فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من هذا الأصل الذي عليه مدار الرضاع وبه يعتبر حكماه في التحريم والمحرم ، فانتشارهما من جهة المرضعة متفق عليه ، وانتشارهما من جهة الفحل مختلف فيه ، فمذهب
الشافعي وما عليه الأكثرون أن
nindex.php?page=treesubj&link=12913_12924ثبوت الحرمة وانتشارها من جهة الفحل في التحريم والمحرم كثبوتها ، وانتشارها من جهة المرضعة وبه قال من الصحابة :
علي بن أبي طالب ،
وعبد الله بن عباس ،
وعائشة رضوان الله عليهم ومن التابعين
عطاء ،
وطاوس ،
ومجاهد ، ومن الفقهاء :
أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ،
والليث بن سعد ،
وأحمد وإسحاق ، وذهبت طائفة إلى أن الفحل لا ينتشر عنه حرمة الرضاع ، ولا يثبت من جهته تحريم ، ولا محرم ، ويجوز له أن ينكح المرتضعة بلبنه ، وكذلك ولده من غير المرضعة ، وبه قال من الصحابة :
ابن عمر ،
وابن الزبير ،
ورافع بن خديج رضي الله تعالى عنهم ، ومن التابعين :
سعيد بن المسيب ،
وسليمان بن يسار ،
وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، ومن الفقهاء
النخعي ،
وربيعة بن أبي عبد الرحمن ،
وحماد بن أبي سليمان ،
والأصم وابن علية ،
وأبو عبد الرحمن الشافعي ،
وداود بن علي ، وأهل الظاهر ، وجعله
داود مقصورا على الأمهات والأخوات استدلالا بقول الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [ النساء : 23 ] فخصهما بذكر التحريم ، ثم قال من بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] فدل على إباحة من عداهما وادعوا في ذلك إجماع الصحابة ، وهو ما روي أن
عبد الله بن الزبير خطب
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة من أمها أم سلمة لأخيه
حمزة بن الزبير ، فقالت : كيف أزوجها به وهو أخوها من الرضاعة ؟ فقال
عبد الله : ذاك لو أرضعتها الكلبية ، وذلك أن
عبد الله بن الزبير أمه
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر ،
وحمزة بن الزبير أمه الكلبية ، وكانت
أسماء قد أرضعت
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة فصارت زينب أختا
لعبد الله من أبيه وأمه ، وأختا
لحمزة من أبيه دون أمه فجعلها
عبد الله أختا لنفسه ، ولم يجعلها أختا لأخيه
حمزة ، ولا جعل اللبن لأبيه
الزبير ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=54لأم سلمة : سلي الصحابة ، فسألوا ، وذلك في أيام الحيرة فأباحوها له ، وقالوا : لبن الفحل لا يحرم فزوجت به ، وكانت عنده إلى أن مات
[ ص: 359 ] فصار إجماعا ؛ ولأن الفحل لو نزل له لبن فأرضع به ولد لم يصر له أبا فلأن لا يصير أبا له بلبن غيره أولى ، ولأن اللبن لو كان لهما لكان إذا أرضعت به ولدا يكون أجرة الرضاع بينهما ، فلما اختصت المرضعة بالأجرة دون الفحل دل على أن اللبن لها لا للفحل ، ولأن الرضاع لما اختص ببعض أحكام النسب لضعفه وجب أن يختص بالمرضعة لنفسه . ودليلنا قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ النساء : 23 ] إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [ النساء : 23 ] ومن الآية دليلان ، وينفصل بهما عن استدلالهم بها ، أحدهما : أنه نص على الأمهات تنبيها على البنات ، ونص على الأخوات تنبيها على الخالات والعمات اكتفاء بما تقدم تفصيله . والثاني : أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأخواتكم عموم يتناول الأخوات من الأم ، والأخوات من الأب فلم يقتض الظاهر تخصيص أحدهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924327يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، وتحريم النسب عام في جهة الأبوين ، فكذلك تحريم الرضاع . وروى
هشام بن عروة ، عن أبيه عن
عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924328دخل علي أفلح أخو أبي قعيس بعدما نزلت آية الحجاب ، فاستترت منه فقال : تستترين مني وأنا عمك ، فقالت من أين ؟ فقال : أرضعتك امرأة أخي فقالت : إنما أرضعتني امرأة ولم يرضعني رجل ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثه ، فقال : إنه عمك فليلج عليك . وهذا نص . ومن طريق المعنى أن كل من حرم بالنسب حرم بالرضاع كالأم ، وهذا مما وافق فيه لفظ السنة معناها ؛ ولأن المولود مخلوق من مائهما ، فكان الولد لهما وإن باشرت الأم ولادته فاقتضى أن يكون اللبن الحادث عنه لهما ، وإن باشرت الأم رضاعه ، وإذا كان اللبن لهما وجب أن تنتشر حرمته إليهما ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الرضاع في التحريم بالنسب ،
nindex.php?page=treesubj&link=14486_14487_14488_14491وأحكام النسب تنقسم ثلاثة أقسام : قسم يختص بعمودي النسب الأعلى ، وهم الوالدان ، والأسفل وهم المولودون ولا يتجاوزهما إلى ما تفرع عليهما ، وذلك وجوب النفقة وسقوط القود ، والعتق بالملك والمنع من الشهادة . وقسم يختص بالنسب إلى حيث ما انتشر وتفرع وذلك الميراث . وقسم يختص بذي الرحم من ذوي الأرحام ، وذلك تحريم المناكح . فلما لم يلحق الرضاع بالقسم الأول في اختصاصه بعمودي النسب لتحريم الأخوات ، ولم يلحق بالقسم الثاني في اختصاصه بما تفرع على النسب لإباحة بنات
[ ص: 360 ] الأعمام والعمات ثبت لحوقه بالقسم الثالث في اختصاصه بذي الرحم والمحرم . فأما الجواب عن ادعائهم الإجماع فقد خالف فيه
علي ،
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومع خلافهما يبطل الإجماع مع كون القياس معهما به . وأما الجواب بأن الفحل لو أرضع بلبنه لم يحرم ، فهو أنه لبن لم يخلق منه المولود فلذلك لم يتعلق عليه التحريم ، وجرى مجرى غيره من الألبان والأغذية ، وخالف فيه لبن المرأة المخلوق لغذاء المولود . وأما الجواب عن قولهم : لو كان اللبن لهما لكانت أجرة الرضاع بينهما فهو أن أصحابنا قد اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=12868أجرة الرضاع إلى ماذا ينصرف على وجهين : أحدهما : إلى الحضانة ، والرضاع تبع ، فعلى هذا يسقط الاستدلال . والوجه الثاني : إلى اللبن ، والحضانة تبع ، فعلى هذا : الأجرة مأخوذة على فعل الرضاع ؛ لأنه مشاهد معلوم ، وليست مأخوذة ثمنا للبن للجهالة به ، وفقد رؤيته ، ومن أصحابنا من جعلها ثمنا للبن ، وجعلها أحق به ، وإن اشتركا في سببه ؛ لأنها مباشرة كرجلين اشتركا في حفر بئر فاستقى أحدهما من مائها كان أحق بما استقاه لمباشرته ، وأما الجواب عن قولهم : إن اختصاصه ببعض أحكام النسب لضعفه يقتضي اختصاصه ببعض جهاته فهو أنه لما شارك النسب في التحريم وجب أن يشاركه في غير التحريم ، ويغلب ذلك دليلا عليهم ، فيقال لهم : لما كان المرتضع موافقا للمولود في الرضاع ومفارقا له في الولادة اقتضى أن يسلب بفقد النسب الواحد ما تعلق لسبب واحد والله أعلم .
فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الرَّضَّاعِ وَبِهِ يُعْتَبَرُ حُكْمَاهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمِ ، فَانْتِشَارُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمُرْضِعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَانْتِشَارُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12913_12924ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ وَانْتِشَارَهَا مِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمِ كَثُبُوتِهَا ، وَانْتِشَارِهَا مِنْ جِهَةِ الْمُرْضِعَةِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ :
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ،
وَعَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ
عَطَاءٌ ،
وَطَاوُسٌ ،
وَمُجَاهِدٌ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ،
وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ،
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْفَحْلَ لَا يَنْتَشِرُ عَنْهُ حُرْمَةُ الرِّضَاعِ ، وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ تَحْرِيمٌ ، وَلَا مُحَرَّمٌ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُرْتَضَعَةَ بِلَبَنِهِ ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ :
ابْنُ عُمَرَ ،
وَابْنُ الزُّبَيْرِ ،
وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ :
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ،
وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ
النَّخَعِيُّ ،
وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ،
وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ،
وَالْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ ،
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ ،
وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَجَعَلَهُ
دَاوُدُ مَقْصُورًا عَلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [ النِّسَاءِ : 23 ] فَخَصَّهُمَا بِذِكْرِ التَّحْرِيمِ ، ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [ النِّسَاءِ : 24 ] فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ مَنْ عَدَاهُمَا وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَطَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=170زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ لِأَخِيهِ
حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَتْ : كَيْفَ أُزَوِّجُهَا بِهِ وَهُوَ أَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ؟ فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : ذَاكَ لَوْ أَرْضَعَتْهَا الْكَلْبِيَّةُ ، وَذَلِكَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أُمُّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ،
وَحَمْزَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أُمُّهُ الْكَلْبِيَّةُ ، وَكَانَتْ
أَسْمَاءُ قَدْ أَرْضَعَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=170زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَصَارَتْ زَيْنَبُ أُخْتًا
لِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَأُخْتًا
لِحَمْزَةَ مِنْ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ فَجَعَلَهَا
عَبْدُ اللَّهِ أُخْتًا لِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا أُخْتًا لِأَخِيهِ
حَمْزَةَ ، وَلَا جَعَلَ اللَّبَنَ لِأَبِيهِ
الزُّبَيْرِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=54لِأُمِّ سَلَمَةَ : سَلِي الصَّحَابَةَ ، فَسَأَلُوا ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحِيرَةِ فَأَبَاحُوهَا لَهُ ، وَقَالُوا : لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ فَزُوِّجَتْ بِهِ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ
[ ص: 359 ] فَصَارَ إِجْمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ الْفَحْلَ لَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَأُرْضِعَ بِهِ وَلَدٌ لَمْ يَصِرْ لَهُ أَبًا فَلِأَنْ لَا يَصِيرَ أَبًا لَهُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ لَوْ كَانَ لَهُمَا لَكَانَ إِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ وَلَدًا يَكُونُ أُجْرَةُ الرِّضَاعِ بَيْنَهُمَا ، فَلَمَّا اخْتَصَّتِ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ دُونَ الْفَحْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لَهَا لَا لِلْفَحْلِ ، وَلِأَنَّ الرِّضَاعَ لَمَّا اخْتُصَّ بِبَعْضِ أَحْكَامِ النَّسَبِ لِضَعْفِهِ وَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُرْضِعَةِ لِنَفْسِهِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [ النِّسَاءِ : 23 ] إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [ النِّسَاءِ : 23 ] وَمِنَ الْآيَةِ دَلِيلَانِ ، وَيَنْفَصِلُ بِهِمَا عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهَا ، أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْأُمَّهَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى الْبَنَاتِ ، وَنَصَّ عَلَى الْأَخَوَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَخَوَاتُكُمْ عُمُومٌ يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ ، وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ فَلَمْ يَقْتَضِ الظَّاهِرُ تَخْصِيصَ أَحَدِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924327يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ، وَتَحْرِيمُ النَّسَبِ عَامٌّ فِي جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ ، فَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الرِّضَاعِ . وَرَوَى
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924328دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي قُعَيْسٍ بَعْدَمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ فَقَالَ : تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ ، فَقَالَتْ مِنْ أَيْنَ ؟ فَقَالَ : أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي فَقَالَتْ : إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةٌ وَلَمْ يُرْضِعْنِي رَجُلٌ ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَهُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ . وَهَذَا نَصٌّ . وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرِّضَاعِ كَالْأُمِّ ، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَ فِيهِ لَفْظُ السُّنَّةِ مَعْنَاهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلُودَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا ، فَكَانَ الْوَلَدُ لَهُمَا وَإِنْ بَاشَرَتِ الْأُمُّ وِلَادَتَهُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الْحَادِثُ عَنْهُ لَهُمَا ، وَإِنْ بَاشَرَتِ الْأُمُّ رِضَاعَهُ ، وَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ لَهُمَا وَجَبَ أَنْ تَنْتَشِرَ حُرْمَتُهُ إِلَيْهِمَا ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهُ الرِّضَاعَ فِي التَّحْرِيمِ بِالنَّسَبِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=14486_14487_14488_14491وَأَحْكَامُ النَّسَبِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِعَمُودَيِ النَّسَبِ الْأَعْلَى ، وَهُمُ الْوَالِدَانِ ، وَالْأَسْفَلُ وَهُمُ الْمَوْلُودُونَ وَلَا يَتَجَاوَزُهُمَا إِلَى مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِمَا ، وَذَلِكَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَسُقُوطُ الْقَوَدِ ، وَالْعِتْقُ بِالْمِلْكِ وَالْمَنْعُ مِنَ الشَّهَادَةِ . وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّسَبِ إِلَى حَيْثُ مَا انْتَشَرَ وَتَفَرَّعَ وَذَلِكَ الْمِيرَاثُ . وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمَنَاكِحِ . فَلَمَّا لَمْ يَلْحَقِ الرِّضَاعُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي اخْتِصَاصِهِ بِعَمُودَيِ النَّسَبِ لِتَحْرِيمِ الْأَخَوَاتِ ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَا تَفَرَّعَ عَلَى النَّسَبِ لِإِبَاحَةِ بَنَاتِ
[ ص: 360 ] الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثَبَتَ لُحُوقُهُ بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي اخْتِصَاصِهِ بِذِي الرَّحِمِ وَالْمُحَرَّمِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ ادِّعَائِهِمُ الْإِجْمَاعَ فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ
عَلِيٌّ ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَمَعَ خِلَافِهِمَا يَبْطُلُ الْإِجْمَاعُ مَعَ كَوْنِ الْقِيَاسِ مَعَهُمَا بِهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَحْلَ لَوْ أُرْضِعَ بِلَبَنِهِ لَمْ يَحْرُمْ ، فَهُوَ أَنَّهُ لَبَنٌ لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ الْمَوْلُودُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ ، وَجَرَى مَجْرَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْبَانِ وَالْأَغْذِيَةِ ، وَخَالَفَ فِيهِ لَبَنَ الْمَرْأَةِ الْمَخْلُوقَ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لَهُمَا لَكَانَتْ أُجْرَةُ الرِّضَاعِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=12868أُجْرَةِ الرِّضَاعِ إِلَى مَاذَا يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إِلَى الْحَضَانَةِ ، وَالرِّضَاعُ تَبَعٌ ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : إِلَى اللَّبَنِ ، وَالْحَضَانَةُ تَبَعٌ ، فَعَلَى هَذَا : الْأُجْرَةُ مَأْخُوذَةٌ عَلَى فِعْلِ الرِّضَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ ، وَلَيْسَتْ مَأْخُوذَةً ثَمَنًا لِلَّبَنِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ ، وَفَقْدِ رُؤْيَتِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ جَعَلَهَا ثَمَنًا لِلَّبَنِ ، وَجَعَلَهَا أَحَقَّ بِهِ ، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي سَبَبِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشِرَةٌ كَرَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي حَفْرِ بِئْرٍ فَاسْتَقَى أَحَدُهُمَا مِنْ مَائِهَا كَانَ أَحَقَّ بِمَا اسْتَقَاهُ لِمُبَاشَرَتِهِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ أَحْكَامِ النَّسَبِ لِضَعْفِهِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ جِهَاتِهِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا شَارَكَ النَّسَبَ فِي التَّحْرِيمِ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ ، وَيَغْلُبُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَيْهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : لَمَّا كَانَ الْمُرْتَضَعُ مُوَافِقًا لِلْمَوْلُودِ فِي الرِّضَاعِ وَمُفَارِقًا لَهُ فِي الْوِلَادَةِ اقْتَضَى أَنْ يُسْلَبَ بِفَقْدِ النَّسَبِ الْوَاحِدِ مَا تَعَلَّقَ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .