nindex.php?page=treesubj&link=29786طعنهم في القرآن
وأما قولهم في القرآن أساطير الأولين كما في الآية 25 ( ص289 ج 7 ط الهيئة ) وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم " درست " كما في الآية 105 ( ص 548 منه ) فهو مما قاله بعضهم في قصص القرآن تعليلا لأنفسهم بما أملاه الخاطر ، وتبادر إلى فكر المكابر ، لا عن معرفة واطلاع كما بيناه في تفسير الآيتين - فمثلهم فيه كمثل من يستكبر من أهل البداية من كاتب أو شاعر ما يكتب أو ينظم فينسبه إلى أحد المشهورين ، ولا سيما إذا كان لذلك الكاتب أو الشاعر صلة بأحد منهم . كما كان يظن بعض الناس أن الأستاذ الإمام هو الذي يحرر المنار كله أو التفسير والفتاوى والمقالات الإصلاحية منه . ولم يجد الجاحدون شبهة على كون النبي صلى الله عليه وسلم تعلم شيئا من أحد وقد عاش طول عمره معهم ، وليس عنده ولا عندهم أحد يعلم أخبار الرسل مع أقوامهم ، وقد احتج عليهم بذلك بأمر الله تعالى حتى ألجأت المكابرة بعضهم إلى عزو هذا التعليم إلى
قين ( حداد ) رومي جاء
مكة يشتغل فيها بصنع السيوف فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف عليه ليشاهد صناعته . وقد رد الله تعالى شبهتهم هذه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ( 16 : 103 ) فإن ذلك الرومي لم يكن يعرف العربية وهذا القرآن قد بلغ ببيانه فيها حد الإعجاز . وتتمة القول في هذا تراه في تفسير الآية الثانية من الآيتين اللتين افتتحنا بهما هذه المسألة .
[ ص: 249 ] فعلم مما تقدم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31791الرسل رجال من البشر في جميع الشئون البشرية الفطرية ليسوا أربابا ولا شركاء لرب العباد في علم الغيب . ولا في تصرفه في تدبير أمر الخلق . فهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا ، ولا إيمانا ولا رشدا ، بل هم عبيد لله سبحانه كسائر عباده ، ولكنه أكرمهم بسلامة الفطرة واختصهم بعلم أوحاه إليهم وأمرهم أن يبلغوه لأقوامهم ليهتدي به المستعد منهم للهداية ، وتحق الكلمة على الجاحدين والمعاندين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) ( 8 : 42 ) . وقد بين للناس أن ما يؤيدهم به من الآيات ليس في استطاعتهم ولا من مقدورهم لأن سنة الله تعالى في قدرتهم كسنته في سائر البشر ، كما أن سنته في علمهم كذلك . فلا الوحي الذي اختصهم به من كسبهم واستنتاج عقولهم ، ولا الآيات المثبتة له من عملهم . تأمل قوله تعالى لخاتم الرسل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ) ( 35 ) وراجع تفسيرها في ( ص 318 ج 7 ط الهيئة تفسير ) .
وتأمل أمره إياه بأن يبين للناس أنه ليس عنده خزائن الله ولا علم الغيب وأنه ليس ملكا ، وحصر خصوصيته باتباع وحي ربه في الآية ( 50 ) التي أشرنا إليها آنفا ، وأمره في الآية التي بعدها بالإنذار ، ثم تدبر بعد هذين الأمرين ما نهاه عنه وما أمره في شأن معاملة فقراء المؤمنين السابقين وسائر المؤمنين في الآيات ( 51 - 55 ) وقارن فيها بين قوله في الآية 35 : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين ) وقوله في آية 52 : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) تعلم الفرق بين مقام الربوبية ومقام عبودية النبوة ، ويقابل هذا النهي عن طرد فقراء المؤمنين إجابة لاقتراح الأغنياء المتكبرين قوله تعالى في معاملة هؤلاء المشركين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) ( 70 ) إلخ . وسيأتي شيء من بيان سنن الله تعالى في الرسل وأقوامهم عند الإشارة إلى ما في السورة من بيان السنن الإلهية العامة في الخلق .
nindex.php?page=treesubj&link=29786طَعْنُهُمْ فِي الْقُرْآنِ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْقُرْآنِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَمَا فِي الْآيَةِ 25 ( ص289 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) وَقَوْلُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَرَسْتَ " كَمَا فِي الْآيَةِ 105 ( ص 548 مِنْهُ ) فَهُوَ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ تَعْلِيلًا لِأَنْفُسِهِمْ بِمَا أَمْلَاهُ الْخَاطِرُ ، وَتَبَادَرَ إِلَى فِكْرِ الْمُكَابِرِ ، لَا عَنْ مَعْرِفَةٍ وَاطِّلَاعٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ - فَمَثَلُهُمْ فِيهِ كَمَثَلِ مَنْ يَسْتَكْبِرُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَايَةِ مِنْ كَاتِبٍ أَوْ شَاعِرٍ مَا يَكْتُبُ أَوْ يَنْظِمُ فَيَنْسِبُهُ إِلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِذَلِكَ الْكَاتِبِ أَوِ الشَّاعِرِ صِلَةٌ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ . كَمَا كَانَ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يُحَرِّرُ الْمَنَارَ كُلَّهُ أَوِ التَّفْسِيرَ وَالْفَتَاوَى وَالْمَقَالَاتِ الْإِصْلَاحِيَّةَ مِنْهُ . وَلَمْ يَجِدِ الْجَاحِدُونَ شُبْهَةً عَلَى كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنْ أَحَدٍ وَقَدْ عَاشَ طُولَ عُمُرِهِ مَعَهُمْ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَهُمْ أَحَدٌ يَعْلَمُ أَخْبَارَ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ ، وَقَدِ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى أَلْجَأَتِ الْمُكَابَرَةُ بَعْضَهُمْ إِلَى عَزْوِ هَذَا التَّعْلِيمِ إِلَى
قَيْنٍ ( حَدَّادٍ ) رُومِيٍّ جَاءَ
مَكَّةَ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِصُنْعِ السُّيُوفِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَيْهِ لِيُشَاهِدَ صِنَاعَتَهُ . وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى شُبْهَتَهُمْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) ( 16 : 103 ) فَإِنَّ ذَلِكَ الرُّومِيَّ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَهَذَا الْقُرْآنُ قَدْ بَلَغَ بِبَيَانِهِ فِيهَا حَدَّ الْإِعْجَازِ . وَتَتِمَّةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا تَرَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ افْتَتَحْنَا بِهِمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ .
[ ص: 249 ] فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31791الرُّسُلَ رِجَالٌ مِنَ الْبَشَرِ فِي جَمِيعِ الشُّئُونِ الْبَشَرِيَّةِ الْفِطْرِيَّةِ لَيْسُوا أَرْبَابًا وَلَا شُرَكَاءَ لِرَبِّ الْعِبَادِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ . وَلَا فِي تَصَرُّفِهِ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِ الْخَلْقِ . فَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا إِيمَانًا وَلَا رَشَدًا ، بَلْ هُمْ عَبِيدٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَسَائِرِ عِبَادِهِ ، وَلَكِنَّهُ أَكْرَمَهُمْ بِسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَاخْتَصَّهُمْ بِعِلْمٍ أَوْحَاهُ إِلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغُوهُ لِأَقْوَامِهِمْ لِيَهْتَدِيَ بِهِ الْمُسْتَعِدُّ مِنْهُمْ لِلْهِدَايَةِ ، وَتَحِقَّ الْكَلِمَةُ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَالْمُعَانِدِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) ( 8 : 42 ) . وَقَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ مَا يُؤَيِّدُهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ وَلَا مِنْ مَقْدُورِهِمْ لِأَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قُدْرَتِهِمْ كَسُنَّتِهِ فِي سَائِرِ الْبَشَرِ ، كَمَا أَنَّ سُنَّتَهُ فِي عِلْمِهِمْ كَذَلِكَ . فَلَا الْوَحْيُ الَّذِي اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنْ كَسْبِهِمْ وَاسْتِنْتَاجِ عُقُولِهِمْ ، وَلَا الْآيَاتُ الْمُثْبِتَةُ لَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ . تَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى لِخَاتَمِ الرُّسُلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ( 35 ) وَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ( ص 318 ج 7 ط الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ ) .
وَتَأَمَّلْ أَمْرَهُ إِيَّاهُ بِأَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا عِلْمُ الْغَيْبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَلَكًا ، وَحَصَرَ خُصُوصِيَّتَهُ بِاتِّبَاعِ وَحْيِ رَبِّهِ فِي الْآيَةِ ( 50 ) الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا آنِفًا ، وَأَمْرَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِالْإِنْذَارِ ، ثُمَّ تَدَبَّرْ بَعْدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ وَمَا أَمَرَهُ فِي شَأْنِ مُعَامَلَةِ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَاتِ ( 51 - 55 ) وَقَارِنْ فِيهَا بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ 35 : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) وَقَوْلِهِ فِي آيَةِ 52 : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=52مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) تَعْلَمِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمَقَامِ عُبُودِيَّةِ النُّبُوَّةِ ، وَيُقَابِلُ هَذَا النَّهْيَ عَنْ طَرْدِ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إِجَابَةً لِاقْتِرَاحِ الْأَغْنِيَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي مُعَامَلَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ) ( 70 ) إِلَخْ . وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ بَيَانِ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الرُّسُلِ وَأَقْوَامِهِمْ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي السُّورَةِ مِنْ بَيَانِ السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي الْخَلْقِ .