الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب في الزواج بفتاة أحببتها لكن أهلي يرفضون ذلك!

السؤال

السلام عليكم.

كنت في مرحلة المراهقة، ودخلت في علاقة مع فتاة، وبعد ثلاث سنوات من المحاولة مع الأهل رفضوا الموضوع.

من طرفي كشاب كانت نيتي الزواج، ولكنهم عارضوا الأمر، فالتقيت وقد كان هناك زناً من لمس، وتقبيل، واحتضان فقط، فما حكم ذلك؟ وما الحيلة في حل مشكلة الأهل؟ وهل رضا الوالدين أهم من أن أترك شيئًا أحببته؟ لأن رفضهما للموضوع يقتلني، وفتح الموضوع يسبب مشاكل في علاقتي معهما، وقد صليت الاستخارة، فما الحل؟

أنا في حيرة من أمري، وقلق على علاقتي مع ربي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

نشكر لك طرح هذا السؤال وحرصك على معرفة حكم الله في هذه الأمور، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صحوة قلبك، وخوفك من معصية الله، وسوف أجيبك بشكل واضح ومباشر:

لم تخبرنا شيئًا عن هذه الفتاة: هل هي صاحبة دين وخلق أم لا؟ لأننا ننصحك ألا تتزوج إلا بذات الدين والخلق كما ورد في الحديث: «فاظفر بذات الدين»، ولا مانع أن يكون بجانب الدين والخلق الجمال.

أنت تتحدث عن أمرٍ مستعجل، ولست تدري هل هذه الفتاة من نصيبك أم لا؟ وهل وليها سيقبل بك زوجًا أم لا؟ وهل سييسر لك المهر أم أنه سيطلب طلبات لا تقدر عليها؟!

لم تبين لنا مدى قدرتك على تحمل مسؤولية الزواج من فتح بيت، ونفقة، وغير ذلك؛ فالزواج ليس مجرد تسلية، وقضاء شهوة، بل هو مسؤولية كاملة، فإن لم تكن لديك القدرة على ذلك فحديثك عن الزواج لا معنى له.

لم تبين لنا سبب معارضة والديك زواجك من هذه الفتاة؛ لأن ذلك يعيننا على فهم الاستشارة بتفاصيلها.

ما وقع منك مع تلك الفتاة ليس هو الزنا الذي يُعاقب فاعله إن كان غير متزوج بالجلد مائةً، وتغريب عام، وإن كان قد تزوج فالرجم حتى الموت؛ وذلك لأن الزنا هو ما يحصل فيه الإيلاج (الجماع)، أمّا ما حصل منك من لمس، وتقبيل، واحتضان فذلك محرّم كذلك، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، لكن ليس فيه حدٌّ شرعي.

ما حصل بينك وبين تلك الفتاة يُطلق عليه العلماء: زنا الجوارح، كما صح في الحديث الذي رواه الشيخان: «العينان تزنيان وزناهما النَّظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرِّجلان تزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القُبلة، والقلب يهمُّ أو يتمنَّى، ويُصدِّق ذلك الفرج أو يُكذِّبه». فما حصل معصية تستوجب التوبة، والاستغفار، والندم.

عليكما بالتوبة النصوح، وشروطها: (الإقلاع عن ممارسة تلك الأفعال، الندم على ما حصل، وعدم العودة لذلك مرةً أخرىً) مع الإكثار من الأعمال الصالحة المتنوعة.

الأصل أنه لا يجوز للوالدين منعك من الزواج إن كانت لديك القدرة على تحمل المسئولية، إلا إذا كان لديهما سبب وجيه.

قبل معالجة الموضوع مع والديك لا بد أن تعرف مدى موافقة وليها، وأن تعرف ما هي طلباته؛ حتى تقيس قدرتك على التقدم؛ فلربما كان الولي رافضًا لك.

إذا كانت شروط الولي ميسّرةً، وأبدى قبولًا لتقدمك، فاحرص على معالجة الموضوع مع والديك بأسلوب حسن؛ فـرضاهما من رضا الله كما ورد في الحديث.

برّ الوالدين من أسباب البركة في العمر والرزق كما في الحديث: «من أراد أن يُنسأ له في أثره ويُبسط له في رزقه فليصل رحمه»، والزواج من دون رضاهما ستكون له عواقب اجتماعية؛ لأن الزواج حياة طويلة، وحصول قطيعة بينك وبين والديك سيضرّك نفسيًا وأسريًا.

وسوف أضع بين يديك بعض النصائح لفتح الموضوع مع والديك:

- برّ بوالديك، وأحسن إليهما، وتذلّل بين يديهما بالكلام الحسن الجميل، وأشعرهما بالمحبة واللطف، وزد من العطاء لهما؛ فلعل ذلك يلين قلوبهما؛ فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

- اختر وقتًا مناسبًا يكون والداك فيه بحالة نفسية جيدة ترى أنه يمكنك فتح الموضوع معهما مرة أخرى.

- بإمكانك في حال فتح الموضوع -إن رأيت أنهما لن يقبلا منك- أن تستعين بعد الله بمن يقبلا منه الكلام والنصح، كأحد إخوانك، أو أخواتك، أو أعمامك، أو أخوالك، أو إمام الجامع؛ فذلك أدعى للسماع، وتفهم المسألة.

- لا بد أن تبيّن لهما صفات هذه الفتاة إن كانت صاحبة دين وخلق، وصاحبة نسب معروف.

- ننصحك بصلاة الاستخارة، وهي ركعتان من دون الفريضة، ثم تدعو بالدعاء المأثور قبل السلام وهو أن تقول:
«اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن زواجي بهذه الفتاة خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، ثم اقدر لي الخير حيث كان ثم رضِّني به».

فإن سارت أمورك مع ولي الفتاة، ومع والديك، فاعلم أن الله اختارها لتكون زوجةً لك، وإن تعسرت، فاعلم أن الله لم يخترها لك، بل صرفك عنها، وذلك خير لك؛ واختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

لا بد أن ترضى بقضاء الله وقدره إن صرفك الله عنها، ولعلك تجد من هي خير منها؛ فالفتيات كثر، واعلم أن عاقبة الصبر خير، ومن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه.

نوصيك بالاستقامة على دين الله، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع الإكثار من نوافل الصلاة، والصوم، وتلاوة القرآن الكريم؛ فذلك يقربك من الله، ويجعل في نفسك السعادة والطمأنينة.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، مع تحين أوقات الإجابة، وخاصةً وأنت ساجد، وسل ربك أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تسعدك وتعينك على هذه الحياة، وأن يلين قلب والديك وولي تلك الفتاة، وسله من خيري الدنيا والآخرة.

نسأل الله تعالى لك التوفيق، ونسعد بتواصلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً