فصل : فأما
nindex.php?page=treesubj&link=9314دية الخطأ المحض وعمد الخطأ فالذي عليه جمهور الأمة من المتقدمين والمتأخرين أنها واجبة على العاقلة تتحملها عن القاتل ، وشذ منهم
الأصم ،
وابن علية وطائفة من
الخوارج فأوجبوها على القاتل دون العاقلة كالعمد ، احتجاجا
[ ص: 341 ] بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18ولا تزر وازرة وزر أخرى [ فاطر : 18 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لتجزى كل نفس بما تسعى [ طه : 15 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كل نفس بما كسبت رهينة [ المدثر : 38 ] أي مأخوذة .
وبما
nindex.php?page=hadith&LINKID=924529روي أن الحسحاس بن عمرو العنبري قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، الرجل من قومي يجني أفؤآخذ به فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : من هذا منك ؟ وكان معه ابنه فقال : ابني أشهد به . أي أعلمه قطعا وليس بمستلحق ، فقال : إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ولم يرد بذلك فعل الجناية ، لأنه قد يجني كل واحد منهما على صاحبه ، وإنما أراد به أن لا يؤاخذ بجنايتك ولا تؤاخذ بجنايته .
وروى
أياد بن لقيط nindex.php?page=hadith&LINKID=924530عن أبي رمثة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي فرأى التي في ظهره ، فقال له أبي : دعني أعالجها فإني طبيب ، فقال : أنت رفيق والله الطبيب ، من هذا معك ؟ فقال : ابني أشهد به ، فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه .
وروى
الحكم عن
مسروق عن
ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924531ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه وهذا نص .
قالوا : ولأنه لما لم يتحمل العاقلة قيم الأموال لم يتحمل دية النفوس ، ولأن العاقلة لو تحملت دية الخطأ لتحملت دية العمد ، ولأن الدية عقوبة فلم تتحملها العاقلة كالقود ، ولأن لقتل الخطأ موجبين : الدية والكفارة ، فلما لم تتحمل العاقلة الكفارة لم تتحمل الدية .
والدليل على أن العاقلة تتحمل الدية قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] وتحمل العاقلة من جملة البر والتقوى فدخل في عموم الآية ، وروى
سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924532قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها .
وروى
أبو سلمة nindex.php?page=hadith&LINKID=924533عن أبي هريرة قال : اقتتلت امرأتان من بني هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثتها ولدها ومن [ ص: 342 ] معه ، فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي : يا رسول الله ، كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذا من إخوان الكهان من أجل مسجعه الذي سجعه .
وروى
الشعبي nindex.php?page=hadith&LINKID=924534عن جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وروى
أبو عازب عن
أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
القود بالسيف والخطأ على العاقلة .
وروي
أن النبي صلى الله عليه وسلم ميز بين معاقل قريش والأنصار فجعل معاقل قريش فيهم ، ومعاقل الأنصار في بني ساعدة .
وروى
حماد عن
إبراهيم أن
عليا والزبير اختصما إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في موالي
nindex.php?page=showalam&ids=252صفية بنت عبد المطلب لأن
الزبير ابنها
وعليا ابن أخيها ، فقضى
للزبير بالميراث وعلى
علي بالعقل .
ولأن إجماع الصحابة انعقد في قصة
عمر بن الخطاب حين أنفذ رسوله إلى امرأة في قذف بلغه عنها فأجهضت ذات بطنها ، فسأل
عثمان وعبد الرحمن فقالا : لا شيء عليك إنما أنت معلم ، وسأل
عليا فقال : إن كانا اجتهدا فقد أخطآ وإن كانا ما اجتهدا فقد غشيا عليك الدية ، فقال
عمر : عزمت عليك لا تبرح حتى تضربها على قومك ، يعني
قريشا لأنهم عاقلته ، فقضى بها عليهم فتحملوها عنه ، ولم يخالفه منهم ولا من جميع الأمة أحد مع انتشار القضية ، وظهورها في الكافة ، فثبت أنه إجماع لا يسوغ خلافه ولأن اختصاص العاقلة بالاسم موجب لاختصاصهم بالحكم ، وفقد الحكم يوجب زوال الاسم ، ولأن العقل في كلامهم المنع ، وقد كانت العرب في الجاهلية يمنعون عن القاتل بأسيافهم ، فلما منعهم الإسلام من السيف عوض منه منعهم منه بأموالهم ؟ ولذلك انطلق اسم العاقلة عليهم ، ولأن النفوس مغلظة على الأموال ، وقتل الخطأ يكثر بين الناس ، وفي إيجاب الدية على القاتل في ماله أحد أمرين إما استئصال ماله إن كان واحدا وقل أن يتسع لتحمل الدية مال الواحد ، وإما إهدار الدم إن كان معدما ، وفي تحمل العاقلة عنه مواساة تفضي إلى حفظ الدماء واستبقاء الأحوال ، وهذا أدعى إلى المصلحة وأبعث على التعاطف ، ولأنه لما تحمل بالنسب بعض حقوق الله تعالى في الأموال وهو زكاة الفطر جاز أن يتحمل بعض حقوق الآدميين في الأموال وهو ديات الخطأ ، فأما الجواب عن الآية فحقيقة الوزر الإثم ، وهو لا يتحمل ، وكذلك ظاهر الآيتين محمول على أحد أمرين : إما المأثم وإما أحكام عمده .
