[ ص: 446 ] المسألة التاسعة
nindex.php?page=treesubj&link=22136سنة الصحابة رضي الله عنهم سنة يعمل عليها ويرجع إليها ومن الدليل على ذلك أمور
[ ص: 447 ] أحدها : ثناء الله عليهم من غير مثنوية ، ومدحهم بالعدالة وما يرجع إليها ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس [ آل عمران : 110 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] ففي الأولى إثبات الأفضلية على سائر الأمم ، وذلك يقضي باستقامتهم في كل حال ، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة ، وفي الثانية إثبات العدالة مطلقا ، وذلك يدل على ما دلت عليه الأولى .
ولا يقال : إن هذا عام في الأمة ; فلا يختص بالصحابة دون من بعدهم لأنا نقول : " أولا " ليس كذلك ، بناء على أنهم المخاطبون على الخصوص ، ولا يدخل معهم من بعدهم إلا بقياس وبدليل آخر
[ ص: 448 ] " وثانيا " على تسليم التعميم أنهم أول داخل في شمول الخطاب ; فإنهم أول من تلقى ذلك من الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهم المباشرون للوحي . " وثالثا " أنهم أولى بالدخول من غيرهم ; إذ الأوصاف التي وصفوا بها لم يتصف بها على الكمال إلا هم ; فمطابقة الوصف للاتصاف شاهد على أنهم أحق من غيرهم بالمدح .
وأيضا ; فإن من بعد الصحابة من أهل السنة عدلوا الصحابة على الإطلاق والعموم ، فأخذوا عنهم رواية ودراية من غير استثناء ولا محاشاة ، بخلاف غيرهم ; فلم يعتبروا منهم إلا من صحت إمامته وثبتت عدالته ، وذلك مصدق لكونهم أحق بذلك المدح من غيرهم ، فيصح أن يطلق على الصحابة أنهم خير
[ ص: 449 ] أمة بإطلاق ، وأنهم وسط أي عدول بإطلاق ، وإذا كان كذلك ; فقولهم معتبر ، وعملهم مقتدى به ، وهكذا سائر الآيات التي جاءت بمدحهم ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=8للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9والذين تبوءوا الدار والإيمان الآية [ الحشر : 8 9 ] وأشباه ذلك .
والثاني : ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم ، وأن سنتهم في طلب الاتباع كسنة النبي صلى الله عليه وسلم كقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337876فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .
وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337877تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي [ ص: 450 ] وعنه أنه قال :
أصحابي مثل الملح ، لا يصلح الطعام إلا به [ ص: 451 ] وعنه أيضا :
إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ; فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلهم خير [ ص: 452 ] ويروى في بعض الأخبار :
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم إلى غير ذلك مما في معناه
[ ص: 453 ] [ ص: 454 ] [ ص: 455 ] [ ص: 456 ] والثالث : أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل ; فقد جعل طائفة قول
أبي بكر وعمر حجة ودليلا ، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلا ، وبعضهم يعد قول الصحابة على الإطلاق حجة ودليلا ، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة
[ ص: 457 ] وهذه الآراء وإن ترجح عند العلماء خلافها ; ففيها تقوية تضاف إلى أمر كلي هو المعتمد في المسألة ، وذلك أن السلف والخلف من التابعين ، ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة ، ويتكثرون بموافقتهم ، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين ، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قووها بذكر من ذهب إليها من الصحابة ، وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم ، وقوة مآخذهم دون غيرهم ، وكبر شأنهم في الشريعة ، وأنهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلا عن النظر معهم فيما نظروا فيه ، وقد نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن المجتهد قبل أن يجتهد لا يمنع من تقليد
[ ص: 458 ] الصحابة ، ويمنع في غيره ، وهو المنقول عنه في الصحابي : " كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته ، ولكنه مع ذلك يعرف لهم قدرهم ، وأيضا فقد وصفهم السلف الصالح ووصف متابعتهم بما لا بد من ذكر بعضه .
فعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أنه قال : ما لم يعرفه البدريون ; فليس من الدين
[ ص: 459 ] وعن
الحسن وقد ذكر أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم قال : إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ; فإنهم ورب الكعبة على الصراط المستقيم وعن
إبراهيم قال : لم يدخر لكم شيء خبئ عن القوم لفضل عندكم .
وعن
حذيفة ; أنه كان يقول : اتقوا الله يا معشر القراء ، وخذوا طريق من قبلكم ; فلعمري لئن اتبعتموه فقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : من كان منكم متأسيا ; فليتأس بأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ،
[ ص: 460 ] وأحسنها حالا ، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه ; فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ; فإنهم كانوا على الهدى المستقيم .
وقال
علي : إياكم والاستنان بالرجال ثم قال : فإن كنتم لا بد فاعلين ; فبالأموات لا بالأحياء وهو نهي للعلماء لا للعوام .
ومن ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ; قال : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، من عمل بها مهتد ، ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا وفي رواية بعد قوله : وقوة على دين الله : ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في رأي
[ ص: 461 ] خالفها ، من اهتدى بها مهتد الحديث ، وكان
مالك يعجبه كلامه جدا .
وعن
حذيفة قال : اتبعوا آثارنا ; فإن أصبتم فقد سبقتم سبقا بينا ، وإن أخطأتم فقد ضللتم ضلالا بعيدا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه ; فقال : " اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا ; فقد كفيتم " وعنه أنه مر برجل يقص في المسجد ويقول : " سبحوا عشرا وهللوا عشرا فقال
عبد الله : إنكم لأهدى من أصحاب
محمد أو أضل ! بل هذه بل هذه
[ ص: 462 ] يعني : أضل .
والآثار في هذا المعنى يكثر إيرادها ، وحسبك من ذلك دليلا مستقلا وهو : الرابع : ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبتهم وذم من أبغضهم ، وأن من أحبهم فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة والسلام ، وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط ; إذ لا مزية
[ ص: 463 ] في ذلك وإنما هو لشدة متابعتهم له ، وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته مع حمايته ونصرته ، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يتخذ قدوة ، وتجعل سيرته قبلة .
ولما بالغ
مالك في هذا المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم فجعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك ; فقد كان المعاصرون
لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله ، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم ، وجعلهم قدوة أو من اتبعهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون [ المجادلة : 22
[ ص: 446 ] الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=22136سُنَّةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سُنَّةٌ يُعْمَلُ عَلَيْهَا وَيُرْجَعُ إِلَيْهَا وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ
[ ص: 447 ] أَحَدُهَا : ثَنَاءُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ مَثْنَوِيَّةٍ ، وَمَدْحُهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ آلِ عِمْرَانَ : 110 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ الْبَقَرَةِ : 143 ] فَفِي الْأُولَى إِثْبَاتُ الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ ، وَذَلِكَ يَقْضِي بِاسْتِقَامَتِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَجَرَيَانِ أَحْوَالِهِمْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ دُونَ الْمُخَالَفَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ إِثْبَاتُ الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأُولَى .
وَلَا يُقَالُ : إِنَّ هَذَا عَامٌّ فِي الْأُمَّةِ ; فَلَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّا نَقُولُ : " أَوَّلًا " لَيْسَ كَذَلِكَ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمُ الْمُخَاطَبُونَ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا بِقِيَاسٍ وَبِدَلِيلٍ آخَرَ
[ ص: 448 ] " وَثَانِيًا " عَلَى تَسْلِيمِ التَّعْمِيمِ أَنَّهُمْ أَوَّلُ دَاخِلٍ فِي شُمُولِ الْخِطَابِ ; فَإِنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ تَلَقَّى ذَلِكَ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُمُ الْمُبَاشِرُونَ لِلْوَحْيِ . " وَثَالِثًا " أَنَّهُمْ أَوْلَى بِالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ ; إِذِ الْأَوْصَافُ الَّتِي وُصِفُوا بِهَا لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ إِلَّا هُمْ ; فَمُطَابَقَةُ الْوَصْفِ لِلِاتِّصَافِ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ بِالْمَدْحِ .
وَأَيْضًا ; فَإِنَّ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَدَلُوا الصَّحَابَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ ، فَأَخَذُوا عَنْهُمْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَلَا مُحَاشَاةٍ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ; فَلَمْ يَعْتَبِرُوا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ صَحَّتْ إِمَامَتُهُ وَثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ ، وَذَلِكَ مُصَدِّقٌ لِكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَدْحِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ خَيْرُ
[ ص: 449 ] أُمَّةٍ بِإِطْلَاقٍ ، وَأَنَّهُمْ وَسَطٌ أَيْ عُدُولٌ بِإِطْلَاقٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ; فَقَوْلُهُمْ مُعْتَبَرٌ ، وَعَمَلُهُمْ مُقْتَدًى بِهِ ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْ بِمَدْحِهِمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=8لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ الْآيَةَ [ الْحَشْرِ : 8 9 ] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
وَالثَّانِي : مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِمْ ، وَأَنَّ سُنَّتَهُمْ فِي طَلَبِ الِاتِّبَاعِ كَسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337876فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337877تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قَالُوا : وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي [ ص: 450 ] وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :
أَصْحَابِي مِثْلَ الْمِلْحِ ، لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ [ ص: 451 ] وَعَنْهُ أَيْضًا :
إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَاخْتَارَ لِي مِنْهُمْ أَرْبَعَةً : أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَعَلِيًّا ; فَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أَصْحَابِي ، وَفِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ [ ص: 452 ] وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ :
أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ
[ ص: 453 ] [ ص: 454 ] [ ص: 455 ] [ ص: 456 ] وَالثَّالِثُ : أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ قَدَّمُوا الصَّحَابَةَ عِنْدَ تَرْجِيحِ الْأَقَاوِيلِ ; فَقَدْ جَعَلَ طَائِفَةٌ قَوْلَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حُجَّةً وَدَلِيلًا ، وَبَعْضُهُمْ عَدَّ قَوْلَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ دَلِيلًا ، وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ حُجَّةً وَدَلِيلًا ، وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَعَلِّقٌ مِنَ السُّنَّةِ
[ ص: 457 ] وَهَذِهِ الْآرَاءُ وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهَا ; فَفِيهَا تَقْوِيَةٌ تُضَافُ إِلَى أَمْرٍ كُلِّيٍّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَفَ وَالْخَلَفَ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَهَابُونَ مُخَالَفَةَ الصَّحَابَةِ ، وَيَتَكَثَّرُونَ بِمُوَافَقَتِهِمْ ، وَأَكْثَرُ مَا تَجِدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي عُلُومِ الْخِلَافِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ ، فَتَجِدُهُمْ إِذَا عَيَّنُوا مَذَاهِبَهُمْ قَوَّوْهَا بِذِكْرِ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا اعْتَقَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي مُخَالِفِيهِمْ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ ، وَقُوَّةِ مَآخِذِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَكِبَرِ شَأْنِهِمْ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَأَنَّهُمْ مِمَّا يَجِبُ مُتَابَعَتُهُمْ وَتَقْلِيدُهُمْ فَضْلًا عَنِ النَّظَرِ مَعَهُمْ فِيمَا نَظَرُوا فِيهِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ لَا يُمْنَعُ مِنْ تَقْلِيدِ
[ ص: 458 ] الصَّحَابَةِ ، وَيُمْنَعُ فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي الصَّحَابِيِّ : " كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَعْرِفُ لَهُمْ قَدْرَهُمْ ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَصَفَهُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَوَصَفَ مُتَابَعَتَهُمْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهِ .
فَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْبَدْرِيُّونَ ; فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ
[ ص: 459 ] وَعَنِ
الْحَسَنِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَعَنْ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ : لَمْ يُدَّخَرْ لَكُمْ شَيْءٌ خُبِّئَ عَنِ الْقَوْمِ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ .
وَعَنْ
حُذَيْفَةَ ; أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : اتَّقُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ ، وَخُذُوا طَرِيقَ مَنْ قَبْلَكُمْ ; فَلَعَمْرِي لَئِنِ اتَّبَعْتُمُوهُ فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا ; فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا ،
[ ص: 460 ] وَأَحْسَنَهَا حَالًا ، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ ; فَاعْرَفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ : إِيَّاكُمْ وَالِاسْتِنَانَ بِالرِّجَالِ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ; فَبِالْأَمْوَاتِ لَا بِالْأَحْيَاءِ وَهُوَ نَهْيٌ لِلْعُلَمَاءِ لَا لِلْعَوَامِّ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; قَالَ : سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ ، مَنْ عَمِلَ بِهَا مُهْتَدٍ ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ ، وَمَنْ خَالَفَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى ، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ : لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا ، وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيٍ
[ ص: 461 ] خَالَفَهَا ، مَنِ اهْتَدَى بِهَا مُهْتَدٍ الْحَدِيثَ ، وَكَانَ
مَالِكٌ يُعْجِبُهُ كَلَامَهُ جِدًّا .
وَعَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ : اتَّبِعُوا آثَارَنَا ; فَإِنْ أَصَبْتُمْ فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَيِّنًا ، وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ فَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ ; فَقَالَ : " اتَّبِعُوا آثَارَنَا وَلَا تَبْتَدِعُوا ; فَقَدْ كُفِيتُمْ " وَعَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقُولُ : " سَبِّحُوا عَشْرًا وَهَلِّلُوا عَشْرًا فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ أَوْ أَضَلُّ ! بَلْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ
[ ص: 462 ] يَعْنِي : أَضَلُّ .
وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَكْثُرُ إِيرَادُهَا ، وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا وَهُوَ : الرَّابِعُ : مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ إِيجَابِ مَحَبَّتِهِمْ وَذَمِّ مَنْ أَبْغَضَهُمْ ، وَأَنَّ مَنْ أَحَبَّهُمْ فَقَدْ أَحَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَمَا ذَاكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِمْ رَأَوْهُ أَوْ جَاوَرُوهُ أَوْ حَاوَرُوهُ فَقَطْ ; إِذْ لَا مَزِيَّةَ
[ ص: 463 ] فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لِشِدَّةِ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ ، وَأَخْذِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالْعَمَلِ عَلَى سُنَّتِهِ مَعَ حِمَايَتِهِ وَنُصْرَتِهِ ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ حَقِيقٌ أَنْ يُتَّخَذَ قُدْوَةً ، وَتُجْعَلَ سِيرَتُهُ قِبْلَةً .
وَلَمَّا بَالَغَ
مَالِكٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَةِ أَوْ مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِمْ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُدْوَةً لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ ; فَقَدْ كَانَ الْمُعَاصِرُونَ
لِمَالِكٍ يَتَّبِعُونَ آثَارَهُ وَيَقْتَدُونَ بِأَفْعَالِهِ ، بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ لِمَنْ أَثْنَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِمْ ، وَجَعَلَهُمْ قُدْوَةً أَوْ مَنِ اتَّبَعَهُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ الْمُجَادَلَةِ : 22