فصل : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=9842_9863أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى : لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف [ المائدة : 33 ] وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قطع يمين السارق ، فلذلك قطع في الحرابة يمين يديه ويسرى رجليه ، فإن فقدتا منه معا ، وكانت يمنى يديه ويسرى رجليه معا قد ذهبتا ، عدلنا إلى قطع يده اليسرى ورجله اليمنى ، كالسارق إذا عدمنا يمنى يديه عدلنا إلى يسرى رجليه . ولو فقد هذا المحارب يده اليمنى وبقيت رجله اليسرى ، أو فقد رجله اليسرى وبقيت يده اليمنى ، ففيه وجهان : أحدهما : وهو قول
أبي حامد الإسفراييني ، يؤخذ العضو الباقي وحده ويكون المفقود لبقاء هذا المأخوذ ، كما لو ذهب من يدي السارق بعض أصابعه قطع الباقي ، وكان الذاهب منها تبعا لها . والوجه الثاني : وهو عندي أشبه أنه يكون الموجود تبعا للمفقود ، ويصيران معا كالمفقودين ، فيعدل إلى يده اليسرى ورجله اليمنى : لأن قطع كل طرف منهما مقصود في نفسه ، وليس أحدهما في أصل الخلقة من الآخر ، بخلاف الأصابع التي هي من خلقة الكف فافترقا ، ثم يقطعان معا في حالة واحدة ولا يتوقف عن الثاني حتى يندمل الأول : لأنهما حد واحد ، والحد الواحد لا يفرق ويستوفى جميعه في وقت واحد ، لكن ينظر في حسمها بالنار ، فإن خيف على نفسه من القطع الأول إن لم تحسم حسمت قبل القطع الثاني ، وإن أمن ذلك قطع الثاني ثم حسما معا . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=9828اعتبار نصاب السرقة في هذا القطع ، فالظاهر من مذهب
الشافعي رضي الله عنه وقد نقله
المزني في مختصره عنه : أنه معتبر ، فلا يقطع إلا أن يكون قدر المال الذي أخذه ربع دينار فصاعدا . وحكى
أبو علي بن خيران قولا ثانيا : أنه غير معتبر ، ويقطع في
[ ص: 359 ] قليل المال وكثيره . فخرج ذلك على قولين . كما كان اعتبار التكافؤ في قتل الحرابة على قولين . ووجدت
لأبي علي بن أبي هريرة كلاما يدل على أن النصاب غير معتبر ، وأنه يقطع في قليله وكثيره ، كما كان الاستحقاق بأخذه غير معتبر في الحرابة ، وإن كان معتبرا في السرقة . وعندي : أن النصاب في المال معتبر إذا انفرد المحارب بأخذه ، فلا يقطع حتى يأخذ ربع دينار . ولا يعتبر إذا اقترن بالقتل والصلب ، فإن أخذ أقل من ربع دينار : لأنه إذا انفرد بأخذ المال صار مقصودا ، فاعتبر فيه شرط القطع من أخذ النصاب ، وإذا اقترن بالقتل صار تبعا ، فلم يعتبر فيه أخذ النصاب : لأنه لا يستحق فيه القطع ، ولأن القطع في الحرابة قد يغلظ بزيادة الرجل . فلم يتغلظ بإسقاط النصاب فلم يتغلظ مع القتل بمثله فتغلظ بإسقاط النصاب . فأما اعتبار الحرز ، فإن كان المال مع مالكه أو بحيث يراه المالك ، ويقدر على دفع من ليس بمكابر ولا مغالب ، كان في حكم المحرز فيه ، وجرى عليه في الحرابة حكم الصلب إذا انضم إلى القتل . وفي جريان حكم القطع عليه إذا انفرد عن القتل وجهان : أحدهما : يقطع ولا يعتبر فيه الحرز : لأن الأحراز لا تؤثر مع القاهر المغالب . والوجه الثاني : لا يقطع ولا يعتبر فيه الحرز : لأن غير المحرز مبذول ، ولأن قطع الحرابة قد تغلظ من وجه فلم يتغلظ بغيره .
فَصْلٌ : وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9842_9863أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى : لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ [ الْمَائِدَةِ : 33 ] وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ ، فَلِذَلِكَ قَطَعَ فِي الْحِرَابَةِ يَمِينَ يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ ، فَإِنْ فُقِدَتَا مِنْهُ مَعًا ، وَكَانَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ مَعًا قَدْ ذَهَبَتَا ، عَدَلْنَا إِلَى قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَرِجْلِهِ الْيُمْنَى ، كَالسَّارِقِ إِذَا عَدِمْنَا يُمْنَى يَدَيْهِ عَدَلْنَا إِلَى يُسْرَى رِجْلَيْهِ . وَلَوْ فَقَدَ هَذَا الْمُحَارِبُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَبَقِيَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ، أَوْ فَقَدَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَبَقِيَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ ، يُؤْخَذُ الْعُضْوُ الْبَاقِي وَحْدَهُ وَيَكُونُ الْمَفْقُودُ لِبَقَاءِ هَذَا الْمَأْخُوذِ ، كَمَا لَوْ ذَهَبَ مِنْ يَدَيِ السَّارِقِ بَعْضُ أَصَابِعِهِ قُطِعَ الْبَاقِي ، وَكَانَ الذَّاهِبُ مِنْهَا تَبَعًا لَهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَوْجُودُ تَبَعًا لِلْمَفْقُودِ ، وَيَصِيرَانِ مَعًا كَالْمَفْقُودَيْنِ ، فَيَعْدِلُ إِلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَرِجْلِهِ الْيُمْنَى : لِأَنَّ قَطْعَ كُلِّ طَرَفٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنَ الْآخَرِ ، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ الَّتِي هِيَ مِنْ خِلْقَةِ الْكَفِّ فَافْتَرَقَا ، ثُمَّ يُقْطَعَانِ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَنِ الثَّانِي حَتَّى يَنْدَمِلَ الْأَوَّلُ : لِأَنَّهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ ، وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ لَا يُفَرَّقُ وَيُسْتَوْفَى جَمِيعُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، لَكِنْ يُنْظَرُ فِي حَسْمِهَا بِالنَّارِ ، فَإِنْ خِيفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ تُحْسَمْ حُسِمَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ الثَّانِي ، وَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ قُطِعَ الثَّانِي ثُمَّ حُسِمَا مَعًا . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=9828اعْتِبَارُ نِصَابِ السَّرِقَةِ فِي هَذَا الْقَطْعِ ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ نَقَلَهُ
الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْهُ : أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ ، فَلَا يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا . وَحَكَى
أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ قَوْلًا ثَانِيًا : أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَيُقْطَعُ فِي
[ ص: 359 ] قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ . فَخَرَجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ . كَمَا كَانَ اعْتِبَارُ التَّكَافُؤِ فِي قَتْلِ الْحِرَابَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَوَجَدْتُ
لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، كَمَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِأَخْذِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي الْحِرَابَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي السَّرِقَةِ . وَعِنْدِي : أَنَّ النِّصَابَ فِي الْمَالِ مُعْتَبَرٌ إِذَا انْفَرَدَ الْمُحَارِبُ بِأَخْذِهِ ، فَلَا يُقْطَعُ حَتَّى يَأْخُذَ رُبُعَ دِينَارٍ . وَلَا يُعْتَبَرُ إِذَا اقْتَرَنَ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ ، فَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ : لِأَنَّهُ إِذَا انْفَرَدَ بِأَخْذِ الْمَالِ صَارَ مَقْصُودًا ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ مِنْ أَخْذِ النِّصَابِ ، وَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْقَتْلِ صَارَ تَبَعًا ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ أَخْذُ النِّصَابِ : لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْقَطْعُ ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْحِرَابَةِ قَدْ يُغَلَّظُ بِزِيَادَةِ الرِّجْلِ . فَلَمْ يَتَغَلَّظْ بِإِسْقَاطِ النِّصَابِ فَلَمْ يَتَغَلَّظْ مَعَ الْقَتْلِ بِمِثْلِهِ فَتَغَلَّظَ بِإِسْقَاطِ النِّصَابِ . فَأَمَّا اعْتِبَارُ الْحِرْزِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَعَ مَالِكِهِ أَوْ بِحَيْثُ يَرَاهُ الْمَالِكُ ، وَيَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَنْ لَيْسَ بِمُكَابِرٍ وَلَا مُغَالِبٍ ، كَانَ فِي حُكْمِ الْمُحْرِزِ فِيهِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْحِرَابَةِ حُكْمُ الصَّلْبِ إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْقَتْلِ . وَفِي جَرَيَانِ حُكْمِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ إِذَا انْفَرَدَ عَنِ الْقَتْلِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُقْطَعُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ : لِأَنَّ الْأَحْرَازَ لَا تُؤَثِّرُ مَعَ الْقَاهِرِ الْمُغَالِبِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُقْطَعُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ : لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ مَبْذُولٌ ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْحِرَابَةِ قَدْ تَغَلَّظَ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ .