(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197nindex.php?page=treesubj&link=28973_3280_3471الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ياأولي الألباب ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الحج أشهر معلومات ) معناه أن الوقت الذي يؤدى فيه الحج أشهر يعلمها الناس ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ; أي : إنه يؤدى في هذه الأشهر ، ولا يلزم أن يكون من أول
[ ص: 182 ] يوم منها إلى آخر يوم ; بل معناه أنه يصح الإحرام به من غرة أولها وتنتهي أركانه وواجباته في أثناء آخرها ، فالوقوف في التاسع من ذي الحجة وبقية المناسك في أيام العيد وهي يوم النحر ، الذي فسر به قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3يوم الحج الأكبر ) ( 9 : 3 ) وأيام التشريق ، وجوز بعض السلف
nindex.php?page=treesubj&link=3526تأخير طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة . وقد اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم : إنها الأشهر الثلاثة ومن أولها إلى آخرها ، ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وعليه
مالك . وقال بعضهم : إنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعليه أبو حنيفة
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد . ولا حجة في الآية لأحد على تحديده ، والمتبادر منها ما ذكرناه . وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197معلومات ) إقرار لما كان عليه العرب في الجاهلية من أشهر الحج ; لأنه منقول بالتواتر العملي من عهد
إبراهيم وإسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - وهو يتضمن بطلان النسيء فيها ، لأنه جاهلي معروف .
وقد استدل بالآية على أنه لا يجوز الإحرام بالحج في غير هذه الأشهر ، لأنه شروع في العبادة في غير وقتها كمن يصلي قبل دخول الوقت ، ويروى عن بعض علماء التابعين وعليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور من أئمة الفقه . وقال
أبو حنيفة وأحمد : إنه جائز مع الكراهة .
ومالك بلا كراهة .
وقد بحث بعض العلماء في لفظ الأشهر وكونها جمع قلة ، وهل ورد في بيانها نص أو إجماع ؟
وأقول : إنه بحث لا وجه له ، فالمراد بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197معلومات ) أنها هي أشهر الحج المعروفة للعرب قبل الإسلام ، ولا خلاف في أنها الثلاثة التي ذكرناها ، ولذلك لم يؤثر عن الصحابة فيها إلا ما قيل في الثالث منها : هل تكون أيامه كلها أيام حج أم تنتهي أركان الحج في العاشر منه ؟
فالآية ظاهرة في أن الحج لا يكون إلا في هذه الأشهر ، ولعل هذا هو سر جعلها خبرا عنه ، ولما كان أعظم أركانه - وهو الوقوف بعرفة - يكون في التاسع من الثالث علم أن الحج لا يتكرر فيها ، فمن أحرم بالحج بعد هذا اليوم فلا حج له . قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فمن فرض فيهن الحج ) أي : أوجبه وألزمه نفسه بالشروع فيه وقد مر بيان كيفيته (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) تقدم تفسير الرفث في آيات الصيام وأنه كناية عن الجماع . والفسوق : الخروج عن حدود الشرع بأي فعل محظور ، وقيل : إن المراد به الذبح للأصنام خاصة ، وخصه بعضهم بالسباب والتنابز بالألقاب . والجدال : قيل هو بمعنى الجلاد من الجدل بمعنى القتل ، وقيل هو المراء بالقول ، وهو يكثر عادة بين الرفقة والخدم في السفر ; لأن مشقته تضيق الأخلاق . هذا هو المشهور .
وأقول : إنه يجوز حملها على جميع معانيها الحقيقية وغيرها على قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير المختار عندنا ، ويكون النفي المراد به النهي في بعضها للتحريم كالرفث بمعنى الجماع لا يفسد النسك ، وفي بعضها الآخر للكراهة الشديدة كالرفث بمعنى الكلام الصريح في أمور الوقاع كما تقدم بيانه في تفسير آيات الصيام إلخ .
وقال الأستاذ الإمام : إن تفسير الكلمات الثلاث ينبغي أن يكون متناسبا وبحسب حال
[ ص: 183 ] القوم في زمن التشريع ، فأما الرفث فهو كما قيل : الجماع ، وأما الفسوق : فهو الخروج عما يجب على المحرم إلى الأشياء التي كانت مباحة في الحل ، كالصيد والطيب والزينة باللباس المخيط ، والجدال : هو ما كان يجري بين القبائل من التنازع والتفاخر في الموسم ، فبهذا يكون التناسب بين الكلمات ، وإلا حملت كلها على مدلولها اللغوي ، فجعل الرفث قول الفحش ، والفسوق التنابز بالألقاب على حد (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق ) ( 49 : 11 ) والجدال المراء والخصام ، فتكون هذه المناهي كلها آدابا لسانية .
والنكتة في منع هذه الأشياء ( على أنها آداب لسانية ) تعظيم شأن الحرم وتغليظ أمر الإثم فيه ; إذ الأعمال تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فللملأ آداب غير آداب الخلوة مع الأهل ، ويقال في مجلس الإخوان ما لا يقال في مجلس السلطان ، ويجب أن يكون المرء في أوقات العبادة والحضور مع الله تعالى على أكمل الآداب وأفضل الأحوال ، وناهيك بالحضور في البيت الذي نسبه الله سبحانه إليه ، وقد بينا معنى هذه النسبة في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) ( 2 : 125 ) الآيات .
وأما السر فيها - على أنها من محرمات الإحرام - فهو أن يتمثل الحاج أنه بزيارته لبيت الله تعالى مقبل على الله تعالى قاصد له ، فيتجرد عن عاداته ونعيمه ، وينسلخ من مفاخره ومميزاته على غيره ، وبحيث يساوي الغني الفقير ، ويماثل الصعلوك الأمير ، فيكون الناس من جميع الطبقات في زي كزي الأموات ، وفي ذلك من تصفية النفس وتهذيبها وإشعارها من حقيقة العبودية لله والأخوة للناس ما لا يقدر قدره ، وإن كان لا يخفى أمره ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الصحيحين ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918732من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ) وذلك أن الإقبال على الله تعالى بتلك الهيئة والتقلب في تلك المناسك على الوجه المشروع يمحو من النفوس آثار الذنوب وظلمتها ويدخلها في حياة جديدة ، لها فيها ما كسبت وعليها ما اكتسبت .
وأقول : إن من بلاغة الإيجاز في الآية التصريح في مقام الإضمار بذكر الحج ثلاث مرات ، المراد بأولها زمان الحج كقولهم : البرد شهران ، وبالثاني الحج نفسه المسمى بالنسك ، وبالثالث ما يعم زمان أدائه ومكانه وهو أرض الحرم وما يتبعها كعرفات ، كما تعم الظرفية في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) ( 22 : 25 ) جميع أرض الحرم وإن كان الضمير فيه راجعا إلى المسجد الحرام ، فقد كان
عبد الله بن عمر يضرب خيامه خارج حدود الحرم فيطوف كل يوم في المسجد ويصلي ثم يجيء خيامه فيبيت فيها ، وعلل ذلك بأنه يخاف أن يهين أحد خدمه فيكون ملحدا في المسجد الحرام ، فجميع أمكنة الحرم من شعائر الله ومشاعره وحرماته التي يجب احترامها ، وأهمها اجتناب الرفث والفسوق والجدال بالباطل فيها ، إلا أن الرفث بين الزوجين يحل بالتحلل من النسك لأنه في نفسه ليس قبيحا .
ولو قال : فمن فرضه فيهن فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه ، لم يؤد هذه المعاني كلها .
ومن القراءات فيها قراءة
ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب ( ( رفث وفسوق ) ) بالرفع ( ( وجدال ) )
[ ص: 184 ] بالفتح والباقون بالفتح . وهو أبلغ ; لأنه نفي لجنس هذه الأشياء يشمل جميع أفرادها بالنص ويتضمن معنى النهي عنها بطريق الأولوية .
ثم قال تعالى بعد النهي عن هذه المحظورات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) وفيه التفات إلى الخطاب ويشعر العطف بمحذوف تقديره أن اتركوا هذه الأمور الممنوعة في الحج لتخلية نفوسكم وتصفيتها ، وحلوها بعد ذلك بفعل الخير لتتم لكم تزكيتها ، فإن النفوس بعد ذلك تكون أشد استعدادا للاتصاف بالخير ، والله لا يضيع عليكم أقل شيء منه ; لأنه عالم به وبأنكم وافقتم فيه سنته وشريعته (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) قالوا : إن هذا نزل في ردع
أهل اليمن عن ترك التزود زعما أنه من مقتضى التوكل على الله فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : كان
أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن متوكلون ، ثم يقدمون فيسألون الناس فنزلت . فالمراد بالتقوى على هذا اتقاء السؤال وبذل ماء الوجه .
قال الأستاذ الإمام : وهو غير ظاهر من العبارة ، بل المتبادر منها أن الزاد هو زاد الأعمال الصالحة وما تدخر من الخير والبر كما يرشد إليه التعليل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فإن خير الزاد التقوى ) والمعنى من التقوى معروف وهو ما به يتقي سخط الله ، وليس ذلك إلا البر والتنزه عن المنكر ، ولا يعلل بأن التقوى خير زاد إلا وهو يريد التزود منها ، أما معنى الذي ذكروه فلا يصلح مرادا من الآية ; لأنه لولا ما أوردوا من السبب لم يخطر ببال سامع اللفظ ، والسبب ليس مذكورا في الآية ولا مشارا إليه فيها فلا يصلح قرينة على المراد من ألفاظها ، نعم إن السبب قد ينير السبيل في فهم الآية ، ولكن يجب أن تكون مفهومة بنفسها ; لأن السبب ليس من القرآن ولذلك أتمها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197واتقون يا أولي الألباب ) يعني من كان له لب وعقل فليتقني فإنه يكون على نور من فائدة التقوى وأهلا للانتفاع بها . أقول : ويدخل في فعل الخير والطاعة الأخذ بالأسباب كالتزود وتحامي وسائل الحاجة إلى السؤال المذموم والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197nindex.php?page=treesubj&link=28973_3280_3471الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الْحَجُّ أَشْهَرٌ مَعْلُومَاتٌ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يُؤَدَّى فِيهِ الْحَجُّ أَشْهُرٌ يَعْلَمُهَا النَّاسُ ، وَهِيَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ; أَيْ : إِنَّهُ يُؤَدَّى فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَّلِ
[ ص: 182 ] يَوْمٍ مِنْهَا إِلَى آخِرِ يَوْمٍ ; بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ مِنْ غُرَّةِ أَوَّلِهَا وَتَنْتَهِي أَرْكَانُهُ وَوَاجِبَاتُهُ فِي أَثْنَاءِ آخِرِهَا ، فَالْوُقُوفُ فِي التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَبَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ ، الَّذِي فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) ( 9 : 3 ) وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَجَوَّزَ بَعْضُ السَّلَفِ
nindex.php?page=treesubj&link=3526تَأْخِيرَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إِلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ وَمِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، وَيُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ وَعَلَيْهِ
مَالِكٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَيُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ . وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَحَدٍ عَلَى تَحْدِيدِهِ ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197مَعْلُومَاتٌ ) إِقْرَارٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ ; لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ الْعَمَلِيِّ مِنْ عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ يَتَضَمَّنُ بُطْلَانَ النَّسِيءِ فِيهَا ، لِأَنَّهُ جَاهِلِيٌّ مَعْرُوفٌ .
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ ، لِأَنَّهُ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَمَنْ يُصَلِّي قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ ، وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ مِنَ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ : إِنَّهُ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ .
وَمَالُكٌ بِلَا كَرَاهَةٍ .
وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَفْظِ الْأَشْهُرِ وَكَوْنِهَا جَمْعَ قِلَّةٍ ، وَهَلْ وَرَدَ فِي بَيَانِهَا نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ ؟
وَأَقُولُ : إِنَّهُ بَحْثٌ لَا وَجْهَ لَهُ ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197مَعْلُومَاتٌ ) أَنَّهَا هِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ الْمَعْرُوفَةُ لِلْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الصَّحَابَةِ فِيهَا إِلَّا مَا قِيلَ فِي الثَّالِثِ مِنْهَا : هَلْ تَكُونُ أَيَّامُهُ كُلُّهَا أَيَّامَ حَجٍّ أَمْ تَنْتَهِي أَرْكَانُ الْحَجِّ فِي الْعَاشِرِ مِنْهُ ؟
فَالْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سِرُّ جَعْلِهَا خَبَرًا عَنْهُ ، وَلَمَّا كَانَ أَعْظَمُ أَرْكَانِهِ - وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ - يَكُونُ فِي التَّاسِعِ مِنَ الثَّالِثِ عُلِمَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَكَرَّرُ فِيهَا ، فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا حَجَّ لَهُ . قَالَ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) أَيْ : أَوْجَبَهُ وَأَلْزَمَهُ نَفْسَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الرَّفَثِ فِي آيَاتِ الصِّيَامِ وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ . وَالْفُسُوقُ : الْخُرُوجُ عَنْ حُدُودِ الشَّرْعِ بِأَيِّ فِعْلٍ مَحْظُورٍ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذَّبْحُ لِلْأَصْنَامِ خَاصَّةً ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالسِّبَابِ وَالتَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ . وَالْجِدَالُ : قِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْجِلَادِ مِنَ الْجَدَلِ بِمَعْنَى الْقَتْلِ ، وَقِيلَ هُوَ الْمِرَاءُ بِالْقَوْلِ ، وَهُوَ يَكْثُرُ عَادَةً بَيْنَ الرُّفْقَةِ وَالْخَدَمِ فِي السَّفَرِ ; لِأَنَّ مَشَقَّتَهُ تُضَيِّقُ الْأَخْلَاقَ . هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَأَقُولُ : إِنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنِ جَرِيرٍ الْمُخْتَارِ عِنْدَنَا ، وَيَكُونُ النَّفْيُ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ فِي بَعْضِهَا لِلتَّحْرِيمِ كَالرَّفَثِ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ لَا يُفْسِدُ النُّسُكَ ، وَفِي بَعْضِهَا الْآخَرِ لِلْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ كَالرَّفَثِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الصَّرِيحِ فِي أُمُورِ الْوِقَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَاتِ الصِّيَامِ إِلَخْ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ تَفْسِيرَ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَنَاسِبًا وَبِحَسَبِ حَالِ
[ ص: 183 ] الْقَوْمِ فِي زَمَنِ التَّشْرِيعِ ، فَأَمَّا الرَّفَثُ فَهُوَ كَمَا قِيلَ : الْجِمَاعُ ، وَأَمَّا الْفُسُوقُ : فَهُوَ الْخُرُوجُ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الْحِلِّ ، كَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ وَالزِّينَةِ بِاللِّبَاسِ الْمَخِيطِ ، وَالْجِدَالُ : هُوَ مَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْقَبَائِلِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّفَاخُرِ فِي الْمَوْسِمِ ، فَبِهَذَا يَكُونُ التَّنَاسُبُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ ، وَإِلَّا حُمِلَتْ كُلُّهَا عَلَى مَدْلُولِهَا اللُّغَوِيِّ ، فَجُعِلَ الرَّفَثُ قَوْلَ الْفُحْشِ ، وَالْفُسُوقُ التَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ عَلَى حَدِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ ) ( 49 : 11 ) وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ وَالْخِصَامُ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَنَاهِي كُلُّهَا آدَابًا لِسَانِيَّةً .
وَالنُّكْتَةُ فِي مَنْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ( عَلَى أَنَّهَا آدَابٌ لِسَانِيَّةٌ ) تَعْظِيمُ شَأْنِ الْحَرَمِ وَتَغْلِيظُ أَمْرِ الْإِثْمِ فِيهِ ; إِذِ الْأَعْمَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، فَلِلْمَلَأِ آدَابٌ غَيْرُ آدَابِ الْخَلْوَةِ مَعَ الْأَهْلِ ، وَيُقَالُ فِي مَجْلِسِ الْإِخْوَانِ مَا لَا يُقَالُ فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِي أَوْقَاتِ الْعِبَادَةِ وَالْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَكْمَلِ الْآدَابِ وَأَفْضَلِ الْأَحْوَالِ ، وَنَاهِيكَ بِالْحُضُورِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ) ( 2 : 125 ) الْآيَاتِ .
وَأَمَّا السِّرُّ فِيهَا - عَلَى أَنَّهَا مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ - فَهُوَ أَنْ يَتَمَثَّلَ الْحَاجُّ أَنَّهُ بِزِيَارَتِهِ لِبَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى مُقْبِلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَاصِدٌ لَهُ ، فَيَتَجَرَّدُ عَنْ عَادَاتِهِ وَنَعِيمِهِ ، وَيَنْسَلِخُ مِنْ مَفَاخِرِهِ وَمُمَيِّزَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَبِحَيْثُ يُسَاوِي الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ ، وَيُمَاثِلُ الصُّعْلُوكُ الْأَمِيرَ ، فَيَكُونُ النَّاسُ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ فِي زِيٍّ كَزِيِّ الْأَمْوَاتِ ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ تَصْفِيَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا وَإِشْعَارِهَا مِنْ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَالْأُخُوَّةِ لِلنَّاسِ مَا لَا يُقَدَّرُ قَدْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى أَمْرُهُ ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918732مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) ) وَذَلِكَ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ وَالتَّقَلُّبَ فِي تِلْكَ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ يَمْحُو مِنَ النُّفُوسِ آثَارَ الذُّنُوبِ وَظُلْمَتَهَا وَيُدْخِلُهَا فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ ، لَهَا فِيهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .
وَأَقُولُ : إِنَّ مِنْ بَلَاغَةِ الْإِيجَازِ فِي الْآيَةِ التَّصْرِيحُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِذِكْرِ الْحَجِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، الْمُرَادُ بِأَوَّلِهَا زَمَانُ الْحَجِّ كَقَوْلِهِمْ : الْبَرْدُ شَهْرَانِ ، وَبِالثَّانِي الْحَجُّ نَفْسُهُ الْمُسَمَّى بِالنُّسُكِ ، وَبِالثَّالِثِ مَا يَعُمُّ زَمَانَ أَدَائِهِ وَمَكَانَهُ وَهُوَ أَرْضُ الْحَرَمِ وَمَا يَتْبَعُهَا كَعَرَفَاتٍ ، كَمَا تَعُمُّ الظَّرْفِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( 22 : 25 ) جَمِيعَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَدْ كَانَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَضْرِبُ خِيَامَهُ خَارِجَ حُدُودِ الْحَرَمِ فَيَطُوفُ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّي ثُمَّ يَجِيءُ خِيَامَهُ فَيُبَيِّتُ فِيهَا ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يُهِينَ أَحَدَ خَدَمِهِ فَيَكُونُ مُلْحِدًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَجَمِيعُ أَمْكِنَةِ الْحَرَمِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وَمَشَاعِرِهِ وَحُرُمَاتِهِ الَّتِي يَجِبُ احْتِرَامُهَا ، وَأَهَمُّهَا اجْتِنَابُ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ فِيهَا ، إِلَّا أَنَّ الرَّفَثَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ قَبِيحًا .
وَلَوْ قَالَ : فَمَنْ فَرَضَهُ فِيهِنَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِيهِ ، لَمْ يُؤَدِّ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلَّهَا .
وَمِنَ الْقِرَاءَاتِ فِيهَا قِرَاءَةُ
ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ ( ( رَفَثُ وَفُسُوقُ ) ) بِالرَّفْعِ ( ( وَجِدَالَ ) )
[ ص: 184 ] بِالْفَتْحِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ . وَهُوَ أَبْلَغُ ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِجِنْسِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِهَا بِالنَّصِّ وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) وَفِيهِ الْتِفَاتٌ إِلَى الْخِطَابِ وَيُشْعِرُ الْعَطْفُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَنِ اتْرُكُوا هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَمْنُوعَةَ فِي الْحَجِّ لِتَخْلِيَةِ نُفُوسِكُمْ وَتَصْفِيَتِهَا ، وَحَلُّوهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْخَيْرِ لِتَتِمَّ لَكُمْ تَزْكِيَّتُهَا ، فَإِنَّ النُّفُوسَ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ أَشَدَّ اسْتِعْدَادًا لِلِاتِّصَافِ بِالْخَيْرِ ، وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ عَلَيْكُمْ أَقَلَّ شَيْءٍ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهِ وَبِأَنَّكُمْ وَافَقْتُمْ فِيهِ سُنَّتَهُ وَشَرِيعَتَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) قَالُوا : إِنَّ هَذَا نَزَلَ فِي رَدْعِ
أَهْلِ الْيَمَنِ عَنْ تَرْكِ التَّزَوُّدِ زَعْمًا أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ
أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ : نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ ، ثُمَّ يَقْدُمُونَ فَيَسْأَلُونَ النَّاسَ فَنَزَلَتْ . فَالْمُرَادُ بِالتَّقْوَى عَلَى هَذَا اتِّقَاءُ السُّؤَالِ وَبَذْلِ مَاءِ الْوَجْهِ .
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنَ الْعِبَارَةِ ، بَلِ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَنَّ الزَّادَ هُوَ زَادُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَمَا تُدَّخَرُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ التَّعْلِيلُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) وَالْمَعْنَى مِنَ التَّقْوَى مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا بِهِ يَتَّقِي سَخَطَ اللَّهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا الْبِرُّ وَالتَّنَزُّهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَا يُعَلِّلُ بِأَنَّ التَّقْوَى خَيْرُ زَادٍ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ التَّزَوُّدَ مِنْهَا ، أَمَّا مَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا يَصْلُحُ مُرَادًا مِنَ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْلَا مَا أَوْرَدُوا مِنَ السَّبَبِ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ سَامِعِ اللَّفْظِ ، وَالسَّبَبُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ وَلَا مُشَارًا إِلَيْهِ فِيهَا فَلَا يَصْلُحُ قَرِينَةً عَلَى الْمُرَادِ مِنْ أَلْفَاظِهَا ، نَعَمْ إِنَّ السَّبَبَ قَدْ يُنِيرُ السَّبِيلَ فِي فَهْمِ الْآيَةِ ، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَفْهُومَةً بِنَفْسِهَا ; لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلِذَلِكَ أَتَمَّهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ لُبٌّ وَعَقْلٌ فَلْيَتَّقِنِي فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى نُورٍ مِنْ فَائِدَةِ التَّقْوَى وَأَهْلًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا . أَقُولُ : وَيَدْخُلُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ كَالتَّزَوُّدِ وَتَحَامِي وَسَائِلِ الْحَاجَةِ إِلَى السُّؤَالِ الْمَذْمُومِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .