لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغبا لهم في ذكره فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله ، ومعنى لا تلهكم لا تشغلكم ، والمراد بالذكر فرائض الإسلام ، قاله الحسن .
وقال الضحاك : الصلوات الخمس وقيل : قراءة القرآن ، وقيل : هو خطاب للمنافقين ، ووصفهم بالإيمان لكونهم آمنوا ظاهرا ، والأول أولى ومن يفعل ذلك أي يلتهي بالدنيا عن الدين فأولئك هم الخاسرون أي الكاملون في الخسران .
وأنفقوا مما رزقناكم الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه ، و " من " للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير ، وقيل : المراد الزكاة المفروضة من قبل أن يأتي أحدكم الموت بأن تنزل به أسبابه ويشاهد حضور علاماته ، وقدم المفعول على الفاعل للاهتمام فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب أي يقول عند نزول ما نزل به مناديا لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أجل قريب ، أي : أمد قصير فأصدق أي فأتصدق بمالي وأكن من الصالحين قرأ الجمهور فأصدق بإدغام التاء في الصاد ، وانتصابه على أنه جواب التمني ، وقيل : إن " لا " في لولا زائدة ، والأصل لو أخرتني .
وقرأ أبي وابن مسعود ، وسعيد بن جبير " فأتصدق " بدون إدغام ، على الأصل .
وقرأ الجمهور وأكن بالجزم على محل فأتصدق ، كأنه قيل : إن قيل : إن أخرتني أتصدق وأكن . قال الزجاج : معناه هلا أخرتني . وجزم " أكن " على موضع " فأصدق " ؛ لأنه على معنى : إن أخرتني أصدق أكن .
وكذا قال أبو علي الفارسي ، وابن عطية وغيرهم .
وقال سيبويه حاكيا عن الخليل : إنه جزم على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني ، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير :
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فخفض " ولا سابق " عطفا على " مدرك " الذي هو خبر " ليس " على توهم زيادة الباء فيه .وقرأ أبو عمرو ، وابن محيصن ، ومجاهد " وأكون " بالنصب عطفا على " فأصدق " ووجهها واضح .
ولكن قال أبو عبيد : رأيت في مصحف عثمان " وأكن " بغير واو ، وقرأ عبيد بن عمير " وأكون " بالرفع على الاستئناف ، أي : وأنا أكون .
قال الضحاك : لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤد زكاة إلا سأل الرجعة ، وقرأ هذه الآية .
ثم أجاب الله سبحانه عن هذا المتمني فقال : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها أي إذا حضر أجلها وانقضى عمرها والله خبير بما تعملون لا يخفى عليه شيء منه فهو مجازيكم بأعمالكم .
قرأ الجمهور تعملون بالفوقية على الخطاب ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، والسلمي بالتحتية على الخبر .
[ ص: 1496 ] وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم الآية قال : هم عباد من أمتي ، الصالحون منهم - لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وعن الصلوات الخمس المفروضة .
وأخرج عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له مال يبلغه حج بيت الله ، أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت ، فقال رجل : يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكافر ، فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا ياأيها الذين آمنوا إلى آخر السورة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فأصدق وأكن من الصالحين قال : أحج .