وأما قوله في الخبرين أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه فعنه جوابان :
[ ص: 343 ] أحدهما : أن الأبناء والآباء لا يتحملون العقل وإنما يتحمله من عداهم من العصبات .
والثاني : أنه يحمل على العمد الذي لا يتحمل عن القاتل ولا يؤاخذ به غيره ، وكذلك الجواب عن قوله : " لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه ولا الابن بجريرة أبيه " .
وأما جمعهم بين الأموال والنفوس فغير صحيح ، لتغليظ النفوس على الأموال ، ولذلك دخلت القسامة في النفوس ولم تدخل في الأموال .
وأما العمد فلأنه عن معصية يستحق فيها القود ، والعاصي لا يعان ولا يواسى ، والقود لا يدخله تحمل ولا نيابة .
وأما الكفارة فمن حقوق الله تعالى التي تتعلق بالمال تارة وبالصيام تارة ، ولا يصح فيها عفو فلم يدخلها مواساة ، وخالفتها الدية في هذه الأحكام مخالفتها في التحمل والله أعلم .
فَصْلٌ : فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=9314دِيَةُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَتَحَمَّلُهَا عَنِ الْقَاتِلِ ، وَشَذَّ مِنْهُمُ
الْأَصَمُّ ،
وَابْنُ عُلَيَّةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ
الْخَوَارِجِ فَأَوْجَبُوهَا عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْعَاقِلَةِ كَالْعَمْدِ ، احْتِجَاجًا
[ ص: 341 ] بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [ فَاطِرٍ : 18 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [ طه : 15 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [ الْمُدَّثِّرُ : 38 ] أَيْ مَأْخُوذَةٌ .
وَبِمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=924529رُوِيَ أَنَّ الْحَسْحَاسَ بْنَ عَمْرٍو الْعَنْبَرِيَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِي يَجْنِي أَفَؤُآخَذُ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَنْ هَذَا مِنْكَ ؟ وَكَانَ مَعَهُ ابْنُهُ فَقَالَ : ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ . أَيْ أَعْلَمُهُ قَطْعًا وَلَيْسَ بِمُسْتَلْحَقٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ فِعْلَ الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِجِنَايَتِكَ وَلَا تُؤَاخَذَ بِجِنَايَتِهِ .
وَرَوَى
أَيَادُ بْنُ لَقِيطٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=924530عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي فَرَأَى الَّتِي فِي ظَهْرِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : دَعْنِي أُعَالِجْهَا فَإِنِّي طَبِيبٌ ، فَقَالَ : أَنْتَ رَفِيقٌ وَاللَّهُ الطَّبِيبُ ، مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ فَقَالَ : ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ ، فَقَالَ : أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ .
وَرَوَى
الْحَكَمُ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924531أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، لَا يُؤْخَذُ الْأَبُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ وَهَذَا نَصٌّ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَمَّلِ الْعَاقِلَةُ قِيَمَ الْأَمْوَالِ لَمْ يَتَحَمَّلْ دِيَةَ النُّفُوسِ ، وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَوْ تَحَمَّلَتْ دِيَةَ الْخَطَأِ لَتَحَمَّلَتْ دِيَةَ الْعَمْدِ ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ فَلَمْ تَتَحَمَّلْهَا الْعَاقِلَةُ كَالْقَوَدِ ، وَلِأَنَّ لِقَتْلِ الْخَطَأِ مُوَجِبَيْنِ : الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ ، فَلَمَّا لَمْ تَتَحَمَّلِ الْعَاقِلَةُ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَتَحَمَّلِ الدِّيَةَ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [ الْمَائِدَةِ : 2 ] وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَرَوَى
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924532قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا .
وَرَوَى
أَبُو سَلَمَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=924533عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرَثَتِهَا وَلَدُهَا وَمَنْ [ ص: 342 ] مَعَهُ ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بِنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّ هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ مَسْجَعِهِ الَّذِي سَجَعَهُ .
وَرَوَى
الشَّعْبِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=924534عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ ، وَرَوَى
أَبُو عَازِبٍ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
الْقَوَدُ بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأُ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
وَرُوِيَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيَّزَ بَيْنَ مَعَاقِلِ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَجَعَلَ مَعَاقِلَ قُرَيْشٍ فِيهِمْ ، وَمَعَاقِلَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي سَاعِدَةَ .
وَرَوَى
حَمَّادٌ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ أَنَّ
عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ اخْتَصَمَا إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَوَالِي
nindex.php?page=showalam&ids=252صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ
الزُّبَيْرَ ابْنُهَا
وَعَلِيًّا ابْنُ أَخِيهَا ، فَقَضَى
لِلزُّبَيْرِ بِالْمِيرَاثِ وَعَلَى
عَلِيٍّ بِالْعَقْلِ .
وَلِأَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ انْعَقَدَ فِي قِصَّةِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أَنْفَذَ رَسُولَهُ إِلَى امْرَأَةٍ فِي قَذْفٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَجْهَضَتْ ذَاتَ بَطْنِهَا ، فَسَأَلَ
عُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَا : لَا شَيْءَ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّمٌ ، وَسَأَلَ
عَلِيًّا فَقَالَ : إِنْ كَانَا اجْتَهَدَا فَقَدْ أَخْطَآ وَإِنْ كَانَا مَا اجْتَهَدَا فَقَدْ غَشِيَا عَلَيْكَ الدِّيَةَ ، فَقَالَ
عُمَرُ : عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَبْرَحُ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ ، يَعْنِي
قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ عَاقِلَتُهُ ، فَقَضَى بِهَا عَلَيْهِمْ فَتَحَمَّلُوهَا عَنْهُ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ مَعَ انْتِشَارِ الْقَضِيَّةِ ، وَظُهُورِهَا فِي الْكَافَّةِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ لَا يَسُوغُ خِلَافُهُ وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْعَاقِلَةِ بِالِاسْمِ مُوجِبٌ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْحُكْمِ ، وَفَقْدَ الْحُكْمِ يُوجِبُ زَوَالَ الِاسْمِ ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ فِي كَلَامِهِمِ الْمَنْعُ ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ عَنِ الْقَاتِلِ بِأَسْيَافِهِمْ ، فَلَمَّا مَنَعَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنَ السَّيْفِ عَوَّضَ مِنْهُ مَنَعَهُمْ مِنْهُ بِأَمْوَالِهِمْ ؟ وَلِذَلِكَ انْطَلَقَ اسْمُ الْعَاقِلَةِ عَلَيْهِمْ ، وَلِأَنَّ النُّفُوسَ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْأَمْوَالِ ، وَقَتْلَ الْخَطَأِ يَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَفِي إِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا اسْتِئْصَالُ مَالِهِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَلَّ أَنْ يَتَّسِعَ لِتَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَالُ الْوَاحِدِ ، وَإِمَّا إِهْدَارُ الدَّمِ إِنْ كَانَ مُعْدَمًا ، وَفِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ عَنْهُ مُوَاسَاةٌ تُفْضِي إِلَى حِفْظِ الدِّمَاءِ وَاسْتِبْقَاءِ الْأَحْوَالِ ، وَهَذَا أَدْعَى إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَثُ عَلَى التَّعَاطُفِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَحَمَّلَ بِالنَّسَبِ بَعْضَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ جَازَ أَنْ يَتَحَمَّلَ بَعْضَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ دِيَاتُ الْخَطَأِ ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَحَقِيقَةُ الْوِزْرِ الْإِثْمُ ، وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ ، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا الْمَأْثَمُ وَإِمَّا أَحْكَامُ عَمْدِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْخَبَرَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
[ ص: 343 ] أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْأَبْنَاءَ وَالْآبَاءَ لَا يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ وَإِنَّمَا يَتَحَمَّلُهُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُ عَنِ الْقَاتِلِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : " لَا يُؤْخَذُ الْأَبُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ وَلَا الِابْنُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ " .
وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ، لِتَغْلِيظِ النُّفُوسِ عَلَى الْأَمْوَالِ ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْقَسَامَةُ فِي النُّفُوسِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَمْوَالِ .
وَأَمَّا الْعَمْدُ فَلِأَنَّهُ عَنْ مَعْصِيَةٍ يُسْتَحَقُّ فِيهَا الْقَوَدُ ، وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ وَلَا يُوَاسَى ، وَالْقَوَدُ لَا يَدْخُلُهُ تَحَمُّلٌ وَلَا نِيَابَةٌ .
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَمِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَارَةً وَبِالصِّيَامِ تَارَةً ، وَلَا يَصِحُّ فِيهَا عَفْوٌ فَلَمْ يَدْخُلْهَا مُوَاسَاةٌ ، وَخَالَفَتْهَا الدِّيَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُخَالَفَتَهَا فِي التَّحَمُّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .