الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيني وبين خاطبي بعض الخلافات، كيف نتجاوزها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تقدّم شاب لخطبتي، وهو يكبرني بثلاثة عشر عامًا، يتمتع بأخلاق عالية ودين، وكذلك عائلته، فنحن نعرف بعضنا البعض منذ سنوات.

أنا الابنة الوحيدة في المنزل، وزواجي يعني أنني سأترك أمي وأبي وحدهما، لذلك طلبت من هذا الشاب أن يسمح لي بعد الزواج بالمبيت عند والديّ عندما تسمح الظروف، وليس بشكل مبالغ فيه أو متكرر، بل عدة مرات في السنة فقط، لكنه رفض هذا الطلب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن والديّ يمتلكان سيارة لا يعرفان قيادتها، وأنا الوحيدة التي تقودها لهما، حيث أساعدهما في التسوق وقضاء احتياجاتهما الضرورية، ومع ذلك، رفض هذا الشاب أن أستمر في قيادة سيارة والديّ بعد الزواج، بحجة أنه لا يستطيع تحمل مسؤولية سيارة لا تخصنا، وقال: إنه لا يسمح لي حتى بتشغيلها، علمًا بأن السيارة ستبقى عند والديّ، ولن تُنقل إلى منزلي بعد الزواج، وسأستخدمها فقط عند زيارتهم لقضاء حاجاتهم.

يقول الشاب: إنني أضع هذه الأمور كعقبات للزواج، والتي تكون مقتنعة بالزواج من شخص ما، عليها أن تتنازل عن الأمور الجانبية، ويعتبر طلباتي هذه مجرد رفاهيات وكماليات، مع العلم أنني تنازلت عن الكثير من رغباتي في الحياة لأجله؛ لأنه صاحب خلق ودين، مثل: إكمال دراستي للماجستير، وسأنتقل معه إلى منطقة بعيدة للسكن، وربما سنسافر خارج البلاد، لذلك كنت أنتظر منه بعض التقدير والتنازلات من طرفه.

لقد ذهبت إلى الجامعة وسجلت في الماجستير لضمان المقعد؛ لأنني لم أكن أعلم إن كان الزواج سيتم أم لا، بسبب الخلافات التي حصلت، ومع ذلك، سأقوم بالانسحاب من الدراسة لأجله إذا تمت الأمور، لكنه يتهمني بأنني وضعت كل هذه العقبات لأجل إكمال دراستي، وكان يشك في هذا الأمر منذ البداية، ولديه شخص يعرفه في الجامعة أخبره بأنني مقبولة في الماجستير قبل إعلان نتائج القبول، وعندما سجلت، أخبره هذا الشخص أيضًا مباشرة.

الآن أشعر وكأنني كرهت فكرة الزواج، ولم أعد أرغب فيه، لكن والديّ يقولان إنه فرصة؛ لأن الشاب صاحب خلق ودين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونحيي رغبتك في الاستمرار في خدمة الوالدين، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعينك على الخير، وأن يُقدِّر لك الخير ثم يرضيك به.

نحب أن نؤكد أن مثل هذه التفاهمات، من المهم جدًّا أن تتم قبل الزواج، والمسألة تحتاج حقيقةً إلى مرونة من الطرفين، إذا وُجد التوافق الحقيقي، فلا بد من تقدير مثل هذه الأمور، ورضا والديك، وسعادتهما، ظاهر أنها في ارتباطك بهذا الرجل، ولذلك أرجو أن يُوضع هذا في الاعتبار، ونحن ندعو هذا الشاب، -وحبذا لو تواصل معنا أيضًا حتى نتحاور معه- ندعوه لتقدير بعض الأمور، وألَّا تكون الأمور بهذه الطريقة، فلو أمكن أن يسمح لك بقيادة السيارة الخاصة بوالديك بعد الزواج، لقضاء حوائجهما، إذا كان هذا ممكنًا؛ فإن هذا لون من حُسن العشرة، وإن رفض فالأفضل عدم الخوض في هذا المسألة كثيراً، وخذي بنصيحة والديك، فهما أعرف بالمصلحة.

نتمنى أن تكون هناك مرونة في مثل هذه الأمور، وألَّا تُؤخذ الأمور على أسوأ محاملها، بل تُؤخذ على أفضل المحامل، والمسألة تحتاج إلى مزيد من المناقشة، وتحتاج إلى استخارة واستشارة، ولا نؤيد الاستعجال في إفساد العلاقة لأجل هذه المواقف، التي قد نستغني عن بعضها للسفر مثلًا، أو للبعد، أو برضا الوالدين، أو بأن يكون هناك من يخدم الوالدين ويقود عربة خاصة بهما، حتى لو تم استئجار سائق مؤتمن، يُوصلهما ويقضي حاجتهما، كل هذه الأمور يمكن أن يوجد لها حل، ولا يتوقف الزواج بسببها.

لكن الذي يهمنا هو أن تكون الفكرة عند الطرفين، عند الشاب وعند الفتاة، أن يُعين كل طرف الآخر على الأمور الخاصة به والمهمة في حياته، مثل الأمر الذي يتعلق بالوالدين والوصول إليهما، والجلوس معهما، ومساعدتهما إذا اقتضى الأمر، كما أشرتِ، وكما هو واضح أن الأسرة ليس لديها غيركِ، وهذا من المعاني المهمة جدًّا، التي نحب أن نوصلها للشاب ونوصلها لك أيضًا.

لا شك أن حق الزوج سيكون مقدَّمًا، ولكن من المهم أن يتفهم الأزواج أن الإحسان إلى الزوجة وأهلها، مما يفتح قلبها، ويُعين على مسألة التماسك الأسري، وكذلك الاهتمام برضا أهل الزوج وتقديرهم والصبر عليهم، مما يمكن لهذه العلاقة، فالعلاقة الزوجية ليست مجرد علاقة بين شاب وفتاة، ولكنها علاقة بين أسرتين وبيتين وقبيلتين، وسيكون هاهنا أعمام وعمات وأجداد وجدات، وهناك أيضًا أخوال وخالات وأجداد وجدات، وبالتالي نتمنى أن تكون المشاعر النبيلة وحُسن الظن، هما اللذان يقودان هذا الحوار، ولا نؤيد فكرة الاستعجال، ولكن نتمنى أن يستمر الحوار، وأن تكون هناك تنازلات من هنا وهناك.

وبالنسبة لك، إذا كان رضا الوالدين في إكمال المشوار فهذا هو الخير؛ لأن الرجل فيه مواصفات عالية، والحمد لله، والدليل على هذا أن الوالدين حريصان على إكمال المشوار، وعلى عدم التوقف عن هذه العلاقة.

بالنسبة للماجستير وغيرها من الدراسات، فالإنسان يستطيع أن يستأنفها في أي وقت آخر، هي ليست مثل الدراسات الجامعية، وهذا أيضًا ينبغي أن تتفاهموا عليه، فإذا كان هو لا يريد الآن الماجستير، يمكن أن تتفقا على أن يكون ذلك في المستقبل، في أي بلد، في أي مكان، تغتنمين الفرصة مثلًا بين إنجاب الأولاد، أو بين الظروف التي تمر عليكما، الإنسان يحاول أن يطور نفسه علميًّا، وهذا فيه مصلحة للأسرة بلا شك، وإن رفض الآن فلا تفتحوا الموضوع الآن، لأن هدفكم إتمام الزواج، وهذا الموضوع قد يؤثر فيه، ولعله في السنين المقبلة تتاح لك الدراسة.

عمومًا نحن لا نرى الاستعجال في حسم هذا الأمر؛ لأنه يحتاج إلى مزيد من المناقشات، ومزيد من التفاهم، والتنازل من الطرفين في بعض الأشياء، ليكون الملتقى في منتصف الطريق، ونسأل الله لنا ولكما التوفيق والسداد.

وإذا تعذر هذا فنحن نميل إلى ما يميل إليه الوالد والوالدة من إكمال المشوار؛ لأن الشاب صاحب دين وصاحب خلق، ومثل هذه المواصفات هي المطلوبة شرعًا، ونسأل الله أن يُقدِّر لك الخير ثم يُرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً