَنْكُمْ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ عَلَيْكُمْ ، فَإِذَا نَذَرْتُمْ وَلَمْ تَعْتَقِدُوا هَذَا فَأَخْرِجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمُ ، اهـ الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ
ابْنِ الْأَثِيرِ . وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ ، وَلَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ .
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَرْجَحَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْجَمْعِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمَالِكِيَّةِ لِلنَّذْرِ شَرْعًا : بِأَنَّهُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ، وَلَوْ غَضْبَانَ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ أَمْرَانِ :
الْأَوَّلُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4167اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِي النَّذْرِ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ مَا نَذَرَهُ الْكَافِرُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ قَدْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ لَغْوًا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ ، لَمَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16524عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ
نَافِعٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1009117أَنَّ عُمَرَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ : " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " ، انْتَهَى مِنْهُ . فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِعُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009118أَوْفِ بِنَذْرِكَ " مَعَ أَنَّهُ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا أَوَّلَهُ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَعْرِيفِ النَّذْرِ ، وَلَوْ غَضْبَانَ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=4168نَذْرِ الْغَضْبَانِ ، هَلْ يُلْزَمُ فِيهِ مَا نَذَرَ أَوْ هُوَ مِنْ نَوْعِ اللَّجَاجِ تَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا أَوْضَحْنَا حُكْمَهُ سَابِقًا .
الْفَرْعُ الْخَامِسُ : اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4186_4180_4192مَنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ تَقَرُّبًا لِلَّهِ فِي مَحَلٍّ [ ص: 249 ] مُعَيَّنٍ ، فَلَا بَأْسَ بِإِيفَائِهِ بِنَذْرِهِ ، بِأَنْ يَنْحَرَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ ، إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ وَثَنٌ يُعْبَدُ ، أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ فِيهِ وَثَنًا يُعْبَدُ ، أَوْ عِيدًا مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهِ .
قَالَ
أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ : حَدَّثْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15856دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ، ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16106شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12135أَبُو قِلَابَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009119نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : " هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ " قَالُوا : لَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَوْفِ بِنَذْرِكَ ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ " انْتَهَى مِنْهُ .
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بِمَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ وَثَنٌ يُعْبَدُ أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ .